منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13 - 11 - 2022, 10:34 AM   رقم المشاركة : ( 11 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,765

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر طوبيا

تفسير سفر طوبيا




الأصحاح التاسع

غابيلوس يرد الفضة











إرسالية رافائيل إلى غابيلوس

طلب طوبيا من عزريا (رئيس الملائكة المتخفي) أن يذهب إلى غابيلوس يطلب منه الوديعة التي سبق أن سلَّمها له طوبيت. ونلاحظ في هذه الإرسالية الآتي:
أولاً: ليس بالضرورة أن من يرسل أحدًا يكون المُرسِل أعظم من الرسول، فطوبيا الشاب أرسل رئيس الملائكة المُتخفي ليُقَدِّم له هذه الخدمة.
* إن كنت تظن أن الذي يُرسَل أقل من الذي أرسله يلزم أن تتعلَّموا أن الصغير يمكن أن يرسل من هو أعلى منه في المقام [2]؛ والأكثر مقامًا يمكن أن يُرسِل من هم أقل منه[1].
القديس أمبروسيوس
ثانيًا: عهد طوبيا مهمة إحضار الفضة من غابيلوس إلى حفل عُرْسِه، وذلك كما سيحدث في آخر العصور حيث دعا ملاك المؤمنين الأمناء على الوصية الإلهية، أي يأتوا بالفضة إلى عُرْسِ الحمل. وقول القديس يوحنا الحبيب: "قال لي اكتب طوبى للمدعوين إلى عشاء عُرْسِ الخروف وقال هذه هي أقوال الله الصادقة" (رؤ 19: 9).
ثالثًا: اتَّسم طوبيا الشاب بالفكر الناضج والرقة في التعامل وتقديره للآخرين، ففي حديثه مع الملاك تحدث معه كأخٍ يثق في أمانته وحكمته وقدرته على التدبير. لم يصدر طوبيا أمرًا لعزريا، ولا اتفق معه على الأجرة، إنما بروح الحب طلب منه هذه الخدمة بأسلوبٍ لطيفٍ لائقٍ مع أنه لم يكن يعلم أنه رئيس ملائكة. تشبَّه الرسول بولس بطوبيا في تعامله مع إخوته، إذ يقول: "على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر (1 كو 6:7)". كما قال: "لست أقول على سبيل الأمر بل باجتهاد آخرين مختبرًا إخلاص محبتكم أيضًا (2 كو 8:8)". فالإنسان بطبيعته يحب مَنْ يمتدحه ولا يفرض عليه أمرًا.
رابعًا: اعتذر طوبيا له بلطفٍ أنه لا يستطيع أن يذهب معه ليرافقه، لأنه وعد حماه ألا يتركه طوال مدة وليمة العُرْسِ، أي أربعة عشر يومًا، وهو لا يقدر أن يحنث بوعده.
خامسًا: طلب منه أن يدعو غابيلوس لحضور العُرْسِ، مع أن العادة التي كانت مُتَّبَعة في ذلك الوقت أن العريس أو الوالدين يبعثان العبيد للدعوة لحضور العُرْسِ. ففي المثل الذي ذكره السيد المسيح يقول: "يشبه ملكوت السماوات ملكًا صنع عرسًا لابنه، وأرسل عبيده ليدعو المدعوين" (مت 22: 2-3). مع هذا لم يتأفف رئيس الملائكة من أن يقوم بهذه المهمة.
سادسًا: بالرغم من ضخامة الوديعة، سلَّمه الصك مطمئنًا.
سابعًا: كان طوبيا حريصًا على إبراز تكريمه وتقديره لله ولأبيه فكان دائم التسبيح والشكر له، ولصديقه الذي كان يظنه أجيرًا، ولزوجته إذ قيل "أما طوبيا فبارك زوجته". إنه يحترم مشاعر الجميع مع حرصه ألا يُعَاق عن تحقيق هدف رحلته.
ثامنًا: شعر طوبيا بعظمة هذا الأجير، فسلَّمه الصك الذي استلمه من أبيه، وتحدث معه كصديقٍ.
تاسعًا: لم ينشغل طوبيا في فتح الأكياس والتعرُّف على عدد القطع الفضية.
عاشرًا: العجيب في السفر كله أن جميع أعضاء العائلات الأربع أن يحرص الكل على بركة الرب، فلا ندهش مما قيل: "أما طوبيا فبارك زوجته" [6].
ذهاب رئيس الملائكة إلى غابيلوس [1- 6]

عندئذ ٍ دعا طوبيا رافائيل، وقال له: [1] "يا أخي عزريا، خذ معك غلامًا وجملين واذهب إلى بيت غابيلوس في راجيس بميديا. أحضر لي الفضة وأحضره إلى وليمة العُرْسِ [2]. فقد أقسم رعوئيل ألا يطلقني [3]. لكن أبي يُعدّ الأيام، فإذا ما أبطأت كثيرًا يحزن جدًا [4]. عندئذ مضى رافائيل وقضى الليل مع غابيلوس، وأعطاه الصك. بهذا أحضر غابيلوس أكياسًا صغيرة مختومة وقدَّمها له [5]. استيقظ الاثنان في الصباح المبكر ومضيا إلى وليمة العُرْسِ. وبارك طوبيا وزوجته [6].
يُلاحَظ في هذا النص الآتي:
أولاً: استغلالًا للوقت، طلب طوبيا من الملاك (عزريا) أن يذهب هو بالصك إلى راجيس المدينة التي يُقِيم فيها غابيلوس لاسترداد قيمة الصك، وذلك حتى يستطيع أن يقضي أطول وقت ممكن مع سارة وعائلتها.

ثانيًا: قضى رئيس الملائكة ليلة مع غابيلوس [5]. لم يُشِر السفر إلى أية أحاديث بينهما، إنما بلا شكٍ كانت ليلة فريدة في حياة غابيلوس، شعر أن هذا الضيف رفع قلبه وفكره كما إلى السماء، وتلامس مع الحضرة الإلهية.

ثالثًا: في (طوبيت 7:3) قيل إن رعوئيل كان في راجيس، وفي هذا الأصحاح قيل إن غابيلوس في راجيس فكيف يرسل طوبيا الذي في راجيس الملاك ليستوفي قيمة الصك ويقول له انطلق إلى راجيس؟!
يرى البعض أن اسم المقاطعة راجيس ربما على اسم المدينة التي يسكنها غابيلوس، أما رعوئيل فكان يسكن في أحد أطراف مقاطعة راجيس وتُسمَّى أحمتا أو اكباتانا.
يقول نيافة الأنبا مكاريوس إن هذه المدينة -أي مدينة راجيس- خُرِّبت في زمن الإسكندر الاكبر ثم أعيد بنائها على يد سلوقس نيكاتور نحو سنة 300 قبل الميلاد، وربما تكون هي أطلال بالقرب من قرية شاه عبد العزيز، التي يربطها بمدينة طهران خط السكك الحديدية الإيرانية، وتبعد عنها بنحو ثمانية كيلومترات إلى الجنوب الشرقي منها - أي من طهران.

رابعًا: لا يستطيع طوبيا أن يستخفّ بقَسًم رَعوئيل [3]، حيث كان اليهود يخشون ذلك جدًا، فإنه التزام أدبي من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب الخشية من غضب الله الذي نهى عن الحنث بالقَسَم، وشق الذبيحة قديمًا عند العهد قد يكون معناه أن يشطر هكذا، كل من حنث بالعهد، ولعل منها قد جاءت لفظة قَسَمِ في العبرية.
اهتم سفر اللاويين بتقديم ذبيحة إثم لمن يحنث بقَسَمِه، إذ جاء فيه:
"أو إذا حلف أحد مفترطًا بشفتيه للإساءة أو للإحسان من جميع ما يفترط به الإنسان في اليمين وأخفي عنه ثم علم فهو مذنب في شيءٍ من ذلك. فإن كان يذنب في شيءٍ من هذه يقر بما قد أخطأ به. ويأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه عن خطيته التي أخطأ بها أنثى من الأغنام نعجة أو عنزًا من المعز ذبيحة خطية، فيكفر عنه الكاهن من خطيته. وإن لم تنل يده كفاية لشاة فيأتي بذبيحة لإثمه الذي أخطأ به يمامتين أو فرخي حمام إلى الرب أحدهما ذبيحة خطية والآخر مُحرَقة. يأتي بهما إلى الكاهن فيقرب الذي للخطية أولاً يحز رأسه من قفاه ولا يفصله" (لا 5: 4-8).
"... أو وجد لقطة وجحدها وحلف كاذبًا على شيءٍ من كل ما يفعله الإنسان مخطئًا به. فإذا أخطأ وأذنب يرد المسلوب الذي سلبه أو المغتصب الذي اغتصبه أو الوديعة التي أُودعت عنده أو اللقطة التي وجدها. أو كل ما حلف عليه كاذبًا يعوضه برأسه ويزيد عليه خمسه إلى الذي هو له يدفعه يوم ذبيحة إثمه. ويأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه كبشا صحيحًا من الغنم بتقويمك ذبيحة إثم إلى الكاهن. فيكفر عنه الكاهن أمام الرب، فيصفح عنه في الشيء من كل ما فعله مذنبًا به." (لا 6: 3-7)


