منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 26 - 11 - 2013, 05:52 AM
الصورة الرمزية Magdy Monir
 
Magdy Monir
..::| VIP |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Magdy Monir غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

البدلية العقابية

(1) السر والنموذج


البدلية العقابية




إن المهمة التي أنا مقبل عليها في هذه المحاضرة هي التركيز على وتفسير إيمان هو، بشكل كبير، علامة مميزة للتأخي الإنجيلي حول العالم: أي، الإيمان بأن الصليب لديه سمة البدلية العقابية، وأنه كان من تأثير هذه الحقيقة أنها جلبت الخلاص للجنس البشري. وهناك إعتبارين قد حركاني في هذه المحاولة. أولاً، أن مدلول البدلية العقابية لا يشرح دائماً بالضبط كما ينبغي، فمن ثم كانت هذه الفكرة يتم فهمها بصورة خاطئة ويتم السخرية منها من ناقديها؛ وأود، إن إستطعت، ان أجعل عدم الفهم هذا أقل إنتشاراً. ثانياً، أنا واحد من الذين يؤمنون بأن هذا المفهوم يأخذنا مباشرة لقلب المسيحية نفسه، وأرحب بفرصة تغيير قناعتي عن طريق التحليل والحجج الجيدة.
إن خطتي في هذه المهمة هي كالتالي: أولاً، أن أن أوضح بعض الأسئلة عن الطريق، حتى لايكون هناك أي شك في إلي أين أنا ذاهب؛ ثم أن أوضح ماذا نعني بقول أن موت المسيح كان موتاً بدلياً؛ ثالثاً، أن نرى ماذا سنضيف للمعنى إن أضفنا كلمة عقابي؛ رابعاً، أن أوضح في النهاية أن التحليل الذي قدمته متوافقاً مع الآراء التفسيرية المتفق عليها. إن هذه، كما أؤمن، مقدمات ضرورية لأي بحث لاهوتي لهذه الرؤية.
1. السر والنموذج
إن كل سؤال لاهوتي خلفه تاريخ من الدراسة، ولايمكن تجنب الشذوذ عن المسار في معالجته دون أخذ هذا التاريخ الدراسي في الإعتبار. إن الحديث السلبي عن مفهوم البدلية العقابية دائماً ما ينم من ضيق أفق أو ما هو شابهه. إن النقطتين التاريخيتين اللتان تتعلقا بهذه الفكرة هما، أولاً، أن لوثر، وكالفن، وزوينجلي، وميلانكثون ومعاصريهم من المصلحين كانوا رواداً في الإفادة عنها، وثانياً، أن الحجج التي صورت ضدها عام 1578 بواسطة البلاجي[i] المنكر للثالوث، فاوستوس سوسيناس، في شعره الذكي دي جيسو كريستو سيرفاتوري (عن يسوع المسيح المخلص)[ii] كان مركزياً في مناقشتها من وقتها وحتى الآن. فقام المصلحون بإعادة تعريف ساتيسفاكتيو (ترضية)، وهي الفكرة العامة التي وُضع الصليب تحتها في العصوة الوسطي. كان رأي أنسلم، الذي شكل لحد بعيد تطور العصور الوسطى، في كتابه كيور ديوس هومو؟ (لماذا الله وإنسان في آن واحد) عن المسيح أنه ساتيسفاكتيو (ترضية) لما قمنا به من خطايا كتقدمة أو تعويض عن الضرر أو الإهانة التي حدثت، وكعقاب (بوينا) لكي يفي بمتطلبات شريعة الله المقدسة وغضبه منا (أي عدالته العقابية). وما قام به سوسيناس هو أن إتهم هذه الفكرة بأنها غير منطقية، ولا متماسكة، ولا أخلاقية بل ومستحيله. لقد تحجج بأن إعطاء الغفران لا يتفق مع أخذ ترضية، وأن نقل العقوبة من المذنب للبرئ لا تتفق مع العدالة؛ وأن الموت القصير الذي جاز فيه شخص واحد كبديل حقيقي لا يمكن أن يحل محل الموت الأبدي لكثيرين؛ وأن الترضية الكاملة البدلية، إن كان يمكن أن تكون موجوده، هي ترخيص غير محدد للإستمرار في الخطية. وكان البديل الذي قدمه سوسيناس للخلاص في العهد الجديد، مبنياً على فكرة أساسية هي أن الله يغفر دون إحتياجه (لذبيحة) ترضية، فقط يحتاج للتوبة التي تجعلنا قابلين لأن يغفر لنا، بديلاً مراوغاً وغير مقنع وتأثيره ضئيل. ولكن النقد الكلاسيكي الذي قدمه ثبت أنه جسيم: لقد عقد إنتباه كل أسس مؤيدي وجهة نظر الإصلاح لأكثر من قرن، وخلق ميراثاً من الحكم العقلاني المسبق ضدها مما شكل بطريقة مؤثرة النقاش حتى هذا اليوم.
