رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"قد وُجِدتَ أميناً في القليل فسأقيمك على الكثير" يتكلّم المثل عن تلك الساعة التي سيقف فيها العبيد أمام سيّدهم يؤدّون حساباً عن الوزنات التي سلَّمها إليهم. في المثل هناك ثلاثة عبيد، الأوّل ربح من خمس الوزنات خمساً أُخَر. والثاني ربح من الوزنتين اثنتين أُخريين. أمَّا الثالث فطمر الوزنة الوحيدة التي استلمها من سيّده قبل سفره. للوهلة الأولى تبدو المحاسبة غير عادلة، وذلك لأنَّ توزيع المواهب لم يكن متساوياً. إنَّ اختلاف توزيع المواهب الظاهري في هذا المثل يجيب على مسائل حياتيَّة في دنيانا. فدائماً يتساءل كثيرون لماذا يوهب هذا الصحّة بينما ذاك قدره المرض؟ لماذا الأوّل يأتي من عائلة غنيّة والثاني يقضّه الفقر؟ ومن هذه الأمثلة هناك العديد. فإذا ما قبلنا بتفاوت توزيع المواهب، فهل نقبل بعدالة الله حين يُحاسب صاحبُ الوزنات الخمس كصاحب الوزنة الوحيدة؟ إنَّ هذه العثرة وهميّة. لأنَّه لو تمعّنا جيداً في المثل نستطيع أن نقرأ منه الحبّ الإلهيّ والعدلَ في آنٍ واحد. فلنلاحظْ، أولاً، كيف حاسب السيّد العبدَين اللذين ربحا بوزناتهما الضِعف. إنَّ مكافأة السيّد للعبد الذي ربح وزنتَين كانت مساوية تماماً لمكافأة الذي ربح الوزنات الخمس: "ها قد وُجِدت أميناً على القليل فسأقيمك على الكثير. ادخلْ إلى فرح ربِّك". لقد سمعا الكلمات عينها. ولولا الكسل والخوف، لكان صاحب الوزنة الوحيدة قادراً أن يربح على الأقلّ وزنة أخرى! وكان سيسمع الكلمات ذاتها ويحظى بالمكافأة عينها. فمن الواضح إذن، أنَّ السيّد لا يحاسب على الأرباح، وإنّما على التجارة. لأنَّ الذي ربح اثنتَين نال مكافأة مَنْ ربح الخمسة. ولو ربح الأخيرُ واحدةً لنالَ المكافأةَ ذاتها. المسألة هي إذن، أن نتاجر لأننا بذلك نبرهن للربّ عن حبّنا وعن مسؤوليّتنا. المسألة هي مسألة موقف أكثر مما هي تقويم نتائج. ولعلّ هذه الحقيقة الإلهيّة، التي تدلّ على الحبّ الإلهيّ للجميع مهما اختلفت مواهبهم، تسمح لنا أن ندرك أنَّ المجال مفتوح لكلّ إنسان، مهما كان ضعيفاً، ومهما انعدمت مواهب في حياته، أن يتاجر بمواهبه ويضاعفها، وينال الرضى الإلهيّ والحياة. المثل يؤكِّد أنَّ السيّد يُنمِّي الموهبة الوحيدة القليلة أيضاً، ويعاملها كالمواهب الخمس العديدة. زمن الحياة "وقتٌ مقبول للربّ"، إنّه زمن تجارة. ولكلّ إنسان أُعطيت هبة التجارة ولو تفاوتت الوزنات. والسيِّد كريم ومحبّ، يكافئ كلّ من يتاجر، ويعطي الأخير كالأوّل، ويجازي أصحاب الساعة الحادية عشرة كعمَّال الساعة الأولى. إنَّ ربّنا هو "إله المساكين". هو القائل لبولس إنَّ نعمتي في الضعف تكمل. فالله ليس كما سماه هذا العبد الكسول "قاسياً"، الله هو إله المساكين والمُحِبّ. إنَّ اختلاف توزيع المواهب واقع معاش في دنيانا، ولعلّ الله يسمح به أحياناً، أوّلاً، لأنَّه سيجازي الجميع بالحبّ وليس بالأعمال. فمن يتاجر بمواهبه مهما كانت، ويبذل ما في وسعه، ولو كان فلس الأرملة، سينال في عينَي الربّ حظوة. ثانياً، يبدو أنَّ اختلاف توزيع المواهب واقع في المواهب الدنيا فقط، أي في بعض الوزنات، كالمال والصحة وسواها... إلاَّ أنَّ الموهبة الأساسيّة والأسمى أي أن نُدعى رسلاً لتجارة الملكوت، أن نحمل صورة الله ومثاله فينا، أن نحظى بالحبّ الإلهيّ ذاته، وغيرها من الهبات الأساسيّة، هذه كلّها أُعطيت للجميع بفيض وتساوٍ. إنَّ عدم توازن الهبات الأخرى أمام تساوي هذه المواهب الأخيرة، يلغي أهمّية اختلاف المواهب الدنيا بين إنسان وآخر. مهما حرمتنا الحياة من مواهب، إلاَّ أنّها لا تحرمنا من الهبة الأعظم وهي أن نبقى تجّار الملكوت، نحمل المسؤوليّة المقدَّسة عينها بالتبشير به وتنميته. النصّ الإنجيليّ، من جهة أخرى، واضح أنَّ السيّد وزّع الهبات والوزنات لكلّ حسب طاقته. كما أنّه يوضح أنّ الحبّ الإلهيّ يصل إلى أدنى الناس كما إلى سواهم. إنَّ هذا الحبّ يؤكد لنا ضرورة المتاجرة مهما اختلفت المواهب أو ندرت. إذن، في منطق الإنجيل لا توجد موهبة لا تستحق التنمية. ولا يوجد إنسان، مهما كانت ظروفه، لا يمكنه أن يكون ابنَ الملكوت يقوم بأعمال الملكوت ويتاجر أمام المحبّة الإلهيّة كعبدٍ صالحٍ أمين. لكلّ إنسان قيمته الفريدة، بغضِّ النظر عمَّا يراه الناس فيه من قِيَم مواهبيّة، كبيرة كانت أم صغيرة. لا يمكننا إذن أن نحتقر أحداً من هؤلاء الصغار إخوة يسوع. ولا يحقّ لأيٍّ مِنَّا مهما كانت وزنته صغيرة أن يحتقرها. هل يحقّ لمن نال وزنة واحدة أن يطمرها؟ إنَّ السيّد عاقب العبد الكسول على طمر الوزنة لأنَّه كان ينبغي عليه أن يودعها لدى الصيارفة على الأقلّ، فيأخذها السيّد عند عودته مع رِبَى. المقصود هو أنَّ المواهب المعطاة لنا، في طبيعتها لا تحتمل موقفاً حيادياً. فإن وهبنا الله أولاداً ولم نتاجر بالموهبة ولم نُرَبِّ، فنحن نفسد بذلك الموهبة لأنَّ الوالد صار عكس حقيقته ودعوته، صار قاتلاً وليس أباً. وإن أعطانا الله مالاً ولكنّنا لا نرعى به الآخرين صرنا ليس بخلاء وحسب، وإنّما سارقين. هبات الله الخيِّرة هادفة، وطمرها يعني إفسادها وليس حفظَها. إنَّ زمن حياتنا هو الهبة الإلهيّة الأساسية، "وهو وقت مقبول للربّ". لقد أعطى الربّ هذا المثل في سياق جوابه لتلاميذه حول متى يأتي الملكوت ويكون انقضاء الدهر. ويأتي هذا المثل بعد مثل العذارى العاقلّات والجاهلات. وتتوسط بين المثلَين الآية: "اسهروا إذن فإنَّكم لا تعرفون الوقت ولا الساعة التي يأتي فيها ابن البشر" (متى 25، 13). وهي خاتمة لمثل العذارى وفاتحة للمثل الحالي. إنَّ عدم السهر إذن، هو إفساد لهبة "زمن حياتنا" المقبول لدى الرب. إنَّ عبارة السيّد: "لأنَّ كلّ من له يعطى ويزاد ومن ليس له فالذي له يؤخذ منه" ليست بغريبة. لأنَّه يتّضح من المثل أنَّ الوزنات هي للسيِّد لا للعبيد. نحن لنا الإرادة فقط مع الرغبة وموهبة التجارة، أمَّا الوزنات فهي ملك سيّدها. "فمن له الرغبة والإيمان بالخدمة يُعطى هباتٍ فتزداد، أمَّا من ليس له هذه الرغبة ويحيا في كسلٍ فالذي له من هبات يفسد ويؤخذ منه". من كان أميناً على الخيرات والهبات الصغيرة في هذه الحياة سيقيمه السيّد على الكثير أي على الخيرات الآتية، على هبة هي أن يصير ابناً لله والملكوت. "افتدوا الوقت فإنَّ الأيّام شريرة". اسهروا. هذه هي الكلمات التي تخرج إلينا من هذا النصّ المقدّس. السيّد هو الواهب والإنسان هو المُنمِّي. الربّ هو المعطي والإنسان هو المتاجر. إنَّ يسوع يتكلّم عن ذاته وعنا. لقد سافر يسوع بعد صعوده تاركاً لنا تحقيق الملكوت، ولكن يسوع آتٍ. آميــن المطران بولس يازج |
10 - 02 - 2013, 09:34 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: نعمّا أيّها العبد الصالح الأمين
شكرا على المشاركة المثمرة
ربنا يفرح قلبك |
||||
10 - 02 - 2013, 12:13 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: نعمّا أيّها العبد الصالح الأمين
شكرا للتوبيك المميز
|
||||
10 - 02 - 2013, 12:39 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | |||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: نعمّا أيّها العبد الصالح الأمين
مشاركة اكتر من رائعة |
|||
11 - 02 - 2013, 05:44 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: نعمّا أيّها العبد الصالح الأمين
|
||||
11 - 02 - 2013, 05:44 AM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: نعمّا أيّها العبد الصالح الأمين
|
||||
11 - 02 - 2013, 05:45 AM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: نعمّا أيّها العبد الصالح الأمين
|
||||
24 - 02 - 2013, 11:35 AM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
نشط | الفرح المسيحى
|
رد: نعمّا أيّها العبد الصالح الأمين
افتدوا الوقت فإنَّ الأيّام شريرة تامل حلو قوي |
||||
25 - 02 - 2013, 05:21 AM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: نعمّا أيّها العبد الصالح الأمين
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|