خامسًا: حينما تقابل رافائيل مع غابيلوس دفع إليه صكه، واستوفى منه المال كله، ونلاحظ أن الشريعة كانت تسمح بالقروض بين اليهود بعضهم البعض، ولكن لم تسمح إطلاقًا بفائدة أو رِبا وتقول في ذلك: "إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالرابي لا تضعوا عليه رِبا، إن ارتهنت ثوب صاحبك فإلى غروب الشمس تردّه له، لأنه وحده غطاؤه، هو ثوبه لجلده، في ماذا ينام؟" (خر 25:22-27)". وتؤكد ذلك في موقع آخر "وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك فأعضده غريبًا أو مستوطنًا فيعيش معك، لا تأخذ منه رِبًا ولا مرابحة بل اخش إلهك فيعيش أخوك معك، فضتك لا تعطه بالرِبا وطعامك لا تُعطِ بالمرابحة" (لا 35:25-37).
قال السيد المسيح له المجد: "من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده (مت 42:5)".
وقال يشوع بن سيراخ يقول: "الذي يصنع رحمة يقرض القريب والذي يمد إليه يد المساعدة يحفظ الوصايا. أقرض قريبك في وقت حاجته وسدِّد ما له عليك في حينه، أثبت على كلامك وكن مخلصًا له، فتنال بغيتك في كل حينٍ، كثيرون يحسبون القرض لقطة ويجلبون المتاعب للذين ساعدوهم. قبل أن يقبضوا يُقَبِّلون اليد وأمام أمواله يتكلمون بتواضع، فإذا آن الرد ما طالوا وردّوا كلمات كئيبة وشكوا صروف الدهر. إن كان الرد في طاقتهم يكاد المقرض لا ينال النصف ويحسب ذلك لقطة وإلا فيكونوا قد سلبوه أمواله ويكون قد زاد عدد أعدائه، بلا سببٍ يردون لعنًا وشتما وبدل الإكرام يكافئونه الإهانة. كثيرون عن غير خبثٍ يمسكون عن القرض مخافة أن يُسلبوا بلا سببٍ" (سيراخ 29: 1-7 ).
وداود النبي يقول: "الشرير يستقرض ولا يفي، أما الصديق فيترأف ويعطي" (مز 21:37).
لأن غابيلوس كان رجلًا بارًا، رد كل ما كان عليه دفعة واحدة. مع أن المبلغ كان كبيًرا. وعندما علم بخبر العُرْسِ، قام ومضى إلى العُرْسِ فرحًا ومهنئًا طوبيا بن طوبيت صديقه. والذي وقف جانبه حينما كان في احتياج فهو لم ينسَ من صنع معه المعروف[2].
من وحي طوبيت 9

هب لي يا ربّ روح الصداقة والخدمة
* تُرَى ماذا أطلب منك يا محب البشر؟!
إرسالك لرئيس الملائكة سكب بهجة في السماء وعلى الأرض.
تهللت السماء لأن أحدهم صار رمزًا للسيد المسيح المخلص،
يُسرّ بخدمته للبشر، وفي تواضع يقبل إرسالية الشاب طوبيا ليحضر له الوديعة.
تهللت الأرض لأن رافائيل يكشف عن إزالة العداوة بين البشر والسمائيين بالمُخَلِّص المصلوب!
* يا للعجب تعامُل رئيس الملائكة مع طوبيا بعث روح الصداقة والحب.
وثق طوبيا في أمانة رئيس الملائكة المتخفي.
سلَّمه الصك واعتذر له أنه لا يقدر أن يترك سارة.
* سلَّم رئيس الملائكة الصك لغابيلوس، ودعاه للشركة في حفل عرس طوبيا بن طوبيت،
للحال أحضر له الفضة، وقبل الدعوة بفرحٍ.
استراح قلب غابيلوس لرسول طوبيا المتخفي.
وقضى الضيف ليلة مع غابيلوس.
لم نعرف هل دار حوار بينهما طوال الليل.
وهل دخلا في حوارٍ أثناء رحلتهما إلى أحمتا؟
تهللت نفس غابيلوس أنه سلَّم الوديعة لصاحبها.
وحسب طوبيا ابنًا له وسُرّ بزواجه!
أينما حلّ رئيس الملائكة المتخفي، حلَّت بركة الربّ على الحاضرين،
وملأ سلام الله قلوب الكل.
بالحق بدت الأرض كأنها سماء بوجود رئيس الملائكة المتواضع والمحب لخدمة البشر.
كم بالأكثر تتغيَّر قلوبنا حين يعلن إله رئيس الملائكة سكناه في قلوبنا!
هب لنا يا ربّ أن نرى الأرض قد صارت بنعمتك أيقونة السماء؟!
اسكب يا ربّ روح الحب والصداقة والخدمة في قلوب الكل بنعمتك.
_____
  رد مع اقتباس
قديم 14 - 11 - 2022, 01:19 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,765

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر طوبيا

تفسير سفر طوبيا








الأصحاح العاشر

قلق حنة والحياة المباركة











































عودة العروسين إلى طوبيت (طو 10-14)

أَصرَّ طوبيا أن يأخذ زوجته ويرجعا إلى والديه، إذ كان يدرك مدى قلق والديه عليه. أوصى الوالدان رعوئيل وزوجته ابنتهما العروس "أن تكرّم حمويها وتحب رجلها، وتُدَبِّر أبناءها، وتسوس بيتهما، وتحفظ نفسها بلا لومٍ" [10].
انطلق العروسان في صحبة رئيس الملائكة رافائيل إلى بيت طوبيت.
جاءت تكملة القصة تكشف عن ثمار احتمال الألم بشكرٍ في حياة طوبيت وطوبيا، وهي التمتُّع ببركات إلهية وسلام وشبع وإدراك للسماويات.