إن التأثير السحري لنقض سوسيناس على الدراسات المصلحة بالتحديد لم يكن في مجموعة غير مفيد. فقد أجبرهم على أن يطوروا منطقاً قوياً في شرح وتوصيل الأجزاء المختلفة لموقفهم، وهو أمر حميد، ولكنه أيضاً قادهم لكي يردوا على متحديهم على نفس أرضيته، مستخدمين نفس الأسلوب السوسياني في التحاجج بخصوص الله كأنه إنسان – ولتحري الدقة، كأنه حاكم من القرن السادس او السابع عشر، يترأس كل من الجانب التشريعي والقضائي في مجاله الخاص ولكنه ملزم أيضاً بأن يحترم القوانين القائمة والممارسات القضائية في كل خطوة يتخذها. وهكذا صار إله الجلجثة هذا الشخص في سلسلة كاملة من الشروحات حتى وصلنا إلى لويس بركوف (1938) حيث نجح في تجنب كل السقطات الأخلاقية والقضائية التي أثارها سوسيناس بخصوص رؤية الإصلاح.[iii] ولكن هذه الإستعراضات، مهما كانت مصنوعة بمهارة (البعض مثل فرانسيس تورتين وتشارلز هودج، ذاكراً إثنين فقط[iv]، كانوا ماهرين جداً في الواقع)، كان بها ضعفات داخلية. كان موقفهم دفاعي أكثر من أن يكون تفسيري، وتحليلي، وتبريري أكثر من أن يكون تسبيحي وكرازي. لقد جعلوا كلمة الصليب تبدو كأنها لغز أكثر من كونها إعترافاً إيمانياً – أكثر مثل أحجية، يمكننا أن نقول، عن كونها إنجيلاً. ما الذي كان يحدث؟ فقط هذا: بينما كان لاهوتيو الإصلاح يحاولون هزيمة سوسيناس في أرض ملعبه العقلاني، كانوا يتنازلون ويقبلون الفرضية السوسيانية بأن كل جوانب عمل الله بخصوص المصالحة سوف تكون قابلة للتفسير بالكامل في ألفاظ اللاهوت الطبيعي للحكم الإلهي، مأخوذه من العالم القانوني المعاصر وقتها والفكر السياسي السائد وقتها. وهكذا، ففي غيرتهم لأن يظهروا أنهم منطقيين، أصبحوا عقلانيين.[v] وهنا كما في كل موقع أخر، أصبحت الطريقة العقلانية في القرن السابع عشر دودة تسرح في برعم الإصلاح، قادت لهلاك واسع المجال في زهرتها اللاهوتية في القرنين التاليين.
