18 - 10 - 2017, 10:40 AM | رقم المشاركة : ( 171 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
الأم تاؤدورة الراهبة: سُئل البابا ثاؤفيلس من الأم تاؤدورة الراهبة، عن الكلمةِ التي قالها بولس الرسول: «اشتروا الزمانَ فإن الأيامَ شريرةٌ». فقال لها: «المقصود بالشراء هنا الربح، كقولك: إذا ما نظر الراهبُ زمانَ شتيمةٍ، فإنه يشتري هذا الزمان بالتواضع وطول الروح، ويأخذ الربحَ المستحق له، كما أن زمان الهوان، يشتريه أيضاً بعدم الشرِ. كذلك اشتري الوقتَ الحاضر فتربحي، حتى إذا اتفق مجيء وقتُ كذبٍ ونفاق، أمكنكِ أن تشتريه بالصبرِ والرجاءِ، وهذا هو ربحه. هكذا كلُّ الأشياءِ تُشترى بضدِها، فاجتهدي أن تدخلي من الباب الضيق، لأن الشجرةَ لا تستطيع أن تثمرَ ما لم تصلها الرطوبةُ والأمطار، فهذا العالم يُعتبر شتاءٌ للنفسِ، وبغير أحزانٍ وتجارب لا يمكننا أن نرثَ ملكوتَ السماوات». قالت الأم تاؤدورة: «حسنٌ للإنسانِ أن يسكتَ، لأن الرجلَ الحكيم شيمته السكوت، وهذا هو بالحقيقةِ عونُ العذارى والرهبان، ولا سيما للشبابِ منهم، لأني أَعلمُ حقاً، أنه إذا اقتنى الإنسانُ في نفسِه السكوتَ، فللوقتِ يجلبُ عليه الشيطانُ مللاً، وثقلَ رأسٍ، وصِغرَ نفسٍ، وضعفَ جسدٍ، وانحلالاً في الركبتين وكلِّ الأوصال، وإذ تنحل قوى النفسِ والجسدِ، فيحتج بأنه عليلٌ لا يقدرُ أن يتمِّمَ صلاتَه، حتى إذا فرغ من الصلاةِ، زال هذا كلُّه. وذلك لأني أعرفُ إنساناً راهباً، كان إذا اعتزم أن يبدأ صلاتَه، تأخذه حمى وقشعريرة، مقرونةٌ بآلامٍ شديدةٍ في رأسِه، حتى أنه كان يتوهم بأنه عليلٌ، أما هو فكان يقول لنفسِه: يا شقي، لعلك تموتُ هذه الساعة، فاغتنم صلاتَك قبل موتِك. وبهذا القول كان يُلزم نفسَه، ويتمِّم صلاته، وبمجرد فراغِه من الصلاةِ، تسكن عنه الحمى، وتقف الآلام والقشعريرة، لكنه إذا عاد إلى الصلاةِ، عادت إليه الحمى والأوجاع وهكذا. فكان بهذا الفكرِ يقاتِل ويغلب، ويتمم صلاتَه حتى خلَّصه الربُّ، وصار له صبرُه إكليلاً إلهياً». وقالت أيضاً: «حدث أن إنساناً سُمعته غيرُ جيدةٍ، شتم أخاً عفيفاً، فقال له:كنتُ قادراً على أن أجيبك بما يوافق كلامك هذا، ولكن ناموسَ إلهي يُغلق فمي». كما قالت: لا نسك، ولا سهر، ولا تعب، ولا صوم، يقومُ مقامَ التواضع الكامل، لأنه قيل عن إنسانٍ متوحدٍ كان يُخرج الشياطين، فسألهم قائلاً: «بماذا تَخرجون، أبالصومِ»؟ فقالوا: «نحن ما نأكل قط». فقال: «أبالسهرِ»؟ فقالوا: «نحن لا ننام». فقال: «أبتركِ العالم»؟ فقالوا: «إن مساكننا البراري والخرائب». فقال لهم: «فبماذا تخرجون إذن»؟ فأجابوه: «لا يوجد شيءٌ يسحقُنا غيرُ التواضع». فالاتضاع هو غلبة الشيطان. كذلك قالت: كان إنسانٌ راهباً، ومن شدةِ التجاربِ والمحنِ المتكاثرةِ عليه، قال: «لنمضِ من ههنا». فبينما هو يلبس نعالَه، أبصرَ رجلاً يلبس نعاله كذلك، فقال له: «إلى أين أنت ماضٍ كذلك»؟ أجابه قائلاً: «إلى الموضعِ الذي أنت ماضٍ إليه، لأني من أجلِك أنا مقيمٌ في هذا الموضعِ. فإذا أردتَ الانتقال من ههنا، فسوف أنتقل بدوري لأني ملازمٌ لك حيثما سكنتَ». وقالت أيضاً: إن راهباً آخر، كان يسكن في موضعٍ حارٍ، فكثرت عليه الهوامُ، وتعب من ذلك جداً، لأنه لم يكن من ذوي المراتب أو الغِنى، فأتاه الشيطان في صورةِ مفتقدٍ، وقال له: «كيف تستطيعُ الإقامةَ بهذه القلايةِ التي تصنع الدودَ من شدةِ حرارتها»؟ فقال له: «أما الدود، فإني أصبرُ عليه لأفلتَ من الدود الذي لا ينام. وأما الحرُ، فإني أصبرُ عليه كذلك، لأنجوَ من نارِ جهنم، فإن هذين زائلان، وأما ذلكما فباقيان». وبصبرِه هذا قهر الشيطانَ. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:41 AM | رقم المشاركة : ( 172 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قال شيخٌ: «إذا كان راهبٌ مقيماً في موضعٍ، وأراد أن يصنعَ في ذلك الموضعِ خيراً، ولم يستطع، فلا يظن هذا أنه إذا ذهب إلى موضعٍ آخر، يستطيعُ أن يصنعَ ذلك الخيرَ». وقال شيخٌ آخر: «إذا أقام راهبٌ عمَّال في موضعٍ مع رهبانٍ غير عمَّالين، فإنه لا يفلح إلا إذا ضبط نفسَه، ولم يرجع إلى الوراء، ويكون بذلك مستحقاً جزاءً صالحاً، أما الراهب البطال، الذي يقيم بين مجاهدين فإن هو انتبه فإنه يمشي إلى قدام، ولن يرجع إلى وراء». كذلك قال شيخٌ: إذا كان وجعٌ يقاتلك في موضعٍ ما، وتترك ذلك الموضع ظناً منك أنه يخف عنك دون أن تقاتلَه، فاعلم أنك إذا لم تغلبه حيث قاتلك، فإنه سوف يسبقك إلى كلِّ موضعٍ تمضي إليه، لأني أعرفُ أخاً كان ساكناً بديرٍ، وكان مداوماً على السكوتِ، إلا أنه كان كلَّ يومٍ يتحرك من وجع الغضبِ، فقال في نفسِه: «أمضي وأسكن وحدي في قلايةٍ، وحيث أنه لن يكونَ هناك أحدٌ ساكناً، فسوف أهدأ، ويخف عني الوجع». فخرج وسكن وحدَه في مغارةٍ، وفي أحد الأيامِ ملأ القلةَ ماءً، ووضعها على الأرضِ، ولوقتها تدحرجت وانسكب ما فيها، فأخذها وملأها مرةً ثانيةً، ووضعها، فانسكبت كذلك، فملأها دفعةً ثالثةً، فانقلبت أيضاً. فغضب وأمسكها وضرب بها على الأرضِ فكسرها. فلما جاء إليه قلبُه علم أن الشياطين قد سخروا منه، فقال:« هوذا قد غُلبتُ وأنا في الوحدة كذلك، فلأذهب إلى الدير لأنه في كلِّ موضعٍ يحتاجُ الإنسانُ إلى جهادٍ وصبرٍ ومعونةٍ من الله». ثم قام ورجع إلى موضِعِه». قال شيخٌ إنه كان قد جُرِّب بأفكارٍ تسع سنين حتى أنه يئس من خلاصِه، ومن الخوفِ كان يقول:« هلكتُ». ولما كاد أن ينقطعَ رجاؤه بالكليةِ، صار إليه صوتٌ قائلاً: «إن الشدائدَ التي لحقتْ بك في هذه السنين التسع، هي أكاليلٌ لك، لا تكلَّ من الجهادِ». فلما سمع هذا، تقوَّى بالرجاءِ وخَفَّت عنه الأفكارُ. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:41 AM | رقم المشاركة : ( 173 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قال أنبا إسحق: رأيتُ مرةً إخوةً يحصدون في حقلٍ ما، فأراد أحدُهم أن يفركَ سُنبلةً، فاستأذن صاحبَ الحقلِ في ذلك، فأجابه متعجباً: «إن الحقلَ كلَّه بين يديك أيها الأب، وتستأذن في هذا»؟ إلى هذا الحدِ من التحفظ كان ذلك الأخ يحتاطُ لنفسِه. وحدث أيضاً أن اعتلَّ هذا الأخ علةً عظيمةً، لدرجةِ أنه كان يرى من تحته دماً، فصنع له أحدُ الإخوةِ طعاماً وجاء به إليه، فلم يذقه، فألحَّ عليه ذلك الأخ، أن يتناولَ منه قليلاً بسببِ مرضِه، فأجابه: «صدقني يا أخي، إني أشاءُ لو أن المسيحَ يتركني في هذه العلَّةِ ثلاثين سنةً». فأخذ الأخُ الطعامَ الذي أحضره وانصرف. وقيل عنه لما جاءت وفاتُه: أنْ اجتمع إليه الإخوةُ قائلين: «ماذا نصنعُ بعدَك يا أبانا»؟ قال لهم: «كما كنتُ أسلكُ قدامكم اسلكوا واحفظوا وصايا السيد المسيح، فيرسِلَ إليكم نعمةَ روحِه القدوس، ويحفظ هذا الموضعَ، وإن لم تحفظوا فلن تثبتوا ههنا، لأننا نحن لما تنيح آباؤنا اغتممنا، ولكن لما حفظنا وصايا إلهِنا ثبتنا موضعهم». |
||||
18 - 10 - 2017, 10:41 AM | رقم المشاركة : ( 174 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قال الأب يعقوب: «إن الغربةَ أفضلُ من ضيافةِ الغرباء». قال شيخٌ: «إني لما كنتُ في البرية الداخلية، كان بقربي شابٌ راهبٌ مهتمٌ بخلاصِ نفسِه، فرأيتُه مسالماً للوحوشِ، يأنس إليها كما تأنس هي إليه، وكانت هناك ضبعةٌ تُرضع جِراها، فتقدم ذلك الراهب الشاب، وطرح نفسَه وابتدأ يرضع مع جِراها». طلب أخٌ من الأب باريكوس أن يقول له كلمةً، فأجابه: «اجلس في قلايتِك، وإن جعتَ كُلْ، وإن عطشتَ اشرب، ومنها لا تخرج ولا تتكلم بكلمةِ سوءٍ، وأنت تخلص». قصد الأبَ يوحنا السرياني أناسٌ أشرار خبثاء، فأخذ ماءً في طِست وغسل أقدامَهم، فما كان منهم إلا أن احتشموا من إكرامِه لهم، فتابوا. سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «ماذا أعمل يا أبي؟ فإني لا أمارسُ أمراً من أمور الرهبنةِ، وهمِّي كلُّه هو في أن آكلَ وأشربَ وأرقدَ، وأنا في ذكرياتٍ سمجةٍ وسجسٍ كثير، أخرجُ من هذا الفعلِ إلى ذاك، ومن هذا الفكرِ إلى غيرهِ». فقال له الشيخُ: «اجلس في قلايتك واعمل بقدرِ استطاعتك بلا سجس، فإنه يُرضيني هذا القدر اليسير الذي تعمله الآن، مثل تلك الأمور الكبار التي كان أنطونيوس يعملها في البريةِ، ولي إيمانٌ أن كلَّ راهبٍ يجلس في قلايتهِ من أجلِ الله، مفتشاً أفكارَه، تاركاً التفتيش عن عيوبِ الآخرين، فإن ذلك يؤهله لأن يكون موضع أنبا أنطونيوس». |
||||
18 - 10 - 2017, 10:41 AM | رقم المشاركة : ( 175 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وقيل عن الأب يوحنا السرياني: إنه كان عديمَ الشرِ جملةً، فقد حدث في بعضِ الأيامِ أن اقترض ديناراً من بعضِ الإخوةِ، وابتاع به كتاناً ليعمله. فأتاه أحدُ الإخوةِ وطلبَ منه أن يعطيه بعضاً من الكتانِ، فأعطاه بفرحٍ. وسأله آخرُ، فأعطاه بانبساطٍ. وأخيراً أتاه صاحب الدينار طالباً دينارَه، فقال له الشيخُ: «ها أنا مهتمٌ بردِه إليك». وللوقت قام منطلقاً إلى أنبا يعقوب – صاحب الدياكونية – ليأخذ منه ديناراً ليدفعه للأخِ، وفي طريقِه إليه، وقع بصرُه على