التمييز بين حياة القلق والحياة المباركة

يربط هذا الأصحاح بين حياة القلق والاضطراب وبين الحياة المباركة. بحسب التقديرات البشرية، سقط كل من طوبيت وحنة في حالة من القلق بسبب الضعف البشري، لكن اختلف الاثنان في علاج الموقف.
تصوَّر طوبيت أن تأخير مجيء ابنه في الميعاد المتوقّع سببه أن يكون غابيلوس قد مات، ولم تعرف عائلته بأمر الوديعة التي سلَّمها له. حزن حزنًا شديدًا ليس على الفضة التي أودعها، إنما لأجل أسرة غابيلوس التي فقدت عائلها. أما حنة فتصوَّرت أن ابنها قد مات، وعندما حاول رجلها أن يطمئنها، قالت له: "اصمت أنت، ولا تخدعني. ابني مات"، وكانت تتمشَّى كل يومٍ في الطريق الذي مضى فيه. امتنعت عن الطعام نهارًا، ولم تكف عن البكاء ليلاً على ابنها طوال الأربعة عشر يومًا التي للعُرْسِ.
الاثنان سقطا تحت الضعف البشري، لكن طوبيت حزن إلى حين واثقًا في رحمة الله، أما حنة فاستسلمت للحزن بغير رجاءٍ.
مقابل هذه الحياة المملوءة قلقًا، يُقَدِّم لنا هذا الأصحاح بل وكل السفر الاهتمام بالحياة المُطوَّبة أو الحياة المباركة.
افتتح أغلب الشخصيات الواردة في السفر تسابيحهم بالقول: "مبارك أنت يا ربّ". أو ما يماثلها هكذا. قالت كل من سارة (3: 11)، وطوبيا (8: 5)، ورعوئيل (8: 15-17) وطوبيت (11: 14؛ 213) وأيضًا الملاك (12: 5). كما وردت نفس العبارة في كثير من المزامير والتسابيح في الكتاب المقدس.
فماذا يعني "مبارك أنت يا ربّ"؟ والعبارات المماثلة لقولنا "نباركك ونمجدك"، لا تعني أننا نُقَدِّم له بركة أو مجدًا، إنما هو مصدر البركة والمجد. أما الإنسان المبارك أو المطوَّب فهو الإنسان الذي يتمتَّع بعربون السماء، فيُشارِك السمائيين حياتهم المُطوَّبة وفرحهم الروحي وسلامهم السماوي.
في وصية طوبيت لابنه يقول: "بارك الربّ إلهك في كل حينٍ" (4: 19). بمعنى اشهد لله السماوي بأن تحمل سمات سماوية قدر المستطاع. اشهد للربّ السماوي بسلوكك الملائكي السماوي خلال عمل نعمته فيك. عند رحيل العريس وعروسه إلى راجيس قيل عن رعوئيل والد العروس: "ثم باركهما وأرسلهما في طريقهما، قائلاً: ليُنجحكما إله السماء يا بنيَّ قبل أن أموت" [11]
وحينما يبارك إنسان أخًا أو أختًا أو ابنًا أو حفيدًا، إنما يطلب لمن يباركه أن يهبه الله عربون السماء وبهجتها وسلامها ونقاوتها. وقد جاء السفر مملوءً بهذه المواقف.
رعوئيل بارك زوج ابنته طوبيا، قائلاً له: "أنت ابن رجل فاضل ..." (طو 6: 6). أيضًا رعوئيل إذ سلَّم ابنته زوجة لطوبيا "باركهما" (طو 7: 12)، كما باركهما عند رحيلهما (طو 10: 11).
ولا نعجب إذ بارك طوبيا زوجته (طو 6: 6)، بل وطوبيا الذي باركه رعوئيل بارك حمويه رعوئيل وعدنا من أجل أعمال محبتهما له (طو 10: 14).
وعندما تنبأ طوبيت عن إعادة بناء أورشليم وبناء هيكل الربّ فيها، دعا سكان أورشليم، قائلاً: "باركي (يا مدينة أورشليم) ملك الآباء" (طو 13: 11)، كما قال: "مباركون هم الذين يحبونكِ" (طو 13: 15).
وإذ تنبأ طوبيت عن قبول الأمم الإيمان الحق، قال: "وستبارك كل الأمم الربّ" (طو 14: 5).
وما نقوله عن قولنا لله: "نباركك"، ينطبق على قولنا: "ليتقدس اسمك". إنها ليست طلبة تخص اسم الله، إنّما تخصّنا نحن في علاقتنا بهذا الاسم القدّوس. فإن كنّا نحن أبناء لله، فإن اسمه يتقدّس فينا بتقديسنا بروحه القدّوس.
* يليق بمن يدعو الله أباه ألا يطلب شيئًا ما قبل أن يطلب مجد أبيه، حاسبًا كل شيءٍ ثانويًا بجانب عمل مدحه، لأن كلمة "ليتقدّس" إنّما تعني "ليتمجَّد".
القديس يوحنا الذهبي الفم
* حينما نقول "ليتقدَّس اسمك" يليق بنا جدًا أن نفهمه بهذا المعنى: "تقديس الله هو كمالنا"؛ أيضًا اجعلنا أيها الآب قادرين أن نفهم. نسلك بما فيه تقديس اسمك، أو على أي الأحوال يراك الآخرون قدوسًا بتغيُّرنا الروحي، "إذ يرى الناس أعمالنا ويُمَجِّدون أبانا الذي في السماوات" (مت 5: 16).
الأب إسحق
* لماذا تسألون من أجل تقديس اسم الله؟ إنه قدوس، فلماذا تسألون من أجل من هو قدّوس أصلاً؟ إنكم إذ تسألونه أن يتقدَّس اسمه، فهل تطلبون من أجله هو أم من أجلكم؟... اِفهموا جيدًا أنكم إنّما تسألون هذا من أجل نفوسكم. إنكم تسألون من هو قدّوس بذاته على الدوام أن يكون مقدّسًا فيكم.
* إن كان اسم الله يُجدَّف عليه من الأمم بسبب الأشرار، فعلى العكس يُقدّس وُيكرّم بسبب الأمناء، أي المؤمنين.
القديس أغسطينوس

1. مخاوف طوبيت وحنة [1- 7أ]

كان والده طوبيت يحسب الأيام، وإذ مضت الأيام المُقدَّرة للرحلة ولم يرجعا [1]، تساءل: "هل عاقه مانع؟ أو ربما مات غابيلوس ولم يعطه أحد الفضة؟ [2] وكان حزينًا للغاية [3].
عندئذ قالت له زوجته: "لقد مات الشاب، وهذا هو سبب التأخير". ثم بدأت تبكي عليه، وقالت: [4] "هل أنا أهملت يا ابني، يا نور عيني، إذ سمحت لك أن تنطلق" [5]. أما طوبيت فقال لها: "اصمتي ولا تضطربي، إنه سالمٌ. [6]. أجابته: "اصمت أنت، ولا تخدعني. ابني مات!" وكانت تتمشّى كل يومٍ في الطريق الذي مضى فيه، ولم تكن تأكل خبزًا في النهار. وبالليل لم تكف عن النوح على ابنها طوبيا طوال الأربعة عشر يومًا التي للعُرْسِ التي أقسم رعوئيل أن يقيمهما [7 أ].
اضطرب كل من طوبيت وزوجته حنة بسبب تأخير وصول ابنهما في الميعاد المتوقَّع، لكن الأب رفع قلبه لله واثقًا في رعايته لابنه، أما الأم فاستسلمت للضعف البشري.
أولاً: لم يفقد طوبيت سلامه الداخلي بالرغم من تأخُّر ابنه (طو 10) غير أن تأخير عودة طوبيا إلى والديه لمدة أسبوعين سبَّب خلافًا مؤقتًا بين رعوئيل وحنة.
ثانيًا: يليق بنا أن نهتم بأبنائنا فهم أهم ما في حياتنا [1- 4].
* بالنسبة للأطفال علينا التزام عظيم. ليتنا نعطي اهتمامًا كبيرًا بهم، ونبذل كل جهدٍ حتى لا يسلبهم الشرير منا... لا نتطلَّع إلى شيءٍ نظنه أكثر أهمية منهم، والشخص الذي نعهد إليه ابننا كحارسٍ لسلوكه... نعتني بابننا بكونه أثمن جدًا من ممتلكاتنا. إننا نهتم بممتلكاتنا من أجل أبنائنا، أما عن أبنائنا أنفسهم فلا نهتم بهم قط.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* إننا نعلم أن الأم تُعَرِّض نفسها للخطر من أجل أبنائها. ليتنا نطيع مشورة أم الحكمة، ووصية الأم.
القديس أمبروسيوس
2. رحيل العروس والعريس! [7 ب-13]

عندئذ قال طوبيا لرعوئيل: "ردّني لأن أبي وأمّي قد فقدا الرجاء في أن ينظراني" [7 ب].
لكن حماه قال له: "امكث معي وأنا أبعث رسلاً إلى أبيك، وهم يخبرونه بأمورك" [8]. قال طوبيا: "لا بالحري، أرسلني إلى أبي" [9]. عندئذ قام رعوئيل وأعطاه سارة زوجته كما أعطاه نصف أملاكه من عبيدٍ وقطيعٍ وفضةٍ. [10]. ثم باركهما وأرسلهما في طريقهما، قائلاً: لينجحكما إله السماء يا بنيَّ قبل أن أموت" [11]. ثم قال لابنته: "أكرمي حمويكِ، فهما الآن والديكِ. لأسمع عنكِ سمعًا طيبًا، ثم قبَّلها. وقالت عدنا لطوبيا: ليردّك ربّ السماء يا أخي الحبيب. وأرى أطفالك من سارة ابنتي، وأفرح أمام الرب. انظر لقد سلمت ابنتي في رعايتك، فلا تُحزنها" [12].
بهذا انطلق طوبيا يبارك الله أنه أنجح رحلته. وبارك (طوبيا) رعوئيل وعدنا زوجته .
سرّ قبول تسبحة طوبيا التي لم يرد نصها هنا هو حياته المقدسة التي تُحسَب تسبحة مقبولة لدى القدوس.
* من يبارك الربّ بلسانه لكن يلعنه بأعماله لا يبارك الربّ في الكنائس. تقريبًا الكل يباركونه بألسنتهم، لكن ليس الكل يباركونه بأعمالهم .
القديس أغسطينوس