الآن، أنا لا أتسائل من جهة الصحة الجمة لنظرة الإصلاح للكفارة، بل على العكس، أنا أسعى لكي أؤكد عليها، كما سوف أظهرها، ولكنني مقتنع أنه أمر حيوي أن نستنكر بكل وضوح مثل هذه الطريقة العقلانية التي ذكرتها، وأن نبحث عن طريق أفضل. سوف أحاول الآن أن أشيد بما يبدو لي طريقة أكثر صحة عن طريق تقديم إجابة لسؤالين: (1) ما هي طبيعة المعرفة المتاحة لنا عن ما قام به المسيح على الصليب؟ (2) ماهو مصدر ووسيلة نوال هذه المعرفة؟
(1) ما هو طبيعة المعرفة المتاح لنا عن عمل الله في موت المسيح؟ أن هناك إنسان إسمه يسوع قد صلب تحت حكم بيلاطس البنطي عام 30 ميلادية تقريباً لهو أمر بديهي تاريخياً، ولكن الإيمانيات المسيحية بخصوص هويته الإلهية ومعنى موته لا يمكن إستنتاجها من الحقيقة التاريخية وحدها. ما هي طبيعة المعرفة بخصوص الصليب، إذاً، التي يمكن للمسيحي أن يتمتع بها؟
الإجابة، يمكننا أن نقول أنها، المعرفة-الإيمانية: فعن طريق الإيمان نحن نعلم أن الله في المسيح كان مصالحاً العالم لنفسه. نعم، بكل يقين؛ ولكن ما هي طبيعة المعرفة التي هي المعرفة-الإيمانية؟ إنها نوع من المعرفة التي يكون الله فيها هو معطي المعرفة وهو موضوع المعرفة. إنه المعرفة الشخصية المعطاه بواسطة الروح بخصوص الوقائع الإلهية، معطى من خلال التعرف الشخصي بكلمة الله. إنه نوع من المعرفة يجعل العارف يقول في آن واحد كل من الآيتين “كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ” (يو9: 25) وأيضاً “فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍالآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ” (1كو13: 13). لأنه نوع فريد من المعرفة الذي، رغم أنه حقيقي، ليس كاملاً؛ إنه معرفة بما يمكن تمييزه في دائرة الضوء فوق خلفية أكبر مظلمة؛ إنه، بإختصار، معرفة لسر، سر الإله الحي وهو يعمل.
إن كلمة سر مستخدمه هنا كما كتب تشارلز ويسلي قائلاً:
إنه سر كامل! أن يموت الغير قابل للموت
من ذا الذي يستطيع أن يسبر غور هذا الأمر؟
فباطلاً يحاول السيراف السابق لنا في الوجود
أن يستوعب أعماق الحب الإلهي!
في اللاهوت التقليدي، سر، تعني حقيقة متميزة عنا وفي ذات فهمنا لها تظل متعذرة الفهم: حقيقة نعترف بها كواقع بدون أن نعرف كيف أصبحت ممكنة، والتي بالتالي نصفها على أنها غير مفهومة، فالمسيحيون المتخصصون في علم ما وراء الطبيعة، وهم مدفوعون بالعجائب التي في العالم، يتحدثون عن الخليقة المرتبة على أنها “تخيليه”، فيعنون أن هناك ما هو أكثر وراءها، وهناك ما هو أكثر عن الله فيها، أكثر مما يمكنهم إستيعابه؛ وهكذا بالمثل اللاهوتيون المسيحييون، متعلمون من الإعلان الإلهي (في الكتاب المقدس)، يستخدمون نفس الكلمة، لأسباب موازية، عن الله المعلن عن نفسه والمعلن عنه، وعن عمله في المصالحة والفداء بواسطة المسيح. وسوف نرى أن هذا التعريف للسر لا يتفق مع إستخدام بولس لكلمة مستاريون (والتي تنطبق على سر الله المنكشف عن هدفه الخلاصي، المعلن في الإنجيل) أكثر من إتفاقه مع صلاته لأجل الأفسسين أن “تَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ” (أف3: 19). إن المعرفة عن طريق الإستنارة الإلهية التي تفوق المعرفة هو بالضبط ما يعنيه أن أطلع شخصياً على سر الله. إن السر المعلن (في إستخدام بولس للكلمة) عن المسيح يواجهنا مع سر (في تعريفي الشخصي للكلمة) يفوق الإدراك عن الخالق الفائق لإدراك خلائقه. وتبعاً لذلك، ينهي بولس شرحه الأنيق الغني الذي ليس له مثيل عن سر المسيح بأن يصرخ: “يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ …. لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.” (رو11: 33-36). يظهر بولس هنا، ويشارك، بإدراكه أن إله يسوع هو إله أيوب، وأن أعلى حكمة لأخصائي النظريات اللاهوتية، وحتى وهو يعمل تحت الوحي الإلهي كما كان بولس، لابد أن يلاحظ أنه، كما كان بولس، يتأمل في الشمس، التي إستنارتها تجعل من المستحيل له أن يراها بالكمال؛ حتى أنه في نهاية اليوم لابد أن يقر أن الله لديه أكثر جداً مما تستطيع النظريات أن تحوي، وأن يضع نفسه في تقدير أمام الإله الذي لا يمكن أن يحلله بالتمام.
