رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حياتك في الفضيلة تُقاس بنوع اهتمامك "قال السيد المسيح لمرثا: أنت تهتمين وتضطربين لأمور كثيرة، ولكن الحاجة إلي واحد" (لو41:10). أما مريم فقد اختارت النصيب الصالح، واهتمت به.. وأنت يا أخي بماذا تهتم؟ ما هي الأولويات في حياتك؟ حسب أولوياتك، يكون حماسك، ويكون عملك وتكون إرادتك.. إن الناس يختفون في اهتمامهم، كما اختلفت مريم ومرثا. كان اهتمام مرثا أن تهتم بالمسيح في ضيافته: بينما مريم بمحبته، والجلوس عند قدميه والاستماع إليه: وصارت أحدهما مثالًا للخدمة، والأخرى مثالًا للتأمل. وقليلون -مثل القديس بولس- من جمعوا بين الأمرين الرعاة اهتموا بالخدمة، والرهبان بحياة التأمل. وحسب اهتمام كل واحد، هكذا كانت حياته.. وأنت مثلًا حينما تستيقظ كل يوم، بماذا يكون اهتمامك؟ هل تهتم بحياتك اليومية، تغسل وجهك، تقطر، تعد ملابسك، تستعد للذهاب إلي عملك؟ أم اهتمامك الأول كيف تبدأ اليوم مع الرب، بالصلاة والقراءة والتأمل..؟ حسب إهتمامك سيكون تصرفك.. البعض يعتذر أحيانا ويقول: لك يكن وقت الصلاة..! وأنا دائمًا ارفض هذا العذر، ولا اعتبره اسبب الحقيقي، وأقول: لو وضعت الصلاة والتأمل في قمة اهتمامك، لأمكنك أن تجد لهما وقتًا.. نفس الوضع نقوله بالنسبة إلى الصلاة في مجال الخدمة، وفي حياة كثير من الخدام.. إنهم يهتمون بتحضير الدس، أكثر من اهتمامهم بتحضير أنفسهم روحيًا.. يهتمون بمواعيد الخدمة، واجتماعاتها، بالصور والهدايا، والمكتبة والنادي، وبالافتقاد وبالأنشطة.. ونادرًا ما يهتمون علي نفس القياس بصلواتهم!! فلا نجد اجتماعات الصلاة مثل اجتماعات الشبان أو الشابات. النشاط يأخذ الاهتمام الأول، وليس الصلاة. ولو دخلنا في التفاصيل، ولوجدنا أيضا أن العمل الروحي لا يأخذ الاهتمام الأول.. فالنادي مثلًا: مثلًا: قد نهتم بمكانه، وترتيبه، وما توجد فيه من ألعاب ومن أنشطة رياضية وتسليات. وقد نهتم بتنظيم الكارنيهات والمواعيد، والمسابقات، وفرق التمثيل والكورال.. وفي كل ذلك قد لا يوجد الإشراف الروحي الكامل. ونجد النوادي في ضوضائها وفي أخطائها، لا تعطي الصورة الروحية المرجوة، وربما لا تختلف عن النوادي العادية، لعدم وجود المشرف الروحي.. لماذا؟ الجواب صريح.. لأننا لم نضع ذلك في قمة اهتمامنا. وفي الخدمة الاجتماعية، قد نجد نفس الظاهرة. اهتمامنا الأول أو الوحيد هو العناية بالفقراء ماديًا، سواء في المساعدات المالية، أو مشاكل التعطيل أو المرض أو الإسكان.. وما إلي ذلك. وينذر أن يعطي اهتمام حقيقي بروحيات هؤلاء المحتاجين.. وإن عقد اجتماع روحي، قد يكون شكليًا.. لا اهتمام فيه بربط هؤلاء الناس بالله، وبالاطمئنان علي حياتهم الروحية، وعلي تناولهم واعترافاتهم وتوبتهم.. نفس الوضع ربما نجده أيضًا في إنفاقات ومشروعات بعض الكنائس. غالبية المال قد تنفقه علي البناء والتعمير، أو علي تجميل الكنيسة وتزيينها بالديكور، وبالأيقونات وبالنجف الغالي.. ولا يعطي مجلس الكنيسة ولا كهنتها نفس الاهتمام لخدمة الفقراء والحالات المحتاجة من اجل الحياء المجاورة إلى رعاية روحية، ولا حتى الاهتمام بالخدمة الروحية في نفس الكنيسة.. للأسف كل الاهتمام مركز في البناء والديكور.. نفس الوضع في عناية الأسرة بالطفل يقول الأب والأم إن اهتمامهما الأول هو تربية أطفالهما ورعاية مستقبلهم. وحسنًا يقولون. ولكن أي نوع من التربية يهتمون به؟ إنهم يهمتمون بصحة أولادهم، وأكلهم وشربهم ولبسهم، وأيضا بتعليمهم واعدادهم لوظيفة لائقة. ثم بعد ذلك بتزوجهم.. ويقول الأب بعد ذلك، ويقول الأم كذلك: "أشكرك يا رب، إنى أديت رسالتى نحو أبنائى. الآن ضميرى استراح من جهتهم. ومع ذلك لا يضعون إهتمامهم الأول بتربيتهم الروحية وبمصيرهم الأبدى!! لا يعطونهم الغذاء الروحي اليومى، مثلما يعطونهم غذاءهم الجسدى. وإن سألتهم عن واجبهم في ذلك، ربما يجيبون "إننا أرسلناهم إلى مدارس الحد"..! دون متابعة لما أخذ وه أوحفظوه من دروس، ودون إضافة شيء خلال الأسبوع. كان الأب غير مسئول عن معلومات أبنه الدينية، وعن تربيته روحيًا وكان الأم غير مسئولة، وهى التي استلمت أبنها من المعمودية كإشبينة له تتعهده بالعناية الروحية، وبالتعلم الديني وبالتدريب على الفضائل.. ويبقي السؤال قائمًا وهامًا في كل ما قلناه: ما هو إهتمامنا الأول؟ إهتمامنا العميق الحقيقي؟ إنسان آخر في الخدمة، يهتم كيف تمتلئ الكنيسة بالناس هذا كل هدفه، ولا يهتم بأن يصل هؤلاء الناس إلي الله. وربما يلجأ إلي وسائل عالمية !! مثلما تلجأ الطوتئف إلي منح المعونات المالية والاجتماعية لجذب بعض المحتاجين إليهم، ويخرجهم بذلك من كنائسهم !! الاهتمام كله ليس في الملكوت، إنما في أن يزيد عددهم ولو علي حساب كنائس أخرى. كثيرون يهتمون بأنفسهم إهتمامًا جسديًا. إما من جهة الأكل والشرب والملبس، وإما من جهة شهوات الجسد.. بينما يقول الرب "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون.. فإن هذه كلها تطلبها الأمم.. (مت6: 25،32). أما عن وضع الإنسان همه كله في شهوات جسده، فيقول الرسول "إهتمام الجسد هو موت، ولكن إهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن إهتمام الجسد هو عداوة لله.. فالذين هم في الجسد، لا يستطيعون ان يرضوا الله" (رو8: 6-8). ويستمر الرسول، إلي أن يقول: "إن عشتم حسب الجسد، فستموتون". "ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد، فستحيون" (رو13:8). ففي أي شيء نضع متعتنًا، وبالتالي إهتمامنا؟ كل شهوات الجسد الحسية تمتع بها سليمان، في مغالاة شديدة، إلي أن قال "ومهما أشتهته عيناي، لم أمنعه عنهما" (جا10:2)،وماذا كانت النتيجة؟ رأي ان الكل باطل وقبض الريح (جا11:2). والبعض يهتم بالراحة النفسية، له ولغيره. حتى لو لم تكن علي أساس روحي.. الأم مثلا قد تضع في اهتمامها الأول، أن تكسب محبة ابنها، وأن تريحه لكي يريحها، ولو علي حساب روحياته.. ! فتدلله، وتعطيه كل ما يطلب، وتغطي علي أخطائه، ولا توبخه علي خطأ خشية أن تفقد محبته !! وينشأ الولد مدللا ويفسد.. لأن أمه لم تضع في اهتمامها أن تقوده في الطريق السليم، حتى لو غضب حينًا، حتى لو وقفت ضد إرادته الخاطئة، ثم تقنعه وتصلحه وتصالحه. إنها إن إهتمت براحة نفسيته، وليس بروحياته، ستفقده أبديته.. بل حتى حياته الاجتماعية. لأن سيخرج إلي المجتمع فلا يجد نفس التدليل الذي اعتاده في البيت، فيتعب من المجتمع، أو ينعزل عنه. وتكون التربية المنزلية قد أضرت به نفسيا أيضًا، ولو بعد حين. كذلك قد نهتم بحالة المريض النفسية، وليس بمصيره الأبدي. وبألوان كثيرة من الكذب والخداع، نخفي عنه حقيقة مضه، ولا نلمح بخطورة المرض ولو من بعيد، خوفًا علي نفسيته ومعنوياته التي نضعها في قمة اهتمامنا.. إلي أن يفاجئه الموت، ويموت بدون استعداد، ويهلك.. المفروض في الأمراض الميئوس منها، أن نعد المريض لأبديته، بحكمة. لست أنصح أن نكشفه بحقيقة مرضه إن كان لا يحتمل.. وإنما نضع في عمق اهتمامنا أن نعده روحيًا، حتى إن حدثت معجزة وشفي.. بكل حكمة نقوده إلي الحياة مع الله، وليس بسبب الخوف من الموت.. إنما بأسلوب إيجابي مؤثر، بكل وسائط النعمة المتاحة. كذلك هناك سؤال أساسي، نعرضه في موضوع الاهتمام: هل أنت تركز كل اهتمامك بنفسك؟ أم تهتم بغيرك، ولو فضلته علي نفسك؟ ما هو اهتمامك الأول: أهو ذاتك؟ أم أنت تخرج من دائرة الذات، لتهتم بالآخرين.. اهتمامًا من عمق قلبك، تصل فيه إلي الخدمة والعطاء والبذل، إلي حد بذل النفس أيضًا.. هل تهتم براحتك ام براحة غيرك؟ وهل في إهتمامك براحتك، لا مانع لديك أحيانًا أن تبني راحتك علي تعب الآخرين.. كالأسرة التي تطلب من عائلها طلبات فوق احتماله، ترهقه وتحرجه وتربكه، ولا تبالي..! إن الروحيين والمصالحين جعلوا إهتمامهم الأول يتركز في المجتمع الذي يعيشون فيه. الإهتمام بالأسرة، بالمعارف والأصدقاء، بالمجتمع، بالكنيسة، بالوطن كله وبالعالم البشري كله والمساهمات في راحته وفي تخفيف أتعابه. وهكذا ظهرت هيئات وجمعيات هدفها إنقاذ الآخرين أو إعانتهم، منكل ناحية.. مثل الهيئات العالمية للصحة ولتربية الأطفال، ولإنقاذ العالم من الجوع والكوارث والمشكلات الاجتماعية.. كذلك الهيئات التي تعمل علي طبع الإنجيل ونشره، والتي تعمل علي نشر الكلمة والهيئات التي تجاهد للمحافظة علي (حقوق الإنسان). السيد المسيح كان كل اهتمامه بالآخرين. كان "يجول يصنع خيرًا (أع38:10). ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وضعف في الشعب" (مت23:4). يتحنن علي الكل، ويشبع كل حي من رضاه.. ويبشر المساكين، يعصب منكسري القلوب، ينادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق" (أش1:61). وفي نفس الوقت لم يهتم بذاته، ولم يكن له أين يسند رأسه (لو58:9). لم يهتم المسيح بكرامته لما أغلقت إحدى قري السامرة أبوابها في وجهه، ووبخ تلميذيه اللذين طلبا ان تنزل نار من السماء لتهلكها. وقال لهما "لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن إبن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص" (لو9: 51: 56). وعلي الصليب كان كل اهتمامه بخلاص البشر، وبالمغفرة حتى لصالبيه، وبالفردوس للص اليمين. كما اهتم بأمه القديسة العذراء، وبتلميذه القديس يوحنا. أحيانًا يكون اهتمام الإنسان، وأن يصل إلى غرض ما: وربما لا يكون غرضًا روحيًا، وإنما هو إثبات الذات ووجودها، أو (ارتفاعها) بطريقة ما. وفى سبيل هذا الوصول، لا يهتم بالوسيلة ماذا تكون: روحية أو غير روحية. لا يهمه أن تكون حيلًا بشرية أو عالمية، أو طرقا خاطئة. تركيز الاهتمام كله في الوصول إلى الغرض، حتى لو ضيع هذا الإنسان نفسه. مثلما فعل آخاب الملك في الحصول على حقل نابوت اليزر عيلى، وما فعلته الملكة إيزابل في سبيل إن يصل زوجها إلى غرضه، ولو بالجريمة، والإتمام الباطل لنابوت، وشهود الزور. حتى نال كلاهما عقوبة من الله تناسب ذنوبهما (مل 21). وبالمثل ما فعلته رفقة لكي ينال غبنها بركة ابيه. ومع إن الغرض هنا كان روحيًا، إلا أن التركيز علية افقدها الوسيلة الصالحة. فاستخدما إسلوب الخداع (تك 27) وبالمثل قد يهتم خادم آخر إن يملا عقول سامعيه بالمعلومات لا في الروحيات..! أو أب كل اهتمامه أن يلقن أولاده كلامًا من الكتاب يحفظونه. ولا يهتم بالتداريب الروحية التي تعمق صلتهم بالله. والكتاب يقول "افعلوا هذه، ولا تتركوا تلك" (مت 23: 23). ولعلنا بعد كل هذا، نسال بأي شيء يجب أن نهتم؟ عن ربنا يسوع المسيح يقول في العظة على الجبل: اطلبوا أولا ملكوت الله وبره (مت 6: 33). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|