|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نرى يسوع ومريم في نور قصة الخليقة وفي ذلك المضمون عندما يدعو يسوع مريم ب “امرأة” ومع خلفية قصة الخليقة فهذا اللقب يحضر لنا “امرأة” سفر التكوين :” فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ» (تكوين23:2) و”وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ”(تكوين20:3). هذه المرأة قد لعبت جزء هام في النبؤة الأولى التي أعطيت للبشرية فبعد السقوط واجه الله الحيّة وأعلن هزيمته في النهاية بقوله:” وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ»(تكوين15:3). هذا الإعلان والمعروف protoevangelium أي اول بشارة تعلن لنا ان امرأة ذات يوم سيكون لها نسل، إبن، وهو الذي سيسحق رأس الحيّة. أجيال وأجيال مرت وجاء عرس قانا ويسوع أشار لتلك النبؤة بدعوة مريم ب”امرأة” مع قصة الخلقة في ذاكرتنا. ان يسوع في سرد انجيل يوحنا يربط مريم مع امرأة سفر التكوين (15:3)، وبعيدا عن رفض أمه او ابعاد نفسه عنها فيسوع بدعوة مريم ب “امرأة” يكرمها بطريقة لم يسبق من قبل ان أي امرأة قد كرّمت من قبلها، فهي حواء الجديدة المرأة التي ابنها المنتظر منذ أجيال سيهزم الشر ويتمم نبؤة سفر التكوين. مع الخلفية في فكرنا عن امرأة سفر التكوين نحن الأن على استعداد ان نفهم كل كلمات يسوع والتي تبدو متقلبة لمريم في عُرس قانا:” «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ»(يوحنا4:2). هناك 3 جوانب في كلمات يسوع تحتاج ان نفهما – “الساعة”- السؤال “ما لي ولك”- و”امرأة”. أولا تكلم يسوع عن شيئ غامض “الساعة” وبالأخص “ساعته” هو وقال انها لم تأت بعد. ان “ساعة” يسوع في انجيل يوحنا تعود الى الوقت المحدد من الأب ليسوع لإتمام رسالته وهي تشير في النهاية الى قمة خدمته الجمهورية -آلامه وموته- عندما يتمجد وعندما ينهزم الشرير وعندما يجمع يسوع كل البشر اليه:” «قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ. مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ. اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ؟. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا أَتَيْتُ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ أَيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ!». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: «مَجَّدْتُ، وَأُمَجِّدُ أَيْضًا!». فَالْجَمْعُ الَّذِي كَانَ وَاقِفًا وَسَمِعَ، قَالَ: «قَدْ حَدَثَ رَعْدٌ!». وَآخَرُونَ قَالُوا: «قَدْ كَلَّمَهُ مَلاَكٌ!».أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ: «لَيْسَ مِنْ أَجْلِي صَارَ هذَا الصَّوْتُ، بَلْ مِنْ أَجْلِكُمْ. اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا. وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ».قَالَ هذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ”(يوحنا23:12-33) و “أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى”(يوحنا1:13) و “تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا”(يوحنا1:17). في قانا ربط يسوع طلب مريم أمه للخمر مع تلك الساعة التي تعني بدء آلامه وتعجب كيف ان أمه تطلب منه ذلك الطلب حيث ان ساعته لم تأت بعد وخدمته الجهورية لم تكن قد بدأت هي الأخرى بعد. ثانيا، ان التعبير “مالي ولكِ” يمكن ان يُفهم او يترجم ماذا يكون هذا بالنسبة لي وبالنسبة لكِ. في العهد القديم يشير هذا التعبير الي نوع من العدواة والخصام او الصراع او الرفض كما جاء مثلا في: “فَأَرْسَلَ يَفْتَاحُ رُسُلًا إِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ يَقُولُ: «مَا لِي وَلَكَ أَنَّكَ أَتَيْتَ إِلَيَّ لِلْمُحَارَبَةِ فِي أَرْضِي؟»