رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
باروخ والرسالة التى كلف بها لعل من أهم الحوادث فى حياة الرجل ، الرسالة التى أوصاه إرميا النبى أن يكتبها ، ويقرأها فى بيت اللّه ، فى الهيكل ، ويبدو أن عداء الرؤساء كان مستحكماً ضد إرميا ، إذ منعوه من الدخول إلى البيت المفدى ، بل كان محرماً عليه أن يدنو منه ، .. ولما لم يجد سبيلا إلى الاتصال بالشعب،أملى الرسالة إلى باروخ وكلفه أن يقرأها فى آذان الشعب ، وإذ قرأها ، وكانت تتحدث عن عقاب أورشليم ويهوذا الرهيب نتيجة لخيانتهم الرب ، وكان هذا كثيراً على الكهنة ، والملك الذى بدلا من أن يتعظ ويتوب كما فعل يوشيا ، ارتكب الحماقة الكبرى ، إذ حاول القضاء على الكلمة وعلى الرسول الذى أعلنها ، وعلى النبى المرسل بها من اللّه ، .. كان يهوياقيم عندما قرأوا أمامه بعضاً من الرسالة جالسا فى بيت الشتاء يستدفئ ، ولم يطق الملك سماع الرسالة المرسلة ، فأخذ مبراة ومزق بها الكلمة ، وألقى بها فى النار وظن أنه بذلك استطاع أن يتخلص منها وينتهى" انظر إر 36 : 20 -32 " ، وهو لا يعلم بأن ما مزقه ، لن تحرقه النيران ، إذ عاود إرميا وكتبه مرة أخرى بصورة أقسى وأشد ، وحمل باروخ مرة أخرى الكلمة التى يحسن أن نقف لنراها ، فيمن لا يزالون إلى اليوم يحاولون حرقها ، ومع أننا لا نستطيع أن نعدد أنواعهم لكننا على الأقل يمكن أن نرى أشهرهم فى جماعات الملحدين الذين لا يؤمنون باللّه ، وعندما تقدم كلمته لهم ، لا نسمع منهم سوى كلمات السخرية والهزء ، فالكتاب فى نظرهم قصة خرافية قديمة لا يأبهون لها ، أو يتأملون فيها ، وكم من الفلاسفة والناقدين والمتهجمين ، من مد يده بجرأة وكبرياء ودون تعقل إلى الكتاب العظيم ، وأمسك مبراته ومزقه ورمى به فى النيران ، .. وهى كبرياء العقل البشرى ، وسيتبين لنا عما قليل ، حماقة هذا العقل وقصوره عن الرؤية الصحيحة للكتاب ، .. وهناك جماعات السياسيين ، الذين مزقوا الكتاب المقدس بدافع من سياستهم التى لم تستطع أن تعطى ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه ، .. وهناك أيضاً جماعات المتعصبين ، الذين أعماهم التعصب الدينى ، وهم لا يريدون للكتاب انتشاراً ، فقاوموا ترجماته ، ليفسروه كما يحلو لهم ولرجال الكهنة فيهم ، .. وتعيش الشعوب أسرى تقاليدهم التى ما أنزل اللّه بها من سلطان ، ... وهناك أيضا المهملون الذين قد ينتسبون إلى المسيحية ، وقد نجد فى بيوتهم كل شئ إلا نسخة من الكتاب المقدس ، ... وقد نجد الكتاب ، ولكن قد غطاه التراب إذ هو أقرب الأشياء إلى التحف التى يراها الإنسان كصورة أو زينة ، .. ومن الغريب أن وقت هولاء يتسع لقراءة مختلف الكتب والدراسات ، لكنه لا يتسع مطلقاً لدراسة الكلمة الإلهية أو قراءتها ، أو الإلمام بما فيها ، ... وهناك أيضاً الخطاة المتعلقون بشرورهم وخطاياهم ، وهم لا يقبلون الكلمة الإلهية التى توبخ خطاياهم ، أو كما قال السيد المسيح : " وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة لأن كل من يعمل السيآت يبغض النور ولا يأتى إلى النور لئلا توبخ أعماله " " يو 3 : 19 و 20 " .. وهؤلاء جميعاً يتوجون يهوياقيم بن يوشيا ملكاً عليهم ، ويحمل كل واحد منهم مبراته ليمزق الكلمة الإلهية ويلقى بها فى النار !! .. على أن السؤال هو هل استطاع هؤلاء الرافضون أن يتخلصوا من الكتاب المقدس ، ومن سلطانه الأبدى عليهم ؟؟ .. كلا وإلى الأبد كلا !! إذ أن نيران التاريخ كلها أعجز من أن تنتصر على كتاب اللّه ، ... عندما ترجم وليم تندال العهد الجديد ، وأقبل الناس على شرائه ، أرادته الحكومة الانجليزية فى ذلك الوقت منع هذه الترجمة ، فسعت إلى جمع النسخ وشرائها بأى ثمن وأحرقتها ، وكان تندال فى حاجة إلى المال ليتوسع فى نشر الكتاب ، ومن المال الذى وصل إليه ، نتيجة شراء الحكومة الإنجليزية للكتاب لحرقه ، استطاع أن يترجم الكتاب المقدس بأكمله ، وينشره بين الناس ، ولعلنا نذكر ما قاله فولتير عندما قال : إن هذا الكتاب سينتهى بعد خمسين سنة ، ولم يحلم فولتير بأن بيته سيكون فى ذلك التاريخ الدار التى يطبع فيها