من وحي طوبيت 10

فرح سماوي ومقاومة من إبليس
* التقى غابيلوس لأول مرة مع طوبيا وزوجته، منذ أيام قليلة لم يكن أحدًا منهم يعرف الآخر.
تهلَّل غابيلوس إذ تمتَّع بما لم يكن يتوقعه.
ربما كان في أعماقه يصرخ: كيف أَرُدّ الفضة لطوبيت إنسان الله الصالح والبار.
وها هو يرى ابن طوبيت عريسًا مباركًا. حسب نفسه أبًا للعريس وعروسه فتهلل.
* لم يحتمل عدو الخير أن يرى الكل متهللاً،
رئيس الملائكة المتخفّي قد صار رمزًا للمُخَلِّص.
وطوبيا صار رمزًا للعريس السماوي،
وسارة صارت رمزًا لكنيسة المسيح البهية.
وغابيلوس صار رمزًا السمائيين المُحتفِلين بالعُرْسِ السماوي.
وأما رعوئيل وعدنا لم يرتبكا برحيل ابنتهما مع عريسها، إذ وهبها الله عريسًا مباركًا.
أثار هذا الجو الملائكي العدو فم يحتمل الصمت.
بذل كل الجهد ليثير القلق في قلب حنة والدة طوبيا وقلب طوبيت أبيه.
قابل جو المحبة العجيب في أحمتا إثارة متاعب في نينوى.
أراد العدو أن يثير قلاقل حتى بين طوبيت وحنة.
حتى متى عاد العروسان يجدان الجو ملبدًا بالغيوم.
* هب يا ربّ للعالم كله أن يتمتَّع بفرح الروح، ولتبدد كل مشورات عدو الخير.
هب لنا عربون السماء فتفرح قلوبنا بأعمالك، ونُحَطِّم خطط عدو الخير المُفسِدة للسلام.
  رد مع اقتباس
قديم 14 - 11 - 2022, 01:48 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,765

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر طوبيا

تفسير سفر طوبيا

الأصحاح الحادي عشر

شفاء عيني طوبيت






















يُعتبَر هذا الأصحاح نهاية الأحداث في هذا السفر، قبل أن يُعلِن رئيس الملائكة عن شخصه (طو 12)، ويُقَدِّم طوبيت صلاته الختامية (طو 13)، وكلماته الختامية (طو 14).
بدأ السفر بمواجهة طوبيت البار التجارب الخارجية سواء في مملكة إسرائيل أو السبي، ثم مواجهته للتجارب الداخلية من جسده الذي أُصيب بالعمى ومن زوجته التي كانت تُعَيِّره. والآن تتحوَّل كل الأحداث المؤلمة إلى أفراح كثمرة لصلوات المُجرَّبين: طوبيت وأسرته ورعوئيل وأسرته. تحوَّلت التجارب المُرَّة إلى جوٍ مُفرحٍ عجيبٍ.
أولاً: كان رافائيل حريصًا على خدمة الكل في الأمور الكبيرة والصغيرة، فإن كان قد هيَّأ طوبيا للزواج من سارة، وكشف له عن كيفية طرد الشيطان الذي كان يقتل كل من يتقدَّم لها، غير أننا نلاحظ أنه عند اقتراب كل الموكب من نينوى، طلب من طوبيا أن يسرع معه عن الموكب لكي يعدّا البيت لاستقبال العروس التي لم تكن قد تعرَّفت على حماها وحماتها، وأن يفرحا بحضور العروسين.
ثانيًا: الأم التي كانت تسير في الطريق الذي سلكه ابنها وهي تبكي بمرارة وتئن لأنها حسبته قد مات، الآن ترتمي عليه وتعانقه وتحسب كل أمنياتها قد تحققت برؤيتها ابنها. اعتبرت أنها لا تجد بعد شيئًا على الأرض تطلبه من الله. وحسبت ذلك استعدادًا أن تموت مستريحة القلب [9].
ثالثًا: إذ شعر طوبيت بهذا اللقاء المُفرِح بين حنة وابنها طوبيا أسرع ما استطاع ليستقبل طوبيا فتعثَّر عند الباب بسبب إصابته بالعمى. لكن أسرع إليه ابنه، وفي طاعة كاملة لرفيقه العجيب عزريا (رافائيل المتخفي) [7-8] طلب منه أن يدلَّك عينيه بمرارة السمكة وازالة القشور البيضاء منها[1] [12]. فكان أول ما نظره هو ابنه الذي كان يئن عليه بسبب التأخير [13]. من يستطيع أن يُعبِّر عن فرح طوبيت بلقائه مع ابنه وتفتيح عينيه ليرى ابنه الوحيد الذي حُرم من رؤيته قبل سفر طوبيا بمدة قد تكون طويلة!
رابعًا: أظهرت حنة مشاعرها الفياضة نحو ابنها وأيضًا نحو زوجها طوبيت. فعند لقائها بابنها قالت: "رأيتك يا ابني؛ لأمت الآن" [9] وإذ لم تستطع القبلات والأحضان والكلمات أن تُعَبِّر عن مشاعر الأم وابنها بكيا [9]، لكي تعبّر الدموع عما في داخل قلبيهما وعقليهما. شعرت أيضًا بما في قلب رجلها، فقالت له: "هوذا ابنك قادم والرجل الذي يصحبه" [6]. لم تقل ابني بل قالت "ابنك". وكأنها تود القول إن مشاعرك من نحوه لا تقل عن مشاعري من نحوه!
خامسًا: أسرع طوبيت للقاء سارة كنّته فرحًا! لقد صار أباها، يحبها كما يحب زوجها طوبيا! لقد باركها وحسب والديها مباركين من قِبَل الربّ [17].
سادسًا: كان طوبيا مُدرِكًا ما في قلب أبيه، أن يعرف أعمال الله معه في هذه الرحلة، لذلك تحدث طوبيا مع أبيه وهو متهلل "بكل الأمور العظيمة التي حدثت معه في ميديا" [15]، قبل أن يسأله أباه عن هذه الأحداث.
سابعًا: هذه المشاعر الفياضة من جانب طوبيا وأمه وأبيه لم تشغلهم عن تقديم الشكر لله، لذلك "قدم طوبيت الشكر، لأن الله رحمه" [16].
ثامنًا: عمل الله مع هذه الأسرة هزّ مشاعر كل إخوته اليهود المسبيين، خاصة أقرباءه مثل أحيور وناداب، فجاء الكثيرون يشاركون في الاحتفال بالعُرْسِ.
من يقدر أن يصف أيضًا مشاعر سارة هذه التي عيَّرتها جواري أبيها، وانتشرت قصة الرجال السبعة الذين قتلهم الشيطان في ليلة زفافهم، هوذا الآن الكثير من اليهود المسبيين في نينوى صاروا في فرحٍ عظيم من أجل أعمال الله مع طوبيت وزوجته وابنهما طوبيا وكنّتهما سارة. لم تعد تشعر بالمرارة والضيق، حتى والديها في احمتا بميديا كانا متهللين بعمل الله معهما ومع ابنتهما.
تاسعًا: في احمتا امتدّ عُرْس طوبيا وسارة أربعة عشر يومًا ببهجة، وها هنا في نينوى استمر العُرْسُ سبعة أيام أيضًا حتى يفرح كل شعب الله في نينوى.
عاشرًا: لا ننسى أيضًا أن الكلب الذي رافق صديقه طوبيا في كل رحلته قد فرح ليس فقط لأنه عاد إلى بيته، وإنما لمس الجو المُفرِح للعائلتين طوبيت وزوجته، وطوبيا وزوجته، وأيضًا كل شعب الله الذي جاء يشترك في أسبوع الفرح! إن كان آدم وحواء قد أَفسدا الطبيعة الجميلة بعصيانهما للوصية، فإن جو الفرح السائد شعر به حتى الكلب غير العاقل.
1. رافائيل وطوبيا يتقدمان سارة [1- 6]

