وان كنتم تدعون أباـ جزء أول ١بط ١: ١٧
"وإن كنتم تدعون أبا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد، فسيروا زمان غربتكم بخوف" ١بط ١: ١٧
اول مرة نرى فيها الله يعلن انه أب لشعبه، كان في سفر الخروج الأصحاح الرابع الأياتين ٢٢، ٢٣: "فتقول لفرعون: هكذا يقول الرب: إسرائيل أبني البكر. فقلت لك: أطلق إبني ليعبدني...". وهذه العلاقة إستمرت حتى جاء الرب يسوع ليؤكدها وليعمق معانياها.
وهكذا علمنا أن نصلي قائلين "أبانا الذي في السماوات..." مت٦: ٩. لذلك فبحسب فكر الكتاب المقدس، ان الله هو أب لنا، ونحن في علاقة خاصة جدا كأبناء له. لذلك وإن كنا ندعوه أبا، فلنا إمتيازات عظيمة بسبب هذه العلاقة.
أولا ما هي الإمتيازات التي لنا عند أبينا السماوي؟
١ـ أب يعيش مع أولاده خر٣: ٧ـ ٩
كانت طلبة أشعياء النبي من شعب الله: "أطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب." (اش ٥٥: ٦). وهذا يعني أن الله أب قريب جدا من اولاده ويعيش معهم. نحن لا نواجه مخاطر هذه الحياة وتجارب العدو وحدنا، فأبونا السماوي معنا دائما. نعم فمركب حياتنا في وسط البحر معذبة بسبب الأمواج والرياح ومهددة بالغرق، ولكن أين يسوع؟ يسوع معنا في السفينة في وسط البحر الهائج. فهل يمكن ان تغرق المركب ويسوع فيها؟ هل يمكن أن يغرق يسوع؟ لا لن نغرق في خضم هذه الظروف والتحديات:
"وإنتهر بحر سوف فيبس وسيرهم في اللجج كالبرية." مز١٠٦: ٩
"ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم." مت٨: ٢٦
هل تعلم ان يسوع معك "عمانوئيل الله معنا"؟ هل تعلم انه يواجه معك هذه الرياح والأمواج مثلما انت تواجهها؟ كيف يكون هذا؟ الإجابة بكل بساطة لأنه أب سماوي كامل ومكانه الطبيعي ان يكون قريب من أولاده ويعيش معهم. أليس هذا أمرا يبعث السلام والطمأنينة.
٢ـ أب أفعال وليس فقط كلمات
في الأصحاح الثالث من سفر الخروج والآيات ٧، ٨، ٩ أعلن الله لموسى حقيقة مشاعره كأب من ناحية شعبه، وعدم قبوله لكل الظلم الذي كانوا يمرون به:
"إني رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم، فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا..." خر٣: ٧ـ٩
رأى مذلتهم، سمع صراخهم، علم أوجاعهم، نزل لإنقاذهم، وليصعدهم إلى أرض جيدة. ولم تكن هذه الكلمات التي تكلم بها الله لموسى مجرد مشاعر، او مجرد أقوال او شعارات. فقصة خروج شعب الله من مصر وقيادته لهم من خلال عبده ونبيه موسى، ورعايته لهم طوال هذه الفترة التي دامت حوالي أربعين سنة، وحمايتهم لهم طوال هذا الطريق حتى وصولهم إلى الأرض التي وعدهم بها، تعلن عن أن الله هو أب لشعبه و هو قادر أن يفعل كل ما يقوله ويعد به. فهو إله يعلم ويعمل، وهو إله يقول ويفي:
"ليس الله إنسانا فيكذب. ولا إبن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل او يتكلم ولا يفي." عدد٢٣: ١٩
وهذا الأب السماوي لم يتغير ولن يتغير من نحونا. فهو أب صالح يرى كل ما نمر به من ضيقات والام وظلم، ويسمع صراخنا وأنيننا، ويعلم طبيعة الظروف التي نمر بها. ولا يكتف بهذا بل أنه يسرع لنجدتنا حسب توقيته ومشيئته. فإنتظر الله وإصبر له لأنه يأتي حتى في الهزيع الرابع لينقذك. يقول ميخا النبي:
"ولكنني أراقب الرب، أصبر لإله خلاصي. يسمعني إلهي.
لا تشمتي بي يا عدوتي، إذا سقطت أقوم.
إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي." (مي ٧: ٧، ٨)
و يقول كاتب المزمور:
"انتظر الرب واصبر له ولا تغر من الذي ينجح في طريقه، من الرجل المجري مكايد...
والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض." (مز ٣٧: ٧ـ ١٠).
٣ـ أب لا ينسى اولاده أش٦٣: ١٦
يتكلم أشعياء في الأصحاح ٦٣ والآيات ٧ـ ١٤ عن إحسانات الله وعن رحمته وكيف أنقذ شعبه بقوة من عبودية المصريين. وكيف شق المياه قدامهم بذراع قديرة. حيث كان روح الله يسكن بمجد في وسطهم.
لكنه في عدد ١٥ يعلن عن الحالة السيئة التي اصبحوا عليها في وقت أشعياء، حيث كانوا مهزومين أمام أعدائهم وظروفهم وخطاياهم. وفي نفس الوقت كانوا يشعرون وكأن الله بعيدا جدا عنهم. ينظر من السماوات حيث مسكنه المقدس، بدون إهتمام للظروف والحالة الصعبة التي يمرون بها.
