رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فقال الرب لي: قد بررت نفسها العاصية إسرائيل أكثر من الخائنة يهوذا" [6-11]. ويلاحظ في النص الآتي: أ. يقول العلامة أوريجينوس: [يريدنا النبي هنا أن نعرف أن الشعب - كما جاء في سفر الملوك - قد قُسِّم في أيام رحبعام إلى مملكة مكونة من عشر أسباط تحت حكم يربعام، ومملكة أخرى مكونة من سبطين تحت حكم رحبعام (1 مل 12). مجموعة يربعام ُدعيت إسرائيل، وسبطا رحبعام دُعيا يهوذا. واستمر هذا الانقسام إلى أيام النبي... إسرائيل التي ليربعام وخلفائه أخطأت أولًا، أخطأت كثيرًا إذا قورنت بيهوذا، حتى سمح الله لها أن ُتساق إلى السبي بواسطة الأشوريين، واستمر حتى الآن (وقت النبي) كما يقول الكتاب. بعد ذلك أخطأ أيضًا بنو يهوذا، وتم سبيهم إلى بابل. بعد كل تلك الخطايا التي ارتكبتها إسرائيل، وقد علمت يهوذا بها، ورأت كيف أرسلتها إلى السبي، لم تستفد من هذا الدرس، بل على العكس أكثرت من خطاياها، حتى متى قورنت بخطايا إسرائيل نجد برًا في إسرائيل أكثر من يهوذا. كان على يهوذا أن تستخلص من ذلك درسًا - لأني طلقت إسرائيل وطردتها عند الأشوريين وأعطيتها كتاب طلاقها في يديها - ومع ذلك "لم تخفْ الخائنة يهوذا أختها"، ولم تكتفِ برفض هذا الدرس، بل أضافت إلى خطاياها آثامًا أكثر، حتى بدت أن خطايا شعب إسرائيل بالمقارنة بخطايا شعب يهوذا كأنها بر وصلاح ]. لقد تمردت إسرائيل العاصية على الرب علانية منذ نُصب عجلا يربعام الذهبيين حتى لا يشتاق الشعب إلى هيكل الرب في أورشليم، كما أقام كهنة من غير سبط لاوي (1 مل 12: 28، 31)، وصنع عيدًا في بيت إيل. لم نجد من ملوكهم من طلب الرب إلا مرة واحدة عندما اشتد الضيق بسبب الغزو الأرامي (2 مل 13: 4-5)، وبالفعل خلصهم الرب، "لكنهم لم يحيدوا عن خطايا بيت يربعام الذي جعل إسرائيل يخطئ، بل ساروا بها ووقفت السارية أيضًا في السامرة"... أمام هذا العناد العلني والمستمر عبر الأجيال سلمهم الرب للسبي الأشوري، فتركوا أرضهم كما تترك المرأة المطلقة بيتها الزوجي. أما خطية يهوذا الخائنة، فهي مع وجود بعض ملوك صالحين على خلاف إسرائيل، انشغلت مملكة يهوذا بالعبادة الظاهرية مع خيانة خفية، حيث كانت القلوب منصرفة إلى نجاسة الأمم. عُرفت إسرائيل بالعصيان العلني ومقاومة عبادة الله، أما يهوذا فُعرفت بالخداع والكذب. وكما يقول العلامة أوريجينوس على لسان الرب: [لم تهَبني (يهوذا) بعد كل ما فعلته بإسرائيل، ولم ترجعإليّرجوعًا كاملًا، بل بالعكس رجعت إليّ بالكذب ]. ب. يرى العلامة أوريجينوس أن ما حدث قديمًا مع مملكتي إسرائيل ويهوذا، بأن عصت الأولى وزنت الثانية، يمثل رمزًا لما حدث أيضًا مع اليهود في أيام السيد المسيح إذ عصوا المخلص ورفضوه، وما يحدث مع بعض رجال العهد الجديد حيث يتمسك بعض المسيحيين بالاسم دون الحياة الإيمانية الفعلية الروحية. وكأن ما ورد