يطلب ما قد هلك..!
لا تفقد الرجاء إذن مهما ضللك، لأنه هناك درجة أبشع كثيرًا من الضلال قد جاء الرب لخلاصها، كما قال عن نفسه إنه:
"جاء يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو 19: 1).
يخلص من؟ ليس مجرد الضعيف أو الخاطئ أو المتواني أو المريض.. وإنما "ما قد هلك"..! ليس فقط من هو في طريق الهلاك،إنما ما قد هلك!!.. أي رجاء أعظم من هذا أن الرب "جاء يطلب ويخلص ما قد هلك".. ولم يقل "ويخلص الطالبين.." إنما هو الذي يطلب.. الذي يسعي لخلاص كل أحد..
إذن حتى الذي هلك، مازال له رجاء في الخلاص!
نعم بلا شك. إن المسيح قد جاء ليخلص هذا الهالك وأمثاله. جاء يخلص الموتى بالخطايا (أف 2: 5). نعم بلا شك. أن المسيح قد جاء ليخلص هذا الهالك وأمثاله.. جاء يخلص الموتى بالخطايا (أف 2: 5). لا يقل أحد إذن، مهما حدث منه، ومهما حدث له: أنا انتهيت، أنا ضعت وليست هناك فائدة مني، ولا وسيلة لخلاصي..! اطمأن فحتى إن كنت قد هلكت فعلًا، فاعلم أن باب الخلاص لا يزال مفتوحًا أمامك، والرب قد جاء يطلب ويخلص ما قد هلك..
وهب الله رجاء للمجدلية التي كان عليها سبعة شياطين.
وعندما قام من الأموات، يقول مرقس الإنجيلي إنه "ظهر أولًا لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين" (مر 16: 9). ولما أراد أن يبشر رسله القديسين بقيامته، اختار هذه بالذات لكي تبشرهم!! ونحن لا ندري هل كان عليها سبعة شياطين فقط أم رقم سبعة هنا له معني رمزي يدل علي عدد كبير من الشياطين!! ولكن ماضي المجدلية قد نسي، وقد أصبحت مبشرة للرسل! يا للعجب! أليس هناك رجاء لك من خلال قصة هذه المرأة العجيبة؟!
حقًا أنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار (متى 18: 10).
سواء الصغار في سنهم، أو في روحياتهم، أو في نوعيتهم، أو أصحاب الماضي الويل الأثيم. لا تحتقروا لأحدًا. ولا تصغر نفس أحد إن كان واحدًا من هؤلاء ولا يفقد رجاءه.
صدقوني، أن الله في اليوم الأخير سيرتبنا ترتيبًا آخر غير الذي نحن عليه الآن..
ترتيبنا في العالم الحاضر هو حسب السن أو المركز أو الدرجة، أو المواهب والقدرات.. أما في الأبدية فسيكون حسب القلب الذي يعرفه الله. وربما كثير من الصغار هنا، ومن المزدري وغير الموجود، يسبقون أصحاب الدرجات والواهب وأصحاب المناصب والرئاسات. فلا تحتقروا إذن أحد هؤلاء الصغار.
ولما أراد الله خلاص أريحا، اختار راحاب الزانية (يش 2). ودخلت راحاب في شعب الله، كما دخلت في سلسلة الأنساب (متى 1) وصارت قديسة، ونسي لهال ماضيها،وصارت صورة حية للرجاء لكل من يتذكرها. ولعلك تسأل: ما معني اهتمام الله بامرأة زانية، وبأخرى كان عليها سبعه شياطين؟! أقول لك إنه نفس اهتمامه بالأشياء الصغيرة، بالمزدري وغير الموجود (1 كو 1: 28).
إن قصة "المدوسة بدمها" في سفر حزقيال، تعطي رجاء للكل..
قال عنها الكتاب إنها كانت عريانة وعارية، ومطروحة علي الحقل بكراهة نفسها، وأنها كانت مدوسة بدمها.. فهل تركها الله هكذا؟ كلا، إنه يقول لها وهي في هذه الحالة السيئة:
"مررت بك ورأيتك، وإذن زمنك زمن الحب".
أي حب يا رب لهذه المكروهة، العارية من كل فضيلة، المطروحة علي الحقل؟! نعم إن الله أحبنا ونحن خطاة، ولهذا بذل نفسه عنا، ومات لأجلنا، البار من أجل الأثمة. وماذا عن هذه الأثيمة الخاطئة؟ يقول لها "مررت بك"، وليست هي التي ذهبت إليه. وماذا أيضًا؟ يقول:
"فبسطت ذيلي عليك، وسترت عورتك". غطي الخطية ولم يحتقر صاحبتها..
"ودخلت معك في عهد، يقول السيد الرب، صرت لي"..
وفي هذا العهد، منحها الرب الكثير من نعمة الروحية. يقول: "فحممتك بالماء" يعني المعمودية، حيث غسلها من كل خطاياها "ومسحتك بالزيت" يعني الميرون، فنالت المسحة المقدسة، مسحة الروح القدس." وألبستك مطرزة، وكسوتك برًا" (أي البر الجديد الذي نالته). وماذا أيضًا؟ يقول: "وجملت جدًا جدًا، فصلحت لمملكة" أي للملكوت.
"وخرج لك اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي طرحته عليك، يقول السيد الرب" (حز 16: 14).
عجيب حقًا هو الله الحنون هذا، الذي يطرح بهاءه علي هذه المدوسة بدمها المكروهة، فتصير كاملة الجمال، وتصلح لمملكة وتدخل في عهد مع الله، وتنال من كل نعمة، بل يقول لها: "وتاج جمال علي رأسك" (حز 16: 12) أليس كل هذا يعطينا درسًا عجيبا في الرجاء..؟
ليس المهم ما نحن فيه، إنما ما يصيرنا الرب إليه.. وفي قصة هذه الخاطئة، التي ترمز لأورشليم كلها، كان الرب يعمل كل شيء. ولو تركها لنفسها لضاعت، واستمرت في عبادة الأصنام. ولكن مناخس الرب كانت تحرك الضمير باستمرار وتقوده إلي التوبة. ولعل هذا الأمر يذكرنا أيضًا بقصة شاول الطرسوسي.