والآن أريد أن أقول أن الكفارة هي سر في تعريفي للكلمة، إنها أحد جوانب سر الله الكلي. ولكنها ليست وحدها. كل جوانب حقيقة الله وعمله، بدون أي إستثناء، هي سر. الثالوث الأبدي الأزلي؛ سلطان الله في الخليقة، اعمال عنايته وإدارته وتحكمه فيها، ونعمته؛ تجسده، رفعه في المجد، ملكه الحالي ومجيئه القريب؛ وحي الكتاب المقدس وخدمة الروح للمسيحي وللكنيسة – كل واحدة من هذه هي حقيقة واقعة خارجة عن الإدراك الكامل، وهكذا الصليب أيضاً. والنظريات التي عن كل هذه الأشياء، والتي تستخدم تشبيهات بشرية لكي تزيل الجانب الغامض تستحق عدم الوثوق فيها من جانبنا، تماماً كما تفعل النظريات العقلانية عن الصليب.
لابد من التشديد على أن السر في كل حالة هو واقع في ذاته، وهو منفصل عن أي شيء في إدراكنا له، ومتميز بالتالي عن نظرياتنا، ومشاكلنا، وتأكيداتنا وإنكارنا بخصوصه. إن ما يجعله سراً هو أن مخلوقات مثلنا تستطيع أن تفهمه فقط جزئياً. إن هذا القول لا يفتح الباب للتشكيك، لأن معرفتنا للوقائع الإلهية (مثل معرفتنا لبعضنا البعض) هي معرفة أصيلة معبر عنها في إشارات، على قدر ما تكون، حقيقية. ولكنه يغلق الباب فعلياً تجاه العقلانية، بمعنى عمليات التنظير التي تدعي الشرح النهائي لأي من جوانب طرق الله في الوجود والعمل. وبهذا، فهذا ينبهنا لحقيقة أن وجود مشاكل غير محلولة في لاهوتياتنا ليس بالضرورة إنعكاساً للحق ذاته أو لكفاية أفكارنا. إن النظريات الغير كافية والغير حقيقية موجودة بالفعل: إن نظرية ما (تأتي من كلمة ينظر) هي “رؤية” أو “نظر” لشيء، وإن كانت طريق الشخص في النظر خاطئة ستكون رؤيته مشوشة، والرؤى المشوشة مملوءة دائماً بالمشاكل. ولكن مجرد وجود المشاكل ليس دليلاً كافياً على أن الرؤية مشوشة؛ فإن النظرات اللاهوتية الحقيقية تشتمل أيضاً على مشاكل غير محلولة، بينما كل رؤية ليس بها مشكلة على الإطلاق فهي بكل تأكيد أما رؤية عقلانية أو إختزالية. إن النظريات الصحيحة في اللاهوت، سواء عن الكفارة أو أي شيء أخر، دائماً ما تتشكك هي نفسها في مدى كفايتها لهدفها المنشود. هناك أمر يعرفه المسيحييون بالإيمان وهو أنهم لديهم معرفة جزئية فقط.