وسافروا إلى أن اقتربوا من نينوى [1]. وقال رافائيل لطوبيا: "ألا تعلم يا أخي كيف فارقت أباك؟" [2] لنُسرِع أمام زوجتك لنُعدّ البيت [3]. والآن خذ بيدك مرارة السمكة. فمضيا وسار الكلب وراءهما [4]. وفي نفس الوقت كانت حنة تجلس في الطريق تحدق بنظرها فيه منتظرة ابنها [5]. أدركت أنه قادم، وقالت للأب: "هوذا ابنك قادم والرجل الذي يصحبه. [6]
كان رئيس الملائكة يتعجَّل طوبيا كي يصلا البيت قبل سارة [3] للأسباب التالية:
‌أ. أن ينزع عن الوالدين حالة القلق الشديد، فيستقبلا سارة وهما متهللان بمجيء ابنهما وزواجه من سارة.
‌ب. يحتاج الوالدان الشيخان إلى وجود طوبيا لمساندتهما في إعداد البيت لاستقبال سارة.
إذ كانت سارة قادمة ومعها كل ملابسها وحاجاتها الخاصة بجانب نصف الممتلكات التي لوالديها، فوجود طوبيا مع والديه في استقبالها يعطي الوالدين أن يُظهِرا مودة خاصة لسارة.
‌ج. لو أن طوبيا جاء مع سارة، فإن عامل الدهشة قد يشغل والدي طوبيا بابنهما، فتظن أنهما لم ينشغلا بها مثل انشغالهما بزوجها.
‌د. كان من المهم أن يسبق طوبيا سارة في لقائه حتى تأخذ أمه حنة حريتها في التعبير عما في داخلها دون حرجٍ. نراها تقول له: لقد رأيتك يا ابني، فالآن أنا أموت... " ومن جانب آخر عند مجيء سارة رآها والده وقد شُفيت عيناه فيفرح برويته لكنته.
‌ه. ربما أراد أن يكشف طوبيا لوالديه عن دور الملاك في تشجيعه على الزواج من سارة في غير وجودها.
كانت حنة مشغولة ليلاً ونهارًا بأن يرجع ابنها إلى البيت وتراه بعينيها، هكذا يليق بنا ألا نتوقَّف عن الصلاة والعمل من أجل الذين ضلُّوا الطريق حتى يعودوا إلى كنيسة المسيح ويتمتَّعوا بأُبوة الآب السماوي وبركات النعمة الإلهية.
* عندما نفقد البعض نترجَّى عودتهم، ألا نوجه عيوننا نحو الموضع الذي يأتون منه؟ هكذا نستمر يوميًا مترجّين ذلك حتى نفقد قوتنا. هكذا فعلت حنة كانت تتطلع نحو الطريق منتظرة مجيء ابنها وهي تراقب الطريق بلا ملل.
وهكذا فعل داود النبي متطلعًا من البرج في غيرة متقدة كأبٍ مهمومٍ ليسأل إنسانًا يجري قادمًا من المعركة عن صحة ابنه (2 مل 18: 24).
هكذا تفعل الزوجة في سن لم يعرف المشقة، وهي في برج المراقبة المطل على شاطئ البحر تنتظر مجيء زوجها في ترقُّبٍ لا يعرف التعب، فتتطلع على الدوام، كلما رأت سفينة تتخيَّل أن رجلها مبحرًا فيها. إنها تخشى أن شخصًا ما ينال امتياز رؤية رجلها المحبوب قبلها، ولا يكون في إمكانها أن تكون أول من يقول: "لقد رأيتك يا زوجي"، كما فعلت حنة عندما رأت ابنها: "لقد رأيتك يا ابني والآن أنا موافقة أن أموت" (طو 11: 8)، لأن عذوبة اشتياقها الكثير لرؤيته لا يجعلها تشعر بألم الموت .
القديس أمبروسيوس

2. شفاء عيني طوبيت [7- 16]

قال رافائيل: "إنني أعلم أن عيني أبيك ستبصران [7]. أدهن عينيه بالمرارة. وعندما تؤلمانه يدلكهما ويلقي القشور البيضاء عنهما، فيراك [8].
أسرعت حنة نحو ابنها ووقعت على عنقه، وقالت له: لقد رأيتك يا ابني. لأمت الآن وبكيا [9]. ثم خرج طوبيت إلى الباب وزلت قدماه، فجرى إليه الابن [10]. وأمسك أباه، وطلى عيني أبيه بالمرارة، وقال: "تشدَّد يا أبي" [11]. وإذ تألمت عيناه دلكهما بالمرارة، وسحب القشور البيضاء من طرفي عينيه [12]. فإذ أبصر ابنه، وقع على عنقه، وبكى وقال: [13]
"مبارك أنت يا الله، ومبارك هو اسمك إلى الأبد. مباركة هي كل ملائكتك القديسين. لقد أدبتني، ولتكن رحمتك عليّ. هأنذا أبصر ابني طوبيا" [14]. دخل ابنه فرحًا، وأخبر أباه بكل الأمور العظيمة التي حدثت معه في ميديا [15]. ثم مضى طوبيت للقاء كنته فرحًا، وبارك الله عند بوابة نينوى. وكان الذين يرونه سائرًا يتعجّبون أنه استطاع أن يبصر [16].
يعترض البعض كيف تُشفى عينيّ طوبيت بمسحهما بمرارة الكبد [11]. جاء في سفر إشعياء النبي (38: 21) أنه وضع قرص تين على الدبل فبرأ حزقيا الملك. ووضع السيد المسيح الطين على عينيّ الأعمى فانفتحت عيناه، فهل التين يشفي، والطين يفتح العيون؟
الله يحب عبيده الشاكرين [16]:
1. فرح طوبيت بعمل الله معه ومع ابنه.
2. بارك الله وهو منطلق إلى بوابة نينوى ليلتقي بزوجة ابنه.
3. قدَّم شكرًا لله الذي ردَّ له البصر.
4. بارك طوبيت عائلته التي تمتَّعت بعمل الله معها.
سبق أن نصح رئيس الملائكة العريس طوبيا وحيد والديه الذي غاب طويلاً عن والديه، أنه متى رآهما لا يجري بسرعة يرتمي عليهما، بل قال له: "اسجد في الحال للرب إلهك، واشكره، ثم ادنِ من أبيك وقَبِّله".
إذ أبصر طوبيت ابنه، ووقع على عنقه، وبكى [13]، يذكرنا بلقاء الأب بابنه الراجع إليه (لو 15).
* هذه علامات قوة إلهية وليست بشرية، أن تُفتَح ظلال ليل دائم للأعمى، وتُشفى جراحات عيون مغلقة بنورٍ كامل، وأن ينال أصم سمعًا، وأن يُعَاد تشكيل أعضاء مقيدة، وأن يُستدعى ميت إلى النور بقوة متجددة. كل هذه الأمور كانت نادرة أو لم تُوجد قبل الإنجيل. طوبيت نال عينين، والعلاج كان من ملاك وليس من إنسانٍ .
القديس أمبروسيوس
كم كانت مسرة طوبيت حين رأى ابنه فأدرك أن الله لقد أَدَّبه، ولكن رحمته عليه عظيمة للغاية [14-15].
* الله لن يسمح لأولئك الذين احتملوا شرورًا كثيرة وخطيرة، وقضوا كل الحياة الحاضرة في تجارب ومخاطر بلا عددٍ ألاَّ يُكافأوا بعطايا عظيمة للغاية... عندما ترى إنسانًا في ضيقٍ وحزنٍ وفي مرضٍ وفقرٍ، وأيضًا في ويلات أخرى لا تُحصَى حتى نهاية حياته الحاضرة، قل لنفسك، لو أنه لا توجد قيامة ودينونة لما كان الله يسمح لأحدٍ أن يحتمل شرورًا عظيمة كهذه من أجله، ويرحل من هنا دون التمتُّع بأية خيرات صالحة...