هنا هو توبيخ للمسيحيين الاسميين. [دعونا نرى ما هو القصد من وراء ما ورد هنا. بدأت دعوة الأمم عند سقوط إسرائيل، فبعدما كرز الرسل لجماعة اليهود، قالوا لهم: "كان يجب أن تُكلموا أنتم أولًا بكلمة الله، ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية هوذا نتوجه إلى الأمم" (أع 13: 46). ويقول أيضًا الرسول العارف بهذا الموضوع: "بزلتهم صار الخلاص للأمم لإغارتهم" (رو 11: 11). إذن أخطاء هذا الشعب الكثيرة أدت إلى استبعادهم، كما أدت أيضًا إلى دخولنا إلى "رجاء الخلاص"، نحن الذين كنا "غرباء عن عهود الموعد، لا رجاء لنا" (راجع أف 2: 12). كيف إذًا حدث هذا الأمر؟ كيف بعدما وُلدت في أي موضع في العالم، وكنت غريبًا عن أرض الموعد، أقف اليوم لأتحدث عن وعود الله، وأؤمن بإله الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب؟ بل وأكثر من هذا اقبل في داخلي يسوع المسيح الذي سبق أن تنبأ عنه الأنبياء؟ لنلاحظ هنا أن شعب إسرائيل هو هذا الذي كُتب عنه: "فطلقتها وأعطيتها كتاب طلاقها". لقد طلق الله إسرائيل وأعطاها كتاب طلاقها. هذا يحدث بالنسبة للمتزوجين، متى صارت الزوجة مكروهة عند رجلها كما هو مكتوب في شريعة موسى، فإن الزوج يكتب لها كتاب طلاق فتُطلق، ويكون من حق الزوج الذي طلق امرأته الأولى بسبب سوء سلوكها أن يتزوج بأخرى. هكذا بنفس الطريقة بعدما أخذ شعب إسرائيل كتاب طلاقه تم إهماله تمامًا. أين هم أنبياؤهم؟ أين معجزاتهم بعد؟ أين هو ظهور الله لهم؟ أين العبادة والهيكل والذبائح؟ لقد طُردوا من موضعهم. إذن، أعطى الله إسرائيل كتاب طلاق، ثم نحن، (مملكة) يهوذا، لأن المخلص جاء من سبط يهوذا، قد رجعنا إلى الرب، لكن يبدو أنه في أيامنا الأخيرة سنشابه أيام يهوذا الأخيرة، إن لم نصر فيحال أسوأ منها. يبدو أن هذا هو وقت نهاية العالم فعلًا. هذا يظهر بوضوح من كلمات السيد المسيح في إنجيله: "ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين، ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (مت 24: 12-13). وأيضًا: "سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا" (مت 14: 24). هذا هو وقتنا الحاضر الذي يقصده المخلص بمجيئه الثاني، حيث أننا إذا بحثنا في العديد من الكنائس سوف لا نجد مؤمنًا واحدًا حقيقيًا. "ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض" (لو 18: 8). بالفعل إن حكمنا على الأوضاع حسب الحق لا العدد، ولو نظرنا إلى الأعماق الداخلية بدلًا من النظر إلى أعداد الناس المجتمعة ندرك أننا لم نعد بعد مؤمنين أمناء. قبلًا وُجد مؤمنون حقيقيون، وذلك فيعصر الشهداء المزدهر. فعند عودة مواكب أجساد الشهداء إلى القبور كانت الكنيسة كلها تجتمع بغير خوف، وكان الداخلون إلى الإيمان حديثًا يتعلمون مبادئ المسيحية وهم يرون حولهم أجساد الشهداء، كما أن مؤمنين كثيرين كانوا يعترفون بإيمانهم