كل ما ذكرته، بالطبع، ليس جديداً أو غير مألوفاً، فهو جميعه ينتمي للتيار الفكري المسيحي عبر العصور. ولكنني أضعه هنا، ربما بشكل مفصل جداً، لأنه لم يتم إستحضاره بشكل كاف حتى يتعامل البعض بدقة مع تعليم الكفارة. وهذا الموقف لديه أيضاً إنطباعات لغوية تلمس تعليم الكفارة بطرق لم يتم إستيعابها بالكامل بعد؛ وخطوتي التالية هي إظهار ماهي هذه الإنطباعت اللغوية.
إن كل من المعرفة الإنسانية والفكر يعبر عنهما بواسطة كلمات، وما لابد أن نلاحظه الآن هو أن كل المحاولات للتحدث عن السر الخاص بالله السامي الفريد تشتمل عى أنواع كثيرة من توسيع معنى اللغة العادية. فنحن نقول، على سبيل المثال أن الله مجموعة وواحد، أي ثلاثة في واحد؛ وأنه يوجه ووفي ذات الوقت يستنتج الأفعال الحرة للبشر؛ وأنه حكيم، وصالح، وذو سلطان، لما يسمح للمسيحي أن يجوع أو يموت بمرض السرطان؛ أن إبن الله دائماً يحمل الكون، حتى وهو طفل بشري صغير؛ وهكذا. ولأول وهلة، مثل هذه العبارات تبدو لا معنى لها (دون معنى أو خاطئة). ولكن المسيحيين يقولون أن، بالرغم من أنهن تبدين لا معنى لهن إن قيلت عن البشر، فهن عبارات صحيحة عن الله. إن كان هذا هكذا، على كل حال، فإنه واضح أن الكلمات المحورية لا تستخدم كما تستخدم بالطريقة العادية كل يوم. فمهما كانت نظرتنا عن أصول اللغة البشرية وعن وحي الكتاب المقدس (موضوعين يبدو أن الإختيارات بخصوصهم تزداد حالياً ولا تقل)، فلن يكون هناك إختلاف أن معنى كل الأسماء، والصفات، والأفعال التي نستخدمها لكي نشرح حقائق ونعطي شروحات مثبته، على الأقل لأول وهلة، في خبرتنا للتعامل مع الأشياء والناس (بما فيهم أنفسنا) في هذا العالم. إن اللغة العادية يتم أقلمتها لأجل هدف غير عادي لما نستخدمها للحديث عن الله. يقوم المسيحيين بهذا التأقلم بشكل دائم في صلاتهم بسهولة؛ وفي تسبيحهم وشهادتهم، كما لو كانوا أشياء طبيعية (كما أفكر أنا أنها كذلك)، وأما الشكوك التي تثار بواسطة الفلاسفة المعاصرين القدامى الأسلوب مثل آيه. جي. آير وأنتوني فلو بخصوص هل هذه التعابير تعبر عن المعرفة وتوصل معلومات عن أي شيء أكثر من كونها توجهات شخصية تبدو بشكل يثير الفضول محلية شخصية كما متناقضة.[vi] وأكثر من ذلك، إنه من الملحوظ أن التعبيرات المسيحية المنطوقة المنتشرة للتعبير عن الأسرار الإلهية أظهرت من البداية إتفاق ملحوظ وثبات في الحفاظ على غرابة منطقها الداخلي، كما لو أن حقيقة الله المدركة بواسطتها هي في حد ذاتها تحفظ التعبيرات (وهذا ما أؤمن به). إن اللغة الخاصة بالصليب توضح هذا الامر بشكل جلي: الصلوات الليتورجية، والترانيم، والكتابات، والعظات، وقوانين الإيمان، والدفاعيات، جميعها تظهر أن المسيحيين من البداية عاشوا بإيمان أن موت المسيح كذبيحة مقدمة لله كتعويض عن خطاياهم، ومهما كانت هذه الأحاديث تبدو كأنها غير مألوفة أو خرافية (ولابد أنها دائماً ما كانت تبدو هكذا)، ومهما إختلفت طرق تقديم المعلمين لمبدأ الكفارة، ومهما كان صغر حجم الدراسات اللاهوتية عن الصليب فعلياً في حقبة معينة، وخصوصاً القرون الأولى.[vii]