"تطلع من السماوات وانظر من مسكن قدسك ومجدك: أين غيرتك وجبروتك؟ زفير أحشائك ومراحمك نحوي امتنعت." ١٥
ولكن إشعياء كان يعلم ان هذه ليست الحقيقة، وإنما كان لسان حال الشعب بالتعبير عن الحالة التي وصل إليها في ذلك الوقت. لذلك وضع كل ثقته في الله مرة اخرى كما في الآية ١٦
"فإنك أنت أبونا وإن لم يعرفنا إبراهيم، وإن لم يدرنا إسرائيل. أنت يارب أبونا، ولينا منذ الأبد أسمك" ١٦
يذكر أشعياء النبي إبراهيم ويعقوب في هذه الآية وقد يكون هذا لسببين:
ـ ربما لأن الشعب في ذلك الوقت كان يحاول أن يلجأ إليهم بالتشفع ورفع الصلاوات لهم من أجل المساعدة. ولكنهم لم يحصلوا على أئ شئ. لذلك أراد إشعياء ان يقول أنه لا يوجد غير الله أبونا لكي نلجأ له مباشرة في ضيقاتنا واحزاننا.
ـ او ربما لكي يعلن أمانة الله تجاه شعبه، فحتى لو أن إبراهيم او يعقوب نسوا أولادهم فإن الله لا ينسى.
"هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك." اش ٤٩: ١٥
قد يبدو لنا، نحن أيضا، من خلال مرورنا في ظروف صعبة، ان الله تركنا او نسينا او انه لم يعد يهتم بنا كما من قبل. هذا الأمر ليس له أي أساس من الصحة. بل هو محاولة من عدو الخير حتى يفصلنا عن الله ويشككنا في محبته وامانته. فليس من صفات هذا الأب السماوي ان يترك شعبه في ضعفهم وإحتياجهم، أو ينسى أولاده في ضيقاتهم، معذبين تحت قيود الخطية والشر، ومأسورين في سجن العدو، تحت سلطان الظلمة. يعلن لنا الوحي المقدس ان الله معنا في ضيقاتنا ويمد يده لخلاصنا:
"في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة." اش ٦٣: ٩
فهل نتمتع بهذا الإمتياز وهذه العلاقة لكي ما نتحرر من الخوف وفقدان الرجاء؟ يرسل الله بكلمته المقدسة لنا لكي يشجعنا ويملأ قلوبنا بالسلام في وسط ظروفنا الصعبة. يريدنا ان نرفع رؤسنا امام ضيقاتنا ومخاوفنا بكل كرامة وعزة وشجاعة واثقين في قدرة أبونا السماوي على قيادة شعبة وكنيسته.
٤ـ أب قادر أن يتمم مشيئته اش ٦٤: ٨
كان شعب الله في حالة روحية وأخلاقية سيئة جدا. فما كانوا عليه من ضعف روحي وإنغماس في الخطية وفساد، لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يعكس صفات الله وقداسته. فإذا وجدت امة غير أمينة لله، غير مكرسة لعبادته، دفعها الله إلى أعدائها، شعب ترك بيت الله فارغا، والقائمون على الخدمة فاسدين، ماذا تعكس كل هذه الأمور؟ كل من يراهم لن يصدق ما يقولوه ان الله هو إلهم وانه أخرجهم من من مصر بذراع قوية وقادهم في البرية.
لكن هل يقبل الله ان يرى العالم ضعف شعبه؟ هل يقبل ان يكون العالم صورة غير حقيقية عن مجده؟ بكل تأكيد لا. يقول أشعياء "نحن الطين وأنت جابلنا، وكلنا عمل يديك" (اش٦٤: ٨). وهنا يعزي أشعياء شعب الله ويشجعهم. فالله لا يمكن ان يتركهم او ينساهم، بل لابد وان يتعامل مع ضعفهم ويعالج ميلهم للخطية والإبتعاد عن قداسته. سيرجعهم إلى الصورة التي أوجدهم وإختارهم من أجلها وهي ان يكونوا شهودا له
"أنتم شهودي يقول الرب" اش ٤٣: ١٠
"وتكونون لي شهودا" أع ١: ٨
الله لن يتركنا ولن يترك كنائسنا ولن يترك أولادنا فريسة لعدو الخير. بل على العكس، الله من مشيئته ان يخلق شعبا عظيما ليرى مجد الله حتى يشهد عنه. فهو خلقنا لمشيئته ولابد ان يتتم هذه المشيئته الصالحة من نحونا.
قد تحدث ضيقة في حياتك. لن تقدر هذه الضيقة ان تحنيك، لأن الله يعينك على هذه الضيقة، فتشهد عن قدرته وامانته في حياتك.
قد يحدث فشل في حياتك. لن يكن الفشل هو النهاية، بل سيتحول الفشل في حياتك إلى نجاح حتى تشهد عن عمل الله في حياتك.
قد تصاب بمرض خطير. لن يكون هذا للموت و للهلاكك. بل ان الله سيصنع امرا عجيا ويتتم شفاءك الروحي والجسدي بحسب مشيئته، حتى تقدر ان تشهد عن معجزات الله وقدرته على الشفاء والخلاص.
فالله ينقينا ويشكلنا، يؤدبنا ولكن لا يتركنا. لذلك يعلن الله لشعبه
"وأرد يدي عليك، وأنقي زغلك كأنه بالبورق، وأنزع كل قصديرك..." (اش ١: ٢٥)
الله يعلن انه أب لشعبه، يعيش معهم في كل ظروفهم، يتحمل مسئولياته تجاههم، لاينساهم او يتنكر لهم، كما أنه يتفاعل معهم بصفة مستمرة حتى يقودهم في الطريق الذي أعده من أجلهم. فهل تعلن ثقتك الكاملة في هذا الأب وفي مشيئته الصالحة من نحوك؟ هل تفتح قلبك أمامه وتعلن له عن كل ما يؤلمك ويحزنك ويقللك؟