(قضاة12:11 و “فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلًا يَقُولُ: «مَا لِي وَلَكَ يَا مَلِكَ يَهُوذَا! لَسْتُ عَلَيْكَ أَنْتَ الْيَوْمَ، وَلكِنْ عَلَى بَيْتِ حَرْبِي، وَاللهُ أَمَرَ بِإِسْرَاعِي. فَكُفَّ عَنِ اللهِ الَّذِي مَعِي فَلاَ يُهْلِكَكَ»(“2أخبار21:35) و “فَقَالَتْ لإِيلِيَّا: «مَا لِي وَلَكَ يَا رَجُلَ اللهِ! هَلْ جِئْتَ إِلَيَّ لِتَذْكِيرِ إِثْمِي وَإِمَاتَةِ ابْنِي؟»(1ملوك18:17). وفي زمن آخر فكانت تعبر عن قلة في التعاون او فرق في الفهم ما بين شخصان- النظر نحو الشيئ بطريقة مختلفة- ولكن بدون أي عداوة كما جاء في: “َقَالَ أَلِيشَعُ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: «مَا لِي وَلَكَ! اذْهَبْ إِلَى أَنْبِيَاءِ أَبِيكَ وَإِلَى أَنْبِيَاءِ أُمِّكَ». فَقَالَ لَهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: «كَلاَّ. لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَا هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ الْمُلُوكِ لِيَدْفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مُوآبَ»(2ملوك13:3) و”يَقُولُ أَفْرَايِمُ: مَا لِي أَيْضًا وَلِلأَصْنَامِ؟ أَنَا قَدْ أَجَبْتُ فَأُلاَحِظُهُ. أَنَا كَسَرْوَةٍ خَضْرَاءَ. مِنْ قِبَلِي يُوجَدُ ثَمَرُكِ»(هوشع8:14). ان ظل ذلك المعنى يعتمد على المحتوى فما استعمله يسوع في التعبير كما جاء في يوحنا4:2 يتماشى مع سياق المعنى الثاني حيث ان الصدام او الخلاف لا يتفق مع الطريقة التي جاءت في الأنجيل الرابع والذي يقدم فيه علاقة يسوع ومريم في قانا. في قانا سألت مريم يسوع في بساطة ان يفعل شيئا نحو نقص النبيذ في عرس قانا بقولها:”ليس لديهم خمر” ان يسوع أشار انه و مريم ينظران لهذا الطلب للخمر بنظرات مختلفة. في التقليد اليهودي الخمر رمز قوي مرتبط بالحكمة كما جاء:” اَلْحِكْمَةُ بَنَتْ بَيْتَهَا. نَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا السَّبْعَةَ.ذَبَحَتْ ذَبْحَهَا. مَزَجَتْ خَمْرَهَا. أَيْضًا رَتَّبَتْ مَائِدَتَهَا. أَرْسَلَتْ جَوَارِيَهَا تُنَادِي عَلَى ظُهُورِ أَعَالِي الْمَدِينَةِ: «مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلِيَمِلْ إِلَى هُنَا». وَالنَّاقِصُ الْفَهْمِ قَالَتْ لَهُ: «هَلُمُّوا كُلُوا مِنْ طَعَامِي، وَاشْرَبُوا مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي مَزَجْتُهَا”(امثال1:9-5) ومرتبط بالشريعة ومع حفلات الزواج:” لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ. لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى. اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ”(نشيد الانشاد2:1-4) و”مَا أَحْسَنَ حُبَّكِ يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ! كَمْ مَحَبَّتُكِ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ! وَكَمْ رَائِحَةُ أَدْهَانِكِ أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ الأَطْيَابِ!