الكتاب المقدس ، ويخرج منها إلى فرنسا وغير فرنسا !! ... ومن المثير أن الألمان النازيين عندما أحرقوا الكتب الدينية والمقدسة ، وقال جوبلز إننا نضع الآن أساس حرية جديدة ، وروح جديدة ، وبهما سنغلب ، لم يكن يعلم أن صحيفة ألمانية ستكتب بعد سقوط النازية : إن، الكتاب المحترق مايزال يعيش!!... كان الملك يهوياقيم أحوج الكل إلى كلمة اللّه ، ... كانت مصر تستعبده ، وبابل تهدده ، والظروف الضيقة تحيط به من كل جانب ، وكان فى حاجة إلى صديق ومرشد ومنبه ومحذر ، وكانت كلمة اللّه يمكن أن تكون هذه جميعها له ، ولكنه لم ينتفع بالكلمة كما انتفع أبوه يوشيا بها ، وكانت خسارته لذلك فادحة وقاسية ، ... وليس هناك من خسارة تعدل خسارة إنسان لا يقرأ الكلمة الإلهية ، أو يطوح بها ، أو يحرقها ، أو يلقى بها فى طريق حياته ، وموكبه الأرضى ، ... وإذا كانت توماس كارليل قد قال : إنه من وقت عصا موسى حتى اليوم ليس هناك قوة تضارع قوة العلم ، ... وهو يقصد بذلك أثر الكلمة المكتوبة فى حياة الناس ، ومما تفعله الصحف والكتب والمجالات ، فإنه مما لا شك فيه أن الكلمة الإلهية تقف من كل كلمة أخرى مكتوبة الموقف الذى ذكره إرميا حين قال : " ما للتبن مع الحنطة يقول الرب ، أليست هكذا كلمتى كنار يقول الرب وكمطرقة تحطم الصخر " ؟ .. " إر 23 : 28 و 29 " ، أو بعبارة أخرى، إن الفارق بين كلمة البشر ، وكلمة اللّه ، هو الفارق بين التبن والحنطة ، ... وكل الاثار التى يمكن أن يتمخض عنها كلام البشر ، وإذا قورنت بالكلمة الإلهية ، هى التبن عندما يقارن بالحنطة إذ صح أن نقارن بين الاثنين ، ... فالتبن بادئ ذى بدء خفيف وكلام البشر كاذب يطير فى الهواء إذا قورن بالصدق الإلهى ، ... وما أكثر كذب الناس أو نفاقهم الذى تمتلئ به الصحف والمجلات والكتب كل يوم بالمقارنة أو الموازنة مع الحق الإلهى !! .. والتبن ليس غذاء للإنسان ، بل هو طعام الحيوان والكلمة البشرية فى سداها ولحمتها ، ليست إلا غذاء للحيوانية الكامنة فى الإنسان ، ويوجد كثيرون من الكتاب لا يفعلون شيئاً من وراء الكلمة التى يكتبونها سوى إشباع الحيوانية فى الإنسان ، أو إرضاء النزوات الحسية أو الاجتماعية ، ويحتاجون إلى من يصرخ فيهم ، هذا كذب ، وبهتان وتضليل ، وهوس وحشى حيوانى !! .. والتبن رخيص ، وكل أدب إذا قورن بأدب الكتاب هو أدب رخيص وتافهه وحقير ،... والتبن تذروه الرياح سريعاً ، وتلتهمه النيران فى ومض البصر !! .. وكذا الكلام البشرى أمام الحق الإلهى واللهيب الأبدى !! ... وعلى العكس من ذلك كلمة اللّه التى هى الحنطة المشبعة ... كان شيشرون عندما يخطب يعتقد أنه يقول الحق تماماً ، ... وعندما يذهب إلى بيته يتساءل : هل كل ما قاله حق تماماً ، ... لكن كلمة اللّه تشبع على الدوام الفكر والمشاعر والإرادة ، ... إنها الحنطة الحقيقية للإنسان ، ... وهى إلى جانب ذلك الكلمة الملهبة إذ أنها نار ، والنار تضئ قبل ان تحرق ، ... وكلمة اللّه هى النور المرسل لإنسان يعيش غارقاً فى الظلام - وهى النار المحرقة التى تحرق كل كذب وضلال .. وجاء فى أسطورة قديمة أن هناك سائلا إذا شربه أى إنسان فإنه يضحك ويظل يضحك حتى يموت من الضحك ، ... وما أكثر ما تكون هكذا كلمات البشر التى تخدع الإنسان وتضحكه ، وكان أولى بها أن تبكيه ، لو أنها كانت بحسب الحق الذى يعلنه اللّه القدير فى كتابه ، والذى يحرق الأوهام والأضاليل ، ويضع الحقيقة مجردة وعادية أمام الإنسان ، .. والكلمة الإلهية هى أيضاً ، المطرقة التى تحطم الصخر ، والإنسان إذا قسا قلبه وتحجر واستعبد للتقاليد والعادات الاثمة والشريرة ، فليست هناك قوة تستطيع أن تحطم عنفه وقسوته وشره كما تفعل كلمة اللّه ، ... ولعل يهوياقيم بن يوشيا كان فى حاجة إلى هذه الكلمة التى رق أمامها قلب أبيه العظيم الملك يوشيا !! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يا لطيف والرسالة |
إرميا 36 :4 فدعا ارميا باروخ بي نيريا فكتب باروخ |
الحشرات التي تهاجم نباتات الورد والرسالة من ذلك |
جاء المسيح الى خاصته والرسالة من ذلك |
باروخ والرسالة التى كلف بها |