حتى الموت بغير خوف، دون أن يتزعزعوا عن إيمانهم بالله الحيّ. إذن، نحن نعرف أناسًا رأوا أشياءً عجيبة فائقة. وُجد مؤمنون قليلون لكنهم كانوا مؤمنين حقيقيين، اتبعوا الطريق الضيق الكرب المؤدي إلى الحياة. أما الآن فقد صرنا كثيرين من جهة العدد، لكن من غير الممكن أن يُوجد كثيرون منتخبون، لأن يسوع لا يكذب حين قال: "كثيرون يُدعون وقليلون يُنتخبون". فمن بين الجموع التي اتخذت الدين عملًا لهم بالكاد يوجد قليلون يصلحون للانتخاب الإلهي والتطويب. عندما يقول الله: "لقد طلقت أولًا إسرائيل بسبب خطاياها، وأبعدتها عني، ويهوذا لم ترجعإليّ بالرغم من معرفتها بما حدث لإسرائيل، فإنه يتحدث أيضًا عن خطايانا. عند قراءتنا عن المصائب والأهوال التي حلت بشعب إسرائيل يلزمنا أن نرتعد، ونقول: "إن كان الله لم يشفق على الأغصان الطبيعية فلعله لا يشفق عليكِ أيضًا" (رو 11: 21). إذا كان الذين يفتخرون بأنهم زيتونة حقيقية (رو 11: 24)، والذين هم متأصلون في جذور إبراهيم وإسحق ويعقوب، قد قطعهم الله بلا شفقة، بالرغم من صلاحه وحبه للبشر، فكم بالحري بالنسبة لنا؟ "هوذا لطف الله وصرامته" (رو 11: 22)، فهو ليس لطيفًا بدون صرامة، ولا صارمًا بدون لطف. لو كان الله لطيفًا فقط بدون صرامة لازددنا في احتقارنا للطفه وعدم مبالاتنا تجاهه. ولو كان صارمًا بغير لطف لسقطنا في اليأس من جهة خطايانا. لكنه في الواقع بما أنه هو الله، فهو لطيف وصارم في آن واحد، أما نحن البشر فعلينا أن نختار: إما لطفه إذا رجعنا إليه، أو صرامته إن بقينا في خطايانا. يحدثنا الله على لسان الأنبياء، قائلًا لنا: هل رأيت ما فعلت العاصية إسرائيل؟ يُفهم إسرائيل هنا الشعب اليهودي. "انطلقت إلى كل جبلٍ عالٍ وإلى كل شجرة خضراء" [6]. إذا نظرت إلى الفريسي الذي صعد إلى الهيكل في غرور دون أن يقرع صدره، أو ينشغل بخطاياه، بل يقول: "اللهم إني أشكرك إني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشار، أصوم مرتين في الأسبوع وأعشر كل ما أقتنيه" (راجع لو 18: 11-12)، فإنك تفهم أنه صعد إلى كل جبلٍ عالٍ، بمشاعره التي تستحق اللوم، وحبه للتفاخر والتباهي؛ كذلك صعد بالغرور والكبرياء إلى كل أكمة مرتفعة، وجاء تحت كل شجرة، ليست شجرة مثمرة، إنما شجرة بها خشب فقط، إذ يوجد فارق بين الشجر للخشب والشجر المثمر. عندما نزرع أشجارًا للخشب فقط نزرع بذورًا غير مثمرة بل عقيمة، ترمز إلى مجادلات الهراطقة وحججهم ذات البريق الغاش المخادع غير الصالح لإقناع السامعين. فإذا تركنا أنفسنا وراء هذه المجادلات، إنما نذهب تحت كل شجرة للأخشاب. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
آرميا النبي | إصلاح إسرائيل ويهوذا |
أرميا النبي | قال رب الجنود إله إسرائيل |
آرميا النبي | الله ليس إله إسرائيل وحده |
آرميا النبي | أورشليم تؤله نفسها |
آرميا النبي | (خيانة إسرائيل) |