(نشيد الانشاد10:4). ولكن الأكثر وضوحا في ذلك المنظر ان الخمر مرتبط بالفرح في العهد المسياني فالنبي اشعيا مثلا رأى كل الشعوب مجتمعة على جبل الرب في عيد عظيم يرتون من الخمر عندما يأتي الله ليخلصهم:” وَيَصْنَعُ رَبُّ الْجُنُودِ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ فِي هذَا الْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ، وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دَرْدِيّ، سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ، دَرْدِيّ مُصَفًّى. وَيُفْنِي فِي هذَا الْجَبَلِ وَجْهَ النِّقَابِ. النِّقَابِ الَّذِي عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، وَالْغِطَاءَ الْمُغَطَّى بِهِ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. يَبْلَعُ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ، وَيَمْسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ الأَرْضِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ. وَيُقَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «هُوَذَا هذَا إِلهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ»(اشعيا6:25-9). وعاموس النبي بالمثل تنبأ ان الله ينقذ مملكة داود ويعيدها:” هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، يُدْرِكُ الْحَارِثُ الْحَاصِدَ، وَدَائِسُ الْعِنَبِ بَاذِرَ الزَّرْعِ، وَتَقْطُرُ الْجِبَالُ عَصِيرًا، وَتَسِيلُ جَمِيعُ التِّلاَل، وَأَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ فَيَبْنُونَ مُدُنًا خَرِبَةً وَيَسْكُنُونَ، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَشْرَبُونَ خَمْرَهَا، وَيَصْنَعُونَ جَنَّاتٍ وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا” (عاموس13:9-14). هكذا عندما سأل يسوع مريم قائلا: ” مالي ولكِ” هو عبارة عن انه يقول لها:” ما هذا الخمر بالنسبة لي وبالنسبة لكِ”. ان الخمر بالنسبة الي مريم والذي تطلبه هو ببساطة مشروب احتفالي سيساعد العائلات المسؤولة عن العُرس يحتفظون بالتقليد والعادات عند الإحتفال بالزواج. ولكن يرى يسوع انه لأجل ان يقدم هذا الخمر فانه يحتاج ان يقوم بتأدية معجزة ستكشف عن مجده وتطلق بدء رسالته وخدمته المسيانية الجهورية وان هذا يعني انه سيبدأ سيره نحو ساعة آلامه. وهكذا من وجهة نظر يسوع فان مريم تسأل اكثر مما مجرد تزويد الحفل بالشراب. ان الخمر التي تطلبه هو في الحقيقة الخمر المسياني- الخمر الرمزي الذي تنبأ عنه الأنبياء والمصحوب بمجيئ العصر المسياني. ولهذا نرى ان يسوع ربط طلب مريم لذلك الخمر بساعته-الساعة التي تأتي بآلامه، فهل مريم على استعداد لتلك الساعة لتأتي؟ كل هذا القى بظلال إضافية لماذا في تلك اللحظة ربط يسوع مريم ب “امرأة” سفر التكوين (تكوين15:3)، فإذا قام يسوع بتلك المعجزة فسيبدأ رسالته المسيانية وبهذا يبدأ السير نحو ساعته، واذا ما فعل هذا فإن مريم يقترض ان تبدأ دور جديد وليس فقط ان تكون “ام يسوع” بل سبصبح “امرأة”- المرأة التي تنبأ عنها سفر التكوين- أي بكلمات أخرى المرأة التي سيكون ابنها من سيحطم الشرير. ضع نفسك في موقف مريم ففي البداية كانت ببساطة تحاول ان تساعد بأخبار عن نقص الخمر في حفل العُرس – وليس لحل كل مشاكل العالم؟ فذهبت الي يسوع بطلب أساسي عن الخمر وابتعدت بعد ذلك بعد ان وُجهت بأشياء اكثر ثقلا تضمنت رسالة ابنها المسيانية والإنتصار على الشرير وحل مشكلة خلاص البشرية من الخطيئة. ولكن هناك اكثر من ذلك، ففي ثلاثون عاما حملت مريم ثفل نبؤة سمعان الشيخ فهي تعلم انه في يوم ما عندما يبدأ ابنها رسالته سوف لا يفهمونه ويرفضونه ويعارضونه. وهي أيضا تعلم ان ابنها سيكون «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ(لوقا34:2)، وفي النهاية سيقتل وحربة ستنغرس فيه. في حفل بهيج ومناسبة فرح تسأل مريم ببساطة يسوع لبعض من الخمر، فإذا انتبه يسوع لطلب مريم قسوف يحتاج ان يصنع معجزة والتي ستبدأ مسيرة رسالته الجهورية- وان ذلك يعني بدء تحرك يسوع نحو ساعته للموت. ان ساعة نبؤة سمعان الشيخ تبدو انها ستبدأ، فهل هذا ما تريده مريم في الحقيقة؟ اذا ما كنا والدان تم مواجهتهما بمثل ذلك الإختيار فالكثير منا سيتراجع ويقول ” لقد فكرت مرة أخرى يا يسوع وهذا يعني انك لست في احتياج ان تحضر خمر ودعهم هم يتصرفون”. ولكن مريم لم تفكر نحو ابنها مثل ذلك التفكير وياترى ما الذي لفت نظرها مما قاله يسوع واجابته العجيبة لها؟ ان انجيل يوحنا لم يعطينا ان مريم قد أدركت ما قد يعنيه يسوع ولكن بطريقة عجيبة كانت كلمات ابنها لها هو نوع من الثقة انه سينفذ ما طلبته ولم تظهر مريم أي علامات التردد فلقد تعلمت عندما كان يسوع في سن الاثناعشر سنة وفقد في الهيكل ان يسوع يجب ان يكون في بيت أبيه منفذا كل ما هو للأب حتى ولو هذا يعني الفراق عنها او المعاناة لها. لذلك ففي قانا استمرت مريم تقول “نعم” لمشيئة الله وان تستسلم لخطة الله الأب ليسوع وهي لم تبتعد عن دعوة الله لها. مريم كخادمة للرب تقول للخدام في العُرس ” «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ»(يوحنا5:2) وأطاع الخدام وتمت الآية وبدأت رسالة يسوع الجهورية، وهكذا ساعدت مريم في وضع بدء مسيرة يسوع والأحداث التي ستقود رحلة ابنها نحو الجلجثة حيث سيموت من اجل خطايانا. ان آية قانا الجليل حيث لم يرفض لها يسوع طلباً بل قدم ساعة مـجده لما عرضت عليه مريم حاجة الناس وحيرتهم (يوحنا4:2). قصة عرس قانا الجليل تُلقي ضوءاً على علاقة العذراء مريم بالـمسيح الرب من جهة إمكا نية تشفعها عن الأخرين ومدى استجابة الرب لشفاعتها. والكنيسة تؤمن ان عرس قانا لايزال قائما والضيف الإلهي كما كان بالأمس هو هو قائم اليوم وإلى الأبد، والبشرية هى بعينها عاجزة وقد افرغت خمرها وفى أشد الحاجة الى العون الروحي والحكمة التى تسلك بها فى ظلمة هذا العالم، وأجران التطهير فارغة ومنسية لفشل الإنسان فى السلوك حسب الناموس والوصايا، والقلوب جافة ومتلهفة وهنا كل العيون تنظر الى الأم فى توسل لكي تنقل كلمة البشرية الى آذان الضيف الإلهي لكى يرحم ضعف البشرية، لا كأنه غافل عن الـمحبة ولا كأنه لا يسمع ولا يرى ولا كأنه كان يريد ان يسمع السؤال واضحاً. ان الرب مشتاق ان تصل الى اذنه كلمة واثقة تعبر عن حاجة الناس، ولكن من شفاه مؤمنة بقدرته السرمدية، وهو يريد قلباً يطلب منه بدالة، دالة البنوة الكاملة أو دالة الأمومة الواثقة. حينما تقدمت العذراء اليه بالسؤال”ليس لهم خمر” (يوحنا 3:2) كانت شفيعة العرس كله وكل الـمتكئين والعالـم، ولا تزال هى الشفيع لـمن ليس لهم عون. إنها لا تلح بالسؤال كمن يتضرع الى إلـه قاس ولكنها بدالة شديدة تضم توسلها الى رحمته وترفع سؤالها بالثقة حتى يـبلغ إلى إستجابة الرب الوديعة. كـما نرنّم فـى القداس الباسيلي: “ليس لنا دالة عند ربنا يسوع المسيح سوى طلباتك يا سيدتنا كلنا والدة الإله”. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: “هنا بدء الكشف عن مفهوم “المجد” في هذا السفر، وهو: “الحضرة الإلهية”. اللَّه يمجدنا حينما يعلن حضوره فينا، ونحن نمجده حينما نعلن حضوره في العالم. ففي هذه الآية أُعلن حضور الآب في ابنه وحيد الجنس، الذي يخبر عنه. “عندما حول الماء خمرًا ماذا يضيف الإنجيلي؟ “وآمن تلاميذه به” (يوحنا٢: ١١). فهل كان للشيطان أن يؤمن به؟ ويقول القديس أغسطينوس:”إن قال قائل: لا يوجد في هذا القول دلالة كافية على أن هذه الآية هي بداءة آيات المسيح لأجل إبداعها في قانا الجليل، لأنه من الممكن أن يكون فعل في غير ذلك المكان آيات أخرى غيرها. نقول له: إن يوحنا المعمدان قد قال من قبل عن المسيح: “وأنا لم أكن أعرفه، لكن ليظهر لإسرائيل، لذلك جئت أعمد بالماء” (يوحنا 1: 31)، فلو كان المسيح فعل في عمره المبكر عجائب لما كان الإسرائيليون قد احتاجوا إلى آخر يعلن عنه. لأن ذاك (يسوع) الذي جاء بين الناس وبمعجزاته صار معروفًا، ليس فقط للذين في اليهودية وإنما أيضا للذين في سورية وما وراءها، وفعل هذا في ثلاث سنوات فقط، فإنه ما كان محتاجًا إلي هذه السنوات الثلاث لإظهار نفسه (مت 4: 24)، لأنه كان من شهرته السابقة قد عُرف في كل موضع. أقول أن ذاك الذي في وقت قصير أشرق عليكم بالعجائب فصار اسمه معروفًا للكل، لم يكن بأقل من ذلك لو أنه في عمره المبكر صنع عجائب وما كان يبقى غير معروف كل هذا الزمن (حتى بلغ الثلاثين من عمره). فإنه ما كان قد فعله لبدا غريبًا أن يفعله صبي. في الحقيقة لم يفعل شيئا وهو طفل سوى أمرًا واحدًا شهد له لوقا (لو 2: 36) وهو في الثانية عشر من عمره حيث جلس يسمع للمعلمين وقد دهشوا من أسئلته. بجانب هذا فإنه من الأرجح والمعقول انه لم يبدأ آياته في عمره المبكر، لأنه بهذا لبدت أمرًا مخادعًا. إن كان وهو في سن النضوج تشكك كثيرون فيها، كم بالأكثر لو أنه صنع العجائب وهو صغير. فإن ذلك كان قد أسرع به إلي الصليب قبل الوقت المحدد، خلال سم الحقد، ولما قُبلت حقائق التدبير. هذه الآية تمّت بمشاركة أمّ يسوع أيضاً. عينها ساهرة لا للانتقاد بل لتلبية حاجة تزيد من سعادة أهل البيت والمدعوين. وحينما لاحظت نفاد الخمر، تدخلت تدخلاً لطيفاً ولفتت انتباه ابنها بما لها من دالة عليه وبما عندها من شعور عميق مع العروسين في حيرتهما. وبالرغم من جواب يسوع لها، وجوابه يبدو صعباً، تبقى مريم واثقة من أن ابنها لا يرد لها طلباً يهدف إلى خدمة الإنسان. لذلك تتجه إلى الخدم حتى يأتمروا بأوامر يسوع: “مهما يأمركم به فافعلوه”. وفي كلامها هذا برنامج عمل وحياة لكل مؤمن يتبع يسوع. كم من مرة لا نفهم ما يطلبه يسوع منا وما يأمرنا به فنحاول أن نتملّص منه. كم من مرة تبدو لنا الحياة معه والحلول التي يعرضها علينا صعبة التطبيق، فنتهرب متذرعين بألف حجة وحجة. ولكن كلام مريم لنا يبقى هو هو لا يتغير: “مهما يأمركم به فافعلوه”. فما من إنسان واحد اهتدى بأوامرهوخابت آماله. وهي المثال الحي على صحة ما تقول. إن يسوع يبدو متردداً في قبول طلب أمّه بحجة أن ساعته لم تأت بعد. وساعة يسوع هي زمن موته وقيامته. فيها يظهر مجده الإلهيّ واتحاده مع الآب وحبه للبشر. وهكذا ينتقل يسوع من الأمور المادية إلى الأمور الروحية، من الخمرة التي نفذت في العرس إلى تلك الساعة التي يعوض فيها عن نقص أهم وأعمق فيخلص البشر بذبيحته ويمنحهم الحياة. لقد فهمت مريم أن جواب يسوع لها لا يدل على أي احتقار بل ينظر إلى المستقبل، إلى ساعة تجلّيه على الصليب. خضعت مريم لسر هذه الساعة وأمرت الخدم أن يصغوا إلى توجيهات يسوع دون تردد. أن يسوع استبق الأمور ولم يرد طلب أمّه وخلق خمرة جديدة أظهر بها مجده وجعلها عربون عطايا العهد الجديد بدمه. إن مريم دلّت الناس على ابنها وفتحت لهم طرق الحياة الجديدة بإيمانها واستسلامها التام لمشيئته وبدعوتها إياهم حتى يتبعوه كما يرسم لهم الطريق. وبناء على طلب أمّه صنع يسوع أولى آياته هذه فأظهر مجده وآمن به تلاميذه” هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ”(يوحنا11:2). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|