القديس يوحنا الذهبي الفم
3. طوبيت يبارك سارة [17- 19]

قَدَّم طوبيت الشكر لأن الله رحمه. وإذ اقترب طوبيت من سارة كنته ليلتقي بها باركها، قائلاً: لتكوني في صحة كاملة يا ابنتي، مبارك هو الله الذي جاء بكِ إلينا ومبارك هو أبوك وأمك" [17]. وفرح كل إخوته الذين بنينوى [18]. وجاء أحيور وناداب (ناباط) ابن أخيه، إذ استمر عُرْس طوبيا سبعة أيام ببهجةٍ [19].
من وحي طوبيت 11

هب لي يا ربّ الفكر المُتَّسِع بالحب!
* مبارك أنت أيها الربّ إلهنا،
أرسلت رئيس الملائكة متخفيًا،
كي نتعلَّم منه الفكر المُتَّسِع بالحب.
بفرحٍ انطلق مع طوبيا وسارة وغنمهم وقطعيهم.
انطلق من أحمتا بميديا متجهًا إلى نينوى.
يسير معهم كواحدٍ من الأسرة يُشارِكهم السير كإنسان.
وهو كرئيس ملائكة أرسله الربّ من السماء،
وفي لحظات يمكن أن يكون على الأرض يُحَقِّق ما أمره به خالقه!
بالحب لم يسرع حتى لا يضطرب هذا الموكب البشري مع قطيع الأغنام والجمال.
* هب لي يا ربّ أن أَترفَّق بالضعفاء، فأرتل لك:
صرتُ مع الضعفاء كضعيفٍ لأربح الضعفاء (1 كو 9: 22).
فلا يسقطون في صغر نفس.
أسند الضعفاء ما استطعت، فتسندني نعمتك وتسندهم!
* اهتم رئيس الملائكة بالأسرة كلها،
وأنت أيها العجيب في حُبِّك تهتم بالبشرية كلها!
كان يُذَكِّر طوبيا بوصية أبيه له لينال بركة أبيه الشيخ.
كان في الموكب القادم إلى نينوى كصديقٍ عجيبٍ.
طلب من طوبيا أن يسرع معه،
لكي يلتقيا بأمه التي لم تعرف الراحة بسبب غياب ابنها.
انطلق معه كي تقع أمه على عنقه وتتهلل.
وسأله أن يأخذ الدواء لشفاء عيني أبيه.
أسرع مع طوبيا لكي يُعِدّ والديه بل والبيت كله لاستقبال العروس المباركة.
* هب لي يا ربّ أن أهتم بكل من هم حولي.
وأعمل لراحة المتألمين والحزانى،
وأُهيئ الجو ليشعر الكل برعايتك أيها الخالق محب البشر!
كم كانت مسرَّة ملاكك حيّن اهتز أقرباء طوبيت وبني قومه بتفتيح عينيه،
وبلقاء حنة بالعروسين.
حتى كلب الفتى طوبيا فرح بابتهاج القلب!
* إلهي ... إن كان ملاكك مُتَّسِع الفكر بالحب،
فكم وكم يكون اتِّساع قلبك يا من صُلِبت لأجل خلاص البشرية؟!
  رد مع اقتباس
قديم 16 - 11 - 2022, 06:04 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,765

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر طوبيا

تفسير سفر طوبيا

الأصحاح الثاني عشر

اللقاء الأخير مع رئيس الملائكة!






























إعدادنا للعُرْسِ الأبدي

تُعتبَر الأصحاحات الثلاثة (12-14) ملحقًا رائعًا للأحداث الواردة في الأصحاحات 1-11، والتي تدعونا للتعرُّف على رسالتنا كأبناء الله، وكيف نمجد الله ونبارك اسمه القدوس ونهتم بخلاصنا الأبدي خاصة في وقت الضيق.
انتهت الأحداث لا بالاحتفال بعُرْسِ طوبيا وسارة، بل بإعدادنا للعُرْسِ الأبدي واتحادنا بالعريس السماوي، وتمتعنا بالأمجاد الأبدية كميراثٍ مُقَدَّسٍ لا يفسد ولا يضمحل.
في الأصحاح الذي بين أيدينا إذ يعلن رئيس الملائكة عن شخصه، يبرز جوانب متعددة لبنياننا الأبدي.
أولاً: لقد تأهَّل طوبيت وطوبيا أن يتعرَّفا على شخص رئيس الملائكة لأنهما اتسما بالسخاء في العطاء، وعدم جحودهما للملاك الذي خدمهما دون أن يعلن عن شخصه [1-5].
ثانيًا: لم يكشف رئيس الملائكة لهما عن شخصه لئلا يُبهَرا به وبحُبِّه وتواضعه وحكمته وخدمته، ويطيعانه دون الحوار معه وينشغلا بشخصه عن تمجيد الله من أجل أعماله العظيمة ولا يهتما بخلاصهما الأبدي. لهذا دعاهما سرًّا وسألهما أن يشكرا الله على أعماله العظيمة، وألاَّ يتباطئا في تقديم التشكُّرات له [6].
ثالثًا: أوضح لهما التمييز بين العمل في القصر الملكي البشري والعمل في مملكة الملك السماوي [7]. يلتزم العاملون في قصر الملك أن يكتموا أسرار الملك، أما العاملون مع ملك الملوك فيشهدون لأعماله العظيمة، لأسبابٍ كثيرةٍ:
1. بالنسبة للملك الأرضي يلتزم العاملون معه بالسرية لئلا يتعرَّف الأعداء على أسراره ويُخَطِّطوا لاغتياله، والاستيلاء على المملكة. أما العاملون مع ملك الملوك يلزمهم أن يكشفوا أعماله العظيمة بحكمة. فيرتعب إبليس وملائكته، إذ يزداد إيمان البشر به ويطلبون الشركة معه.
2. الكشف عن أسرار الملك ومديحه في كل وقتٍ قد يُفسِد حياة الملك بالتشامخ ويُفسِد حياة العاملين معه بالالتجاء إلى المداهنة والرياء في التعامل معه. أما في ملكوت الله فالكشف عن أعمال الله يحثّ البشر على تقديم الشكر له، فيُحسَب ذلك ذبيحة مقبولة لله، كما ينزع عن الإنسان أحزانه ويتمتَّع بتعزيات سماوية.
3. الحديث المُبالَغ فيه عن الملك الأرضي والرؤساء والقادة كثيرًا ما يُسَبِّب عثرة للآخرين، خاصة إن اكتشفوا ضعفات فيهم. أما الحديث عن الله وأعماله فيسند المتألمين والمتضايقين واليائسين ليتمتَّعوا بتعزيات سماوية ويطلبوا سلام الله لهم ولإخوتهم المتضايقين مثلهم، وينعموا بالفرح السماوي.
رابعًا: يدعوهما رئيس الملائكة أن يهتما بخلاصهما وأبديتهما. فقبل أن يكشف رافائيل عن خدمته لهما وللبشرية، سألهما أن يهتما بالإيمان العملي من صلاة وصوم وأعمال البرّ [8-9]، خاصة الصدقة، ليكون لهما نصيب في الشركة مع السمائيين.
خامسًا: قبل أن يُفارِقَهما رئيس الملائكة رافائيل، قَدَّم لهم حديثًا إن اعتبرناه وداعيًا، فهو وِدَاع حبّ وشركة واعتزاز الملائكة بالمؤمنين. كأنه يعلن لهما عن محبة السمائيين للبشر، الأمر الذي ينكشف بوضوح من خدمته لهما واعتزازه بهما:
1. كشف حديثه لهما عن اهتمامه بخلاص البشر، فدعاهم للصلاة مع الصوم والصدقة [8- 9] ككنوزٍ ثمينة للغاية، مع تحذيرهم من الإثم الذي يجعل الإنسان في عداوة مع نفسه كما مع الغير [10].
2. إعلانه معرفة الحق، بقوله: "أما أنا فأعلن لكما الحق، ولا أكتم عنكما أمرًا مخفيًا" [11].
3. تصرفاته أوضحت أن الملائكة تُسَرّ بمرافقتها للمؤمنين. "حين كنت تصلي بدموعٍ وتدفن الموتى وتترك طعامك وتخبئ الموتى في بيتك وتدفنهم... كنت أرفع صلاتك إلى الربّ" [12].
4. اهتمامه بأمورهما الروحية واحتياجاتهما النفسية والاجتماعية. يقول: "أرسلني الرب لأشفيك، وأُخَلِّص سارة أيضًا من الشيطان" [14].
5. حثّهما على تمجيد الله وتسبيحه، مؤكدًا أن ما قدَّمه لهم (الملاك) إنما إتمامًا لمشيئة الله الصالحة. "لما كنت معكم، إنما كنت بمشيئة الله، فباركوه وسبحوه... وحدثوا بجميع عجائبه" [18].
سادسًا: تعكس رغبة طوبيا في إكرام رئيس الملائكة هنا على وفاء الكنيسة نحو قديسيها وخدامها. وفي نفس الوقت شجَّع رئيس الملائكة طوبيت أن يُسَجِّل الأحداث مُسَبِّحًا الله الرحوم على أعمال محبته العجيبة. كما شجَّعه على تسجيل صلواته وتسابيحه وهو ملتهب بالروح ومتهلل للغاية! أَكَّد رئيس الملائكة أنه لا يأكل ولا يشرب. إن كان قد جلس معهم على المائدة ظهر كمن يأكل والحقيقة إنها مجرد رؤيا دون أن يأكل [19].
1. رئيس الملائكة يوجههما لإعلان أعمال الله [1- 7]

