رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لأَنَّه نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة. سَوفَ تُهَنِّئُني بَعدَ اليَومِ جَميعُ الأَجيال تشير عبارة "لأَنَّه نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة" إلى صلاة حَنِّة أمِّ صموئيل وهذا نصِّها: "أَنتَ نَظَرتَ إِلى بُؤسِ أَمَتِكَ وذَكَرتَني ولم تَنسَ أَمَتَكَ" (صموئيل 1: 11). المَرء المُتواضع هو أفضل النَّاس في عيني الرّبّ. والتَّواضع هو موضوع أساس في العهد القديم. والتَّواضع عكس الكبرياء. وفي الكتاب المقدس التواضع هو الفكر، الذي لا يطمع في المَعالي، بل يميل إِلى الوَضيع، ولا يحسب نفسه عاقلا (رومة 12: 16). ولا يرتئي ويسمو فوق ما ينبغي في الاعتِدادِ بِأَنفُسِه مَذهَبًا يُجاوِزُ المَعقول (رومة 12: 3)، بل يتنافس في إِكرامِ غيره (رومة 12: 10) ويضيف بولس الرسول " لا تَفعَلوا شَيئًا بِدافِعِ المُنافَسةِ أَوِ العُجْب، بل على كُلٍّ مِنكم أَن يَتواضَعَ ويَعُدَّ غَيرَه أَفضَلَ مِنه "(فيلبي 2: 3). وبكلمة التَّواضع عدم الاعتداد بالذات أو إفناء الذات، بل عطاء النَّفس حق قدرها. وبالتَّحديد، أن يكون الإنسان متواضعًا لا يعني أن يعتبر نفسه أدنى ما هو عليه، إنَّما ألاَّ يدّعي أكثر مِمَّا له وأن يعترف بفضل رَبِّه والنَّاس عليه. ويُعلق القديس منصور دي بول قائلاً: "التواضع هو إفراغ الذات من الذات لإحلال الله مَحلَّها". العذراء القديسة، على كونها أمَة متواضعة، فهي أُمُّ الله. ويُعلق مارتن لوثر " مَريَم تعرف أنها أمُّ الله، فوق البشر أجمعين، ومع ذلك لم تتخلَّ عن بساطتها ولا عن تواضعها، غير معتبرة نفسها أعلى من أحد حتى ولا من خادمة بسيطة. وهي لا تريد أن نذهب إليها هي، بل بها إلى الله". أمَّا عبارة "نظر" فتشير إلى نظر الله الذي لا يستطيع أن ينظر إلاَّ إلى ذاته أو إلى الأسفل، لأنه ليس من شيء فوق الله، كما ورد في كلمات صاحب المزامير "مَن مِثلُ الرَّبّ إِلهِنا الجالِسِ في الأعالي الَّذي تَنازَلَ ونَظَر إِلى السَّمَواتِ والأَرض؟" (مزمور 138: 5-6). ويُعلق اللاهوتي البروتستانتي كارل برْث " إن كان قد حدث في التَّاريخ العَالَمي أمر أساسي، فإنما هو تلك النَّظرة إلى أمته الوضيعة". أمَّا عبارة "أَمَتِه" فتشير إلى مَريَم كما سمَّت نفسها. فكانت من طبقة وضيعة، تعيش في قرية مجهولة في نواحي الجليل وعاشت دائمًا في عمل مشيئة الله وخدمة ابنها يسوع. ويُعلق القدّيس لويس -ماري غرينيون دو مونفور "كان تواضعُ مَريَم عميقًا جدًّا إلى حدّ أنّها لم تَجِدْ على الأرض أيّ ميل قويّ ودائم أكثر من التَّخفّي عن نفسِها وعن كلِّ خليقة، كي لا يعرفَها سوى الله وحدَه. كان تواضعُها عميقًا جدًّا إلى حدّ أنّها لم تَجِدْ على الأرض أيّ ميل قويّ ودائم أكثر من التَّخفّي عن نفسِها وعن كلِّ خليقة، كي لا يعرفَها سوى الله وحدَه"(دراسة عن التَّقوى الحقيقيّة لمَريَم العذراء، 1-6). أمَّا عبارة "سَوفَ تُهَنِّئُني بَعدَ اليَومِ جَميعُ الأَجيال" فتشير إلى تبليغ مَريَم العذراء عن موقف الأجيال القادمة منها، وهذه الكلمات لها صدى في سفر التَّكوين "لأَنَّ النِّساءَ تُهَنِّئُني" (التَّكوين 3-13). ومع علمها أن جميع الأجيال ستطوِّبها لأجل العظائم التي صنعها الرَّبّ لها، فهي تريد أن يعود الفضل كلُّه إليه سبحانه تعالى. وفي هذا الصَّدد يقول بولس الرسول "مَنِ افتَخَرَ فَلْيَفتَخِرْ بِالرَّبّ"(1 قورنتس 1: 31). أمَّا عبارة "تُهَنِّئُني" في الأصل اليوناني μακαριοῦσίν (معناها تطوِّبني) فتشير إلى تهنئة الأجيال لمَريَم لا بسبب فضيلتها بل بسبب قدرة الله، صانع العظائم الذي حقَّقها فيها، كما قال الملاك جِبرائيل لها " وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ (لوقا 1: 35). لذلك وَضْع العذراء المُتميِّز هو نتيجة أمومتها ليسوع. وهذا هو جوهر الإيمان المسيحي الذي يقوم على تجسُّد الكلمة. وهذا ما أوحي إلى مَريَم بسبب دورها الرَّفيع في إتمامه، فقد جاء إليها كلمة الله ليتَّحد فيها بالطَّبيعة البشرية. لذلك تفوهت مَريَم العذراء بعبارة " تُهَنِّئُني "لا عن كبرياء بل اعترافًا بفضل عطيَّة الله لها وتقبُّلها بإيمان. الكبرياء هي رفض قبول عطايا الله، أمَّا الاتضاع فهو قبولها واستخدامها في تمجيده تعالى وخدمته. لنطوب مَريَم العذراء مع أَليصابات بصوتٍ جهيرٍ "مُبارَكة أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكة ثَمَرَةُ بَطنِكِ" (لوقا 1: 42). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|