دينارٍ مطروحٍ على الأرضِ، فلم يأخذه، بل صلَّى صلاةً وعاد إلى قلايتهِ. فرجع إليه الأخُ مطالباً إياه بالدينار، وألحَّ عليه في الطلبِ، فقال له الشيخُ: «ها أنا ماضٍ لأحضرَه لك». وقام ومضى، فوجد الدينارَ في نفسِ المكانِ مطروحاً، فصلى صلاةً وأخذه. وجاء إلى أنبا يعقوب وقال له: «إنه في كلِّ مرةٍ أجيءُ فيها إليك، أجدُ هذا الدينارَ مطروحاً على الأرضِ، فاصنع محبةً ونادِ في جميعِ الجبلِ لئلا يكون قد سقط من أحدِ الإخوةِ». فنادى في كلِّ ذلك الجبلِ، فلم يوجد أحدٌ ضاع منه دينارٌ. فقال الشيخُ لأنبا يعقوب: «إني مديونٌ لفلان الأخِ بدينارٍ، فادفعْهُ له، لأني كنتُ آتياً إليك لأتصدَّق منك ديناراً له». فعجب أنبا يعقوب كيف كان مديناً، ولم يأخذ الدينارَ الذي وجده، ليوفي دينَه. وكان كلُّ من يأتيه طالباً شيئاً يعطيه، لكنه لم يكن يعطي بنفسِه، بل كان يقول للسائل: «ادخل أنت وخذ ما تريد». وإذا ردَّ له أحدٌ شيئاً كان يقول له: «ضعه موضعَ ما أخذتَه». أما الذي لا يردُّ له، فما كان يطالبه قط. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:42 AM | رقم المشاركة : ( 176 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
الأب يوحنا التبايسي القصير: كان وهو شابٌ تلميذاً للأنبا بمويه، وهذا مكث يخدمُ الشيخَ إذ كان مريضاً، وقد كان ملازماً مضجِعَه، وكان الشيخ وهو يسعل ينطرح بثقلِه عليه دائماً، لأنه كان يُغشى عليه، وهكذا تعب معه كثيراً. ورغم ذلك، فإنه لم يسمع من معلمِه كلمة: «خلصت». فلما دنت وفاةُ الشيخ، وقد جلس الشيوخُ عنده، أمسك بيدِ تلميذِه، وقال له: «تخلص، تخلص، تخلص». وسلمه للشيوخِ قائلاً لهم: «هذا ملاكٌ وليس إنساناً». ومن قوله أيضاً: «إن البيتَ لا يمكن أن يُبنى من فوق إلى أسفل، بل من الأساسِ إلى فوق». فقالوا له: «ما معنى هذا القول»؟ فقال لهم: «إن أساسَ كلِّ عملٍ هو المحبة للقريب، فيجب علينا أن نربحه قبل كلِّ شيءٍ، لأن وصايا المسيح إلهِنا كلَّها متعلقةٌ بهذا». الأب يوحنا تلميذ أنبا بلاَّ: كانت له طاعةٌ عظيمةٌ، فقد حدث أنه كان يوجد في تلك الأماكن مقابر، وكان تسكنها ضبعةٌ ضاريةٌ، وإذ رأى الشيخُ هناك قُلةً يمانية، سأل يوحنا أن يمضي ويأتي بها. فقال له: «وماذا أصنع بالضبعةِ يا أبتاه»؟ فقال له الشيخُ: «إن أقبلتْ إليك، فاربطها وقُدها إلى ههنا». ثم أن الأخ مضى وكان الوقتُ مساءً، فلما أقبلت الضبعةُ نحوه، تقدم إليها، فهربت، فتعقَّبها قائلاً لها: «إن معلمي طلب إليَّ أن أمسكَكِ وأربطك»، فوقفت. فأمسك بها وربطها، وأقبل بها إلى الشيخ. وكان الشيخُ وقتئذ جالساً منتظراً مفكِّراً. فلما أبصره تعجب كيف أمكنه إحضار الضبعةِ، وإذ أراد أن يحفظَه من الكبرياءِ، ضربه قائلاً: «يا أحمق، لقد طلبتُ منك أن تحضرَ لي الضبعةَ، فتمضي وتأتيني بكلبٍ». وللوقت حلَّها وأطلقها. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:42 AM | رقم المشاركة : ( 177 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