عندئذٍ دعا طوبيت ابنه وقال له: "يا بنّي احسب أجر الرجل الذي مضى معك، ويجب أن تزيد عليه [1]. أجابه: "يا أبي لا يسيئني أن أعطيه نصف ما قد حصلت عليه [2]. فإنه أحضرني إليك سالمًا، وشفى زوجتي، وأحضر لي الفضة، وأيضًا شفاك" [3]. أجاب الشيخ: "إنه يستحق هذا" [4]. فدعا الملاك وقال له: "خذ نصف من كل ما أحضرته" [5].
عندئذ دعا الاثنين سًّرا، وقال لهما: باركا الله، قدما له التشكُّرات. قدما له التبجيل واحمداه أمام كل الأحياء من أجل أعماله معكما. صالح أن تباركا الله وتُمَجِّدا اسمه، وتعلنا أخبار أعمال الله العظيمة وأن لا تترددا في تقديم التشكُّرات له [6]. من الخير أن تكتما سرّ الملك، أما أعمال الله فمن المجد أن تُعلَن. اعملا الخير، فلا يحلّ بكما شر [7].
بروح التقوى وتنفيذ الوصية دعا طوبيت ابنه كي ينفذ الوصية: "لا تُبَتْ أُجرَةُ إِنْسانٍ ما يَعمَل عِندَكَ، بلِ ادفَعْها في الحال" (طو 4: 14)". لقد سأله وأخذ رأيه فيما يُعطَى لذلك الإنسان [1]. أما طوبيا الابن العارف بالجميل، ومقدار تعب الآخرين معه، أخذ يُعَدِّد أتعاب أجيره لأبيه [3].
لماذا سأل طوبيت ابنه عن أجرة الأجير مع أنه سبق أن وعده أنه سيقوم بدفع الأجرة؟ احتار طوبيت وابنه ماذا يُقَدِّمان للملاك في مقابل كل خدماته. وهذا يدفعنا للتساؤل: وماذا نُقَدِّم نحن لله في مقابل كل ما يعمله معنا.
اتَّسم طوبيا بالسخاء مثل والده طوبيت، إذ قال لأبيه: ""يا أبي لا يسيئني أن أعطيه نصف ما قد حصلت عليه [2]."
كان يتذكَّر إحسانات الآخرين له، ولم يكن جاحدًا. لم ينسَ ما قام به الملاك [3]:
أ. أخذه وسار به ورجع به سالمًا. لقد خلَّصه من افتراس السمكة وافتراس الشيطان له.
ب. عن طريقه تم الزواج المبارك من سارة.
ج. حطَّم الشيطان الذي أفسد سلام سارة وفرَّح والديهما.
د. فتح عيني والده.
ه. سكب بركة وخيرًا على الكل!
الملاك لا يطلب أجرًا (5- 7): لكنه يطلب أن يُمَجِّدا الله ويُحَدِّثا بأعماله العظيمة معهما. وقال إن الملوك الأرضيين يجعلون أمورهم أسرارًا حتى لا يضرّهم أحد. لكن أعمال الله يجب أن تُذَاع حتى يتمجَّد الله، خاصة وأبناء الله هؤلاء، طوبيت وعائلته يعيشان وسط الأمم لعل الأمم يؤمنون.
* الطوباوي طوبيت الذي عرف كيف يكسر خبزه للجائع، أعدَّ أن يدفع بسرعة للخادم الأجير على عمله... إننا ندهش على معاملات الأب والابن، وعن الطريقة التي تعلموها بواسطة الملاك، هذا الذي ظناه خادمًا أجيرًا أرضيًا تحت مجد سماوي. بالحقيقة ضُرِب طوبيت بكارثة العمى حتى يتقبَّل الملاك كطبيبٍ، الذي كان ملتهبًا بجمرٍ، التقط أنفاسه، قائلاً: "الصلاة صالحة مع الصوم والصدقة" (طو 12: 8). صلاة البار مفتاح السماء. الصلاة تصعد، ورحمة الله تنزل. بالرغم من أن الأرض عميقة إلى أسفل، والسماء عالية إلى فوق...
قال طوبيت: "أيها الابن لنصرف هذا الرجل ونزيد على الأجرة التي اتفقنا عليها. عدَّد الابن المعاملات التي تقبَّلاها منه، وقال لأبيه: أيها الأب، إن هذا الحق، لأن خادم كهذا إن أخذ الأجرة التي اتفقنا عليها، (لا تتناسب مع) قيادته الصالحة التي لا يمكن تقييمها! إننا سندفع له بكرامة قليلة جدًا مهما وضعنا من مقياس لاستحقاقاته. هل هو قدَّم لنا فقط ما اتفقنا عليه؟ ما اتفقنا عليه هو أن يكشف لي عن الموضع والإنسان الذي ائتمنته على المال. أولاً سافر كمن هو منطلق في طريقٍ سماوي. وأَعدّ من السمكة مرهمًا طبيًا محتاج أنت وأنا إليه. لقد قادني وردَّ لي المال، وأعطاني سارة زوجة. هل يستحق فقط الأجر الذي اتفقنا عليه، بينما كان بالنسبة لي من يهتم بالعروس. بجانب هذا يا أبي شفى القشور التي على عينيك التي كانت تغطيها. لقد جعل كل بيتنا مضيئًا بمصابيح أعيننا. إنني بكل وضوحٍ إذ أراك تنظر، أيها الأب العظيم ألا يستحق نصف ما لنا؟ ليت قائد معين مثل هذا، طبيب وحارس كما قال، يقبل نصيبه، نصف ما لنا مما جلبته معي، إذ أظهر لي حنوًا كهذا في قيادته.
إذ أحبه الأب الصالح تجاوب ابنه الحكيم. بدأ يسأل الخادم الأجير أن يأخذ أجرته .
القديس أغسطينوس
* أُرسِل الملاك ليصنع لطفًا مجانًا، للحال فرح عنما فكرا في الأجرة، وللحال قال لطوبيت ولطوبيا لماذا فكرتما في أجرتي بإفراط؟ احتفظا بما أعطاكما الأب السماوي. أنا مجرد أداة للشفاء .
القديس أغسطينوس
ما هو سرّ الملك وما هي أعمال الله [7]؟
سرّ الملك هو العلاقة الشخصية السرية بين المؤمن ومسيحه (ملكه) والتي لا يليق بنا كشفها أمام الآخرين.
غالبًا ما يتطلَّع الإنسان إلى نفسه في وقت الضيق فيظن كأنه في قفرٍ بلا ساكنٍ، عقيم بلا ثمرٍ، أما الرب العريس السماوي فيرى في عروسه عكس هذا، إذ يقول: "أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَة،ٌ عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ" (نش 4: 12).كأنه يقول لها: اذكري الإمكانيات الكاملة في داخلك، أنتِ جنة وعين وينبوع، إمكانيات الروح القدس الساكن فيكِ، هذه التي لا تعلن فيكِ إلاَّ إذا قبلتي الآلام وانحنى ظهركِ للصليب.
يقول القديس غريغوريوس النيصي [جنتنا مغلقة من كل جانب بسور الوصايا حتى لا يتسلَّل إلى مدخلها لص أو وحش مفترس. إنها مغلقة بسياج الوصايا، فلا يستطيع خنزير بري أن يقترب إليها.]
يوصينا الوحي الإلهي ألا نُبَدِّد مياه ينابيعنا في الخارج، في الشوارع، مع الغرباء.
وكما يقول القديس غريغوريوس إنه حينما تنحرف أفكارنا الداخلية نحو الخطية (الغريبة) نكون قد أضعنا مياه ينابيعنا وقدَّمناها للغرباء. [إنها النقاوة هي التي تختم هذا الينبوع ليكون لسيده.]
قد نظن في أنفسنا أننا فارغون، لكن الله يرى في داخلنا فردوسًا وعينًا وينبوعًا لا يحق أن تفتح إلاَّ له وحده، فهو عريس النفس الوحيد، الذي من حقه أن يدخل جنة القلب ويشرب ينابيع حبه! بمعنى آخر تلتزم النفس كعروسٍ أن تبقى في عذروايتها مشتاقة إلى العريس السماوي وحده، تفتح له قلبها وأحاسيسها وعواطفها وكل طاقتها، بكونها العذراء العفيفة المُنتظِرة عريسها (مت 25)، كعضوٍ في كنيسة الأبكار.
وللقديس أمبروسيوس تعليق جميل، إذ يقول: [ينطق السيد بهذا القول للكنيسة التي يُريدها بتولاً بلا دنسٍ ولا عيبٍ. الجنة المخصبة هي البتولية التي يمكن أن تحمل ثمارًا كثيرة لها رائحة صالحة... إنها جنة مغلقة، لأنها محاطة بسور الطهارة من كل جهة. وهي ينبوع مختوم، لأن البتولية هي ينبوع العفة وأصلها، تحفظ ختم النقاوة مصونًا بغير اضمحلال، فيه تنعكس صورة الله، حيث تتفق نقاوة البساطة مع طهارة الجسد أيضًا.]
يُقَدِّم لنا العلامة أوريجينوس تفسيرًا للعبارة: "من الخير أن تكتما سرّ الملك"، قائلاً بأن سرّ الملك المكتوم يشير إلى أفكار البشر ونياتهم تبقى في الكتمان حتى تُعلَن في يوم الدينونة، حيث يُدَان البشر علانية. إذ يقول الرسول: "الذين يُظهرون عمل الناموس مكتوبًا في قلوبهم، شاهدًا أيضًا ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح" (رو 2: 15-16).