إن اللغة المسيحية، بكل خصوصياتها، تم دراستها بكثرة خلال العشرون سنة الأخيرة، وصار هناك شيئان واضحان عنها، أولاً، كل غرابتها، “معناها موسع”، فبها سمات تبدو متناقضة وغير متناسقة مستمدة مباشرة من المفهوم المسيحي الفريد لله الفائق للإدراك، ثلاثي الأقانيم، الخالق. يعتبر المسيحيون الله ليس لديه حدود مثل التي تقيد مخلوقات مثلنا، تحمل صورة الله ولكنها في الواقع لا توجد على نفس مستواه، واللغة المسيحية، وهي تتبع سابقتها الكتابية، تنفلت من الحدود المعتادة بشكل يعكس هذه الحقيقة. هكذا، فعلى سبيل المثال، لما نواجه الإعلان في (1يو4: 9-10) “… اللهَ مَحَبَّةٌ … فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا“. يكتب كالفين دون تردد: “إن كلمة كفارة (بلاكاتيو؛ هيلاسموس باليونانية) لها وزن عظيم: لأن الله، بشكل لا يمكن وصفه بالكلمات، في نفس الوقت الذي كان يحبنا فيه، كان غاضباً علينا إلى أن نتصالح معه في المسيح.”[viii]. إن عبارة كالفن “في شكل لا يمكن التعبير عنه بالكلمات” هي إعترافه بأن سر الله فائق للإدراك. بالنسبة لكالفين، فإن إزدواجية التوجه، الحب والغضب، هي جزء من مجد الله الأدبي؛ وهي وجهة نظر تجعل اللاهوتيين العقلانيين يهزون رأسهم في إعتراض، ولكنها بكل تأكيد سوف تجعل يوحنا يومئ برأسه موافقاً.
ثانياً، ينطق الحديث المسيحي بالسر المدرك عن الله بإستخدام لغة متميزة تصويرية غير توصيفية. هذا يشمل أمثال، تشبيهات، رموز وصور مترابطة في توازن مع بعضها البعض، كما في الكتاب المقدس نفسه (الذي تعلمنا منه هذه اللغة في الأساس)، وكلها تشير لحقيقة وجود الله وأفعاله لأجل إستحضار معرفتهما والإستجابه لهما. إن تحليل كيفية آداء مثل هذه اللغة هو على قدم وساق[ix]، وبلا شك هناك الكثير يمكن أن يقال في هذا الإتجاه. لقد، على كل حال، أنتجت بالفعل المناقشات نتيجة واحدة ثابته ذات أهمية محورية – هي إدراك أن الوحدات اللفظية للحديث المسيحي هي “نموذج”، مقارنة بنماذج الفكر في الفيزياء الحديثة.[x] تظهر أهمية هذا الامر من حكم جون ماكينتاير “أن نظرية النماذج تنجح في إعادة وصف تعليم التشبيهات في منطق لاهوتي حديث … وأن التشبيه لابد من تفسيره داخل ألفاظ نظرية النماذج وليس بالعكس”[xi]. إن تعليم التشبيه هو سجل تاريخي، يرجع لتوما الأكويني، عن كيفية إستخدام اللغة العادية للتحدث بذكاء عن الله الذي نحن مثله جزئياً (لأننا نحمل صورته) وهو ليس مثلنا (لأنه الخالق الغير محدود بينما نحن مخلوقات محدودة).[xii] كل النماذج اللاهوتية، مثل النماذج الغير وصفية في علم الفيزياء، لها طبيعة تشبيهية؛ إنها، يمكننا ان نقول، تشبيهات لها هدف، أنماط فكرية تعمل بطريقة معينة، تعلمنا أن نركز في مساحة محددة من الحقيقة الواقعة (علاقتنا مع الله) عن طريق فهمها في ألفاظ حقيقة أخرى واقعة معروفة لنا بشكل أفضل (علاقتنا مع بعضنا البعض). لذا فهي في الواقع تخبرنا عن علاقتنا بالله وبواسطة الروح القدس تمكننا من أن نتحدث، ونستوضح، ونقوي خبرتنا في مثل هذه العلاقة.
آخر أغنية في العمل الفني يوسف وحلة الأحلام متعددة الألوان تؤكد أن “أي حلم سوف يقوم بالمطلوب” لكي يوقظ المتعب في جو من الفرح. ولكن هل ياترى سيقوم أي نموذج بالمطلوب ويعطي معرفة عن الإله الحي؟ من الوجهة التاريخية، لم يفكر المسيحيون بهذه الطريقة. كانت طريقتهم اللاهوتية بصفاتها، سواء مؤداه بإهمال أو بمهارة، بإستمرارية دقيقة أم لا، كانت تأخذ النموذج الكتابي كنقطة البداية المعطاه لهم من الله، لكي يؤسسوا إيمانهم علي ما قاله كاتبي الوحي بإستخدام هذه النماذج، وأن يدعوا هذه النماذج تعمل كنقاط تحكم، تقوم بكل من إقتراح وتحجيم كل ما هو آت، ونماذجهم الثانوية يمكن تطويرها لأجل شرح النماذج الأساسية. وكما أن نماذج الفيزياء هي فرضيات تشكلت تحت السيطرة المستوحاه من الدلائل المؤكدة بالتجربة لكي تربط الظواهر ببعضها وتتنبأ بها، هكذا النماذج اللاهوتية المسيحية هي أبنية شرحية مؤسسة لكل تساعدنا نعرف، ونفهم ونتعامل مع الله، الذي هو الحقيقة العليا. من هذا المنطلق تكون كل دراسة اللاهوت المسيحي سواء كتابي، تاريخي، أو نظامي هي إستكشاف الهيكل الثلاثي للنموذج: أولاً، نماذج التحكم المعطاة في الكتاب المقدس (الله، إبن الله، ملكوت الله، كلمة الله، محبة الله، مجد الله، جسد المسيح، التبرير، التبني، الفداء، الميلاد الجديد، وهكذا – بإختصار كل المبادئ التي حللها كيتيلل في كتابه Wörterbuch ) ثم بعد ذلك، النماذج العقائدية التي وضعتها الكنيسة في صورة متبلورة لكي تعرف وتدافع عن الإيمان (هوموأويسيون، الثالوث، الطبيعة، الإتحاد الأقنومي، الإنبثاق المزدوج، السر، المعجزة، إلخ – بإختصار كل المبادئ التي يتم التعامل معها في كتب العقيدة)؛ وأخيراً، النماذج التفسيرية الواقعة بين الكتاب المقدس والعقيدة المتعارف عليها والتي طورها بعض اللاهوتيون بعينهم والمدارس اللاهوتية المختلفة لأجل وضع نصوص الإيمان للمعاصرين (البدلية العقابية، الوحي اللفظي، التأليه، والكثير غيرها).