اسحق القس التبايسي: حدث أن أتى إلى الكنوبيون، ودان أخاً على فعلٍ أتاه، فلما خرج إلى البريةِ، أتاه ملاكُ الربِ، ووقف قدام بابِ القلايةِ وقال له: «الربُّ يقول لك أين تشاءَ أن نطرحَ نفسَ ذلك الأخ المخطئ الذي أنت دِنتَه»؟ فتاب لوقتهِ قائلاً: «أخطأتُ فاغفر لي». فقال له الملاكُ: «لقد غفر اللهُ لك، ولكن عليك أن تحفظَ ذاتَك من الآن وألا تدين أحداً من الناسِ قبل أن يدينه الله». |
||||
18 - 10 - 2017, 10:42 AM | رقم المشاركة : ( 178 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قال الأب يوسف التبايسي: «يوجد ثلاثةُ أمورٍ كريمةٌ أمام الله: أولها، أن يؤدي الإنسانُ عملَه خالصاً لوجه الله، ولا يرائي فيه بشرياً. أما ثانيها، فهو أن يكون الإنسانُ في مرضِهِ، وحين تواتر المحن عليه، راضياً شاكراً. وثالثها، فهو وجود الإنسان مداوماً على طاعة أب روحاني، عاملاً بحسب مشورته. فبهذه الأمور الكريمة، يؤهَّل الإنسان لإكليلٍ فاضلٍ، وإني لذلك أحبُّ المرضَ. إذ قيل عن شيخٍ كان في كلِّ زمانِه يشتكي، إلا أنه في سنةٍ من سني حياته وُجد غيرَ مشتكٍ، إذ لم يصبه خلالها مرضٌ، فمكث تلك السنة حزيناً جداً، وكان يبكي ويقول: لقد أسلمتني يا الله، ولم تتعهدني بالطعام، الذي كنتَ قد عودتَّني عليه، من الأمراض التي كنتَ تجلبها عليَّ». |
||||
18 - 10 - 2017, 10:42 AM | رقم المشاركة : ( 179 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قال الأنبا أنطونيوس: «رأيتُ رهباناً كثيرين، قد وقعوا في دهشةِ عقلٍ، وذلك بعد تعبٍ كثيرٍ، والسبب في ذلك، هو أنهم توكَّلوا على معرفتِهم وحدهم، ولم يصغوا إلى الوصيةِ القائلة: اسأل أباك فيخبرك، ومشايخك فيقولون لك». ودفعة جاء شيخٌ كبير في زيارةٍ للأنبا أنطونيوس في البريةِ، وهو راكبٌ حمارَ وحشٍ، فلما رآه الشيخُ قال: «هذا سَفَرٌ عظيم، ولكني لستُ أعلم إن كان يصلُ إلى النهايةِ أم لا». وقيل إن شيوخاً كانوا قاصدين الذهاب إلى أنبا أنطونيوس، فضلُّوا الطريقَ، وإذ انقطع رجاؤهم، جلسوا في الطريقِ من شدةِ التعبِ، وإذا بشابٍ يخرجُ إليهم من صدرِ البريةِ، واتفق وقتئذ أن كانت هناك حميرُ وحشٍ ترعى، فأشار إليها الشابُ بيدِه، فأقبلت نحوه، فأمرها قائلاً: «احملوا هؤلاء إلى حيث يقيم أنطونيوس». فأطاعت حميرُ الوحشِ أمرَه. فلما وصلوا، أخبروا أنطونيوس بكلِّ ما كان، أما هو فقال لهم: «هذا الراهبُ يشبه مركباً مملوءاً من خيرٍ، لكني لستُ أعلمُ إن كان يصلُ إلى الميناءِ أم لا». وبعد زمانٍ ابتدأ الشيخُ يبكي وينتف شعرَه فجأة. فقال له تلاميذُه: «ماذا حدث أيها الأب»؟ قال لهم الشيخُ: «عمودٌ عظيمٌ للكنيسةِ قد سقط في هذه الساعةِ، أعني ذلك الشاب الذي أطاعته حميرُ الوحشِ». وأرسل الشيخُ تلاميذَه إليه، فوجدوه جالساً على الحصيرِ يبكي. فلما رأى تلاميذَ أنطونيوس، قال لهم: «قولوا للشيخِ أن يطلبَ إلى اللهِ كي يمهلني عشرةَ أيامٍ لعلي أتوب»، وقبل أن يتم خمسةَ أيامٍ توفي. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:43 AM | رقم المشاركة : ( 180 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