كما يقول: "إذًا لا تحكموا في شيءٍ قبل الوقت، متى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام، ويُظهِر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكل واحدٍ من الله" (1 كو 4: 5) .
وللعلامة أوريجينوس تفسير آخر لنفس الآية، إذ يرى الملك هنا يشير إلى الله الذي تبقى أسراره الإلهية فوق قدرة الإنسان، يكشفها لكل واحدٍ قدر قامته الروحية. فالرسول بولس إذ كان أمينًا، كشف له ربّه ومَلِكه عظمة ثروته، وأرسله ليجند جيشًا روحيًا للملك ويختبرهم، ويكشف لهم عن أسرار الملك جزئيًا، ليس بتقارير مفصلة بل خلال الرموز والإشارات حتى تبقى أسرار القصر الملكي في الكتمان، لهذا ما قاله الرسول عن نفسه: "لأننا نَعْلَم بعض العِلْم، ونتنبأ بعض التنبؤ... الآن نعرف بعض المعرفة، ولكن حينئذ سأعرف كما عُرِفت" (1 كو 13: 9، 12)، وذلك من أجلنا. فإننا عاجزون عن أن ندرك حتى ما أدركه هو جزئيًا. هكذا فإن سرّ الملك في الكتمان يتعرَّف عليه قلة من البشر، ومع هذا يُعتبَر في الكتمان .
* يلزمنا ألاَّ نستعرض الأسرار المقدسة قبل اختبار الإيمان. ليت الوثنيون في جهلهم لا يسخرون بها، والموعوظون ليتهم لا يقاوموا إذ يبالغون في حُبّ الاستطلاع .
القديس أثناسيوس الاسكندري
* يليق بالذين يُصَلُّون ألاَّ يأتوا إلى الله بصلوات عقيمة وعارية. التضرُّع غير فعَّال عندما يكون توسلاً عقيمًا... فكما أن كل شجرة لا تحمل ثمرًا تُقطَع وتُلقَى في النار، بالتأكيد أيضًا الكلمات التي لا تحمل ثمرًا لا يُمكِن أن تستحق شيئًا عند الله، فإن ثمرها لا يُنتج شيئًا. لذلك يعلمنا الكتاب المقدس: "الصلاة صالحة مع الصوم والصدقة". فإن ذاك سيعطينا المكافأة في يوم الدين على أعمالنا وصدقتنا، إنه حتى في هذه الحياة الله مستمع رحوم لمن يأتي إليه في صلاة ترافقها أعمال صالحة، كمثال قائد المئة كرنيليوس عندما صلَّى كان له حق الاستماع إليه. إذ اعتاد أن يُقَدِّم صدقات كثيرة للشعب، ودائم الصلاة لله.
عندما صلى هذا الإنسان في حوالي الساعة التاسعة ظهر ملاك يحمل شهادة لأعماله، يقول: "يا كرنيليوس صلواتك وصدقاتك صعدت أمام الله". هذه الصلوات صعدت سريعًا إلى الله حيث أعمالنا تعتمد على الله .
القديس كبريانوس

2. رئيس الملائكة يُوَجِّههما نحو الصلاة مع الصوم الصدقة [8- 10]

الصلاة صالحة مع الصوم والصدقة والبرّ. صلوات قليلة مع البرّ أفضل من برّ كثير مع الشر.
حسن أن تقدم صدقة عن أن تدخر ذهبًا [8]. لأن الصدقة تُنقِذ من الموت، وهي تغفر كل ذنبٍ.
الذين يمارسون الصدقة والبرّ يمتلئون حياة [9]. أما من يخطئون فهم أعداء حياتهم [10].
أولاً: يربط الآباء الصلاة مع الصوم والصدقة [8].هنا يرشدهما الملاك إلى عناصر العبادة الثلاثة: الصلاة والصدقة والصوم. وهي ترتبط ببعضها البعض ارتباطًا وثيقًا، فالصوم يحلنا من العبودية لشهوات الجسد والمادة، ويُمَهِّد للاتحاد مع الله على مذبح الصلاة، وأمّا الصدقة فتجعل لنا دالة أمام الله.
الصدقة تُنَجِّي من الموت. والصلاة تجعلنا في صلة مع الرب والصوم هو زهد يرفعنا عن محبة العالم فنقترب إلى الله والصدقة بها نعمل خيرًا مع الرب نفسه فنراه. فالرب وضع نفسه مكان الجوعان والعطشان والمسجون....
ثانيًا: يتحدثون عن فاعلية الصلاة [8] فيقولون:
* لنتبارى مع بعضنا البعض في الصلاة في منافسة مقدسة، بقلبٍ واحدٍ فلا تصارعون ضد بعضكم البعض، بل ضد إبليس، العدو العام لكل القديسين. "الصوم والأسهار وكل ميتات الجسد تسند الصلاة بقوة. "
القديس أغسطينوس
ثالثًا: يتحدثون عن فاعلية الصوم [8] فيقولون:
* الآن الصوم يعني الامتناع عن كل الشرور، سواء في العمل أو الكلام أو الفكر نفسه .
القديس إكليمنضس السكندري
* ما هو هدف الكتاب في تعليمه لنا أن بطرس صام لكي يُعلن له سرّ عماد الأمم عندما كان يصلي وهو صائم (أع 10:10)، إلا أن يُظهر بأن القديسين أنفسهم عندما يصومون يصيرون أكثر بهاءً؟
موسى تسلَّم الناموس عندما كان صائمًا (خر 34:28).
وهكذا بطرس عندما كان صائمًا تعلَّم نعمة العهد الجديد.
ودانيال أيضًا بفضيلة صومه أبطل أنياب الأسود، ورأى (تنبأ عن) أحداث قادمة مع الزمن (دا 14: 37-38؛ 9: 2-3).
وأي خلاص نناله بدون الصوم، إذ به نزيل خطايانا. يقول الكتاب المقدس: الصوم مع الصدقة يُطَهِّر من الخطايا (طو 12: 8-9) .
القديس أغسطينوس
* من هم المُعَلِّمون الجدد الذين ينكرون فضيلة الصوم؟
إنه ليس إلا صوت الوثنيين القائل: "لنأكل ونشرب"، هؤلاