وبما أن الكتاب قد كرروا مراراً تلك الشهادة للوحي، فمن الواضح أنهم إما كانوا ملهمين وإما تصرفوا بحماسة تعصبٍ أعمى. نحن إذن بين أمرين: إما أن نصل إلى الاستنتاج بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله أو أنه مجرد أكاذيب! ولكن كيف يمكن للكذب أن يكون قد أثر تأثيراً عديم النظير في رفع المستوى الأخلاقي والخيري كالتأثير الذي أحدثه الكتاب المقدس في كل مكان انتشر فيه؟
ويمكننا الملاحظة بأن معاصري كتبة العهد الجديد وآباء الكنيسة كانوا الأفضل تأهيلاً للحكم فيما إذا كانت هكذا الشهادات صحيحة –وبالفعل فإنهم قبلوا هذه الشهادات بدون أي تردد. ولقد اعترفوا بأنه كانت توجد هوة عظيمة بين تلك الكتابات وكتاباتهم الخاصة. وقد أسسوا العقائد والفرائض عليها، لا على آرائهم الخاصة. وكذلك نجد أن البشائر والرسائل تحتوي على الكثير من البراهين الداخلية التي ترغمنا على قبولها. وإذا ما اتبعنا مجرى التاريخ في القرون المتعاقبة نرى أن البراهين تزداد في عددها وأهميتها حتى أن الهراطقة يشهدون لهذه الحقيقة مع أنهم كانوا في رغبة شديدة للتخلص من سلطة الكتاب المقدس. وعلاوة على ذلك، لا تتضمن الكتابات نفسها أي متناقضات، ولو وجدت هذه لكانت قد قضت تماماً على تصريح الكتاب بالوحي. وهكذا تقدم أسفار الكتاب بانسجام كامل ذلك التدبير الواحد للخلاص وتلك المبادئ الأخلاقية السامية. فإذا كان كتاب راشدون ومستقيمون يصرحون بأن كلامهم كان موحى به من الله، وإذا كانت هذه التصريحات قد سارت بدون معارضة، بل قبلت بكل تواضع من المعاصرين، وإذا كانت هذه الكتابات لا تتضمن المتناقضات، فمن المؤكد إذن أننا نواجه ظاهرة غير عادية يجب أن تعلل، والتعليل الوحيد لا يمكن له إلا أن يأخذ الوحي الإلهي بعين الاعتبار.