من سيرة الأب باخوميوس: إنه في بعضِ الأوقاتِ بينما كان باخوميوس مع الأب بلامون، وافاهما راهبٌ قد استولت عليه الخيلاءُ والاعتداد بالذات. وإذ كان الوقتُ شتاءً، فقد كانت قدامهما نارٌ تشتعل. فلما رآها الأخُ الضيفُ، داخَلَه السُبحُ الباطل وقال لهما: «من منكما له إيمانٌ صادقٌ بالله، فليقف على هذا الجمرِ ويقول الصلاةَ التي علَّمها السيدُ لتلاميذِه». فلما سمع الشيخُ قولَه هذا، زجره قائلاً: «ملعونٌ هو ذلك الشيطان النجس، الذي ألقى هذا الضميرَ الفارغ في قلبك، فكفَّ عن هذا الأمر، لأنه من شيطان العُجب». فلم يحفل ذلك الأخ بقولِ الشيخ، ولكنه قال: «أنا، أنا». ثم نهض قائماً ووقف على ذلك الجمرِ المتَّقد كثيراً، وقال الصلاة الإنجيلية مهلاً مهلاً، ثم خرج من النارِ ولم تضرّه بشيءٍ، ومضى إلى مسكنِه بكبرياءِ قلبٍ. فقال باخوميوس للشيخ: «يعلم الربُّ، أني عجبتُ من ذلك الأخ، الذي وقف على هذا الجمر ولم تحترق قدماه». فقال له الشيخ: «لا تعجب يا ابني من هذا، لأنه بلا شك من فِعلِ الشيطان، ولأجلِ أنه لم يذلِّل لبَّه، تسامح الله في أن لا تحترق قدماه، كالمكتوب: إن الله يُرسل لذوي الاعوجاج طرقاً مُعوجّةً. ولو علمتَ يا ابني ما ينتهي إله أمرُه، لكنتَ تبكي على شقاوتِه». وبعد أيامٍ قليلةٍ، لما رأى الشيطانُ أنه جانحٌ لخداعِه تشكَّل بصورةِ امرأةٍ جميلةٍ جداً، متزينةً بثيابٍ فاخرةٍ، فجاءت إليه، وقرعت بابَه، ففتح لها لوقتِه، حينئذ أسفرت عن وجهِها وقالت له: «اعلم أيها الأب الخيرِّ أن عليَّ ديناً لأقوامٍ مقتدرين، وهم يطالبونني، وليس لي ما أُوفيهم، وأخشى أن يقبضوا عليَّ، ويأخذوني عبدةً لهم، لأنهم مسافرون، فاعمل جميلاً، وأْوِني عندك يوماً واحداً، أو يومين حتى يمضوا، فيكون لك من الله جزيلُ الأجرِ، ومني أنا المسكينة صالحُ الذكرِ». فأما هو فلصلفِ قلبهِ، لم يحسَّ البلاءَ الذي دُبِّر له، فقِبلها داخل قلايتهِ، حينئذ لعبت عليه أفكارُه، فعوَّل على معاشرتها، ومد يدَه نحوها ليتمَّ الفعلَ النجس، فلوقته باغته الشيطانُ وصرعه على الأرضِ، فضاع عقلُه وبقى مسبخاً كالميتِ نهاراً وليلةً، ثم عاوده رشدُه، فقام وجاء إلى الشيخ بلامون وهو باكٍ، فطرح ذاتَه بين يديه قائلاً: «أنا هو السبب في هلاكي، وعلة مماتي. لأني لم أُصغِ إلى كلامِك، ولذلك حلَّ بي ما حلَّ». وشرح ما حدث له، ثم طلب صلاةً، فلما قاما ليصليا عليه باغته الروحُ النجس، وطفر به طفرةً منكرة، ومضى مستكداً مسافةً بعيدةً، حتى وصل مدينة تُدعى بانوس، وبقى فيها ضائعَ العقلِ وقتاً، وأخيراً زج بنفسِه في تنورٍ متقد، حيث احترق فيه وهلك. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بستان الرهبان كامل مسموع |
زهور من بستان - كتاب بستان الرهبان |
تحميل كتاب بستان الرهبان كامل مسموع |
كتاب بستان الرهبان لبيلاديوس |
كتاب بستان الرهبان |