إنه من المفيد فهم اللاهوت في هذه الألفاظ، وبالأخص موضوع الكفارة. كان سوسيناس مخطئاً في هذا الأمر أولاً عن طريق فهم النموذج الكتابي لملوكية الله عن طريق نموذج ديكتاتور القرن السادس عشر (وهو خطأ تكرر بعد ذلك على يد هوجو جروتيوس)، ثانياً بأن تعامل مع هذا النموذج اللا كتابي على أنه هو نقطة التحكم، ثالثاً بأن فشل في الإعتراف بأن سر الله أكبر من أي نموذج على حده أن يعبر عنه، حتى أفضل النماذج. لقد لاحظنا بالفعل أن بعض الكتاب الأرثوذكسيين (مستقيمي العقيدة) مالوا ناحية نفس السقطة وهم يردون على سوسيناس. إن شغف تعبئة الله داخل صندوق مفاهيم من صنعنا دائماً ما يجنح ناحية الخطأ، ولابد من مقاومته. إن تنبهنا دائماً إلى أن كل المعرفة التي يمكننا أن نحصل عليها عن الكفارة هي سر ينبغي لنا أن نتحدث عنه دائماً ونفكر فيه عن طريق نماذج، وأنه سيستمر سراً بعد كل ما سيقال وسيتم، فذلك سيحفظنا من سقطات العقلانية وبهذا يساعد على تقدمنا بشكل ملحوظ.

[i] نسبة لهرطقة بلاجيوس
[ii] تم إدماج حجج سوسيناس في الإعتراف الراكوفي، الذي نشر في راكو (كراكو الحالية) عام 1605، والذي حدد عدم إيمان “الأخوة البولندين” “Polish Brethren” بالثالوث. وبعد عدة مراجعات للتفاصيل حتى عام 1680 كان النص قد وضع في صورته النهائية وترجم بالتالي للإنجليزية بواسطة توماس رييس (لندن، 1818). هذه وثيقة ذات أهمية كلاسيكية في تاريخ منكري الثالوث.
[iii] إن حماسة بركوف في أن يظهر أن الله لم يقم بأي شيء غير قانوني أو غير عادل سوف تعطي إنطباعاً غريباً لقارئ العصر الحديث، عصر ما بعد وترجيت..
[v] في كتابه الواسع الأثر (كريتسوس فيكتور) أو المسيح الغالب – Christus Victor, tr. A. G. Hebert, SPCK, London (1931) – والذي رشح فيه طريق “دراماتيكي” لا منطقي لإعلان نصره الله على الشر بالصليب، يشرح جوستاف أولين السجل اللاتيني للكفارة (أي ما قال به أنسلم والأرثوذكسية البروتستانتية) كأنها “القانونية في أعماق طبيعتها” (ص106)، ويقول: “إنها تركز مجهودها على المحاولة المنطقية لشرح كيف تم تصالح الحب الإلهي والعدالة الإلهية. إن حب الله محكوم بعدله، ويكون فقط حراً في التصرف بداخل حدود تضعها له العدالة. فتسير المنطقية مع العدالة ممسكين بأيدي بعضهم البعض…. هذه المحاولة من جانب الدراسيين لكي يشرحوا أكثر تفصيلاً مفهوما لاهوتيا ما سوف يعطي شرح تفصيلي للحكم الإلهي على العالم، وسوف يجاوب عن كل الأسئلة ويحل كل الألغاز…” (ص173) ما فشل أولين في ملاحظته هو كيف أن الكثير من العقلانية المتضمنة في هذا الكم من الفكر كانت رد فعل مباشر لنقد سوسيناس العقلاني. في الواقع، إن أولين لم يذكر سوسيناس إطلاقاً؛ ولا أشار لكالفين، الذي أكد بقوة على البدلية العقابية مثل الجميع، ولكنه إتبع طريقة تفسيرية متمركزة حول المسيح لا تنتمي للاهوت المدرسي بأي صلة أو العقلاني. لم يظهر كالفين أي إهتمام بتصالح محبة الله وعدله كمشكلة نظرية؛ وكان إهتمامه الوحيد هو الحقيقة العجيبة والمباركة في كيف أن في الصليب قد تصرف الله في محبة وعدل حتى يخلصنا من خطايانا.

رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
عظة البدلية العقابية ج (1) - أبونا داود لمعي
رفض دعوى عدم دستورية المواد العقابية
أيه رأيك في البدلية العقابية
خبراء يحذرون من أغذية الرضع شديدة التحلية
طبق التحلية الأغلى ثمناً في العالم، وهو طبق آيس كريم يقدم


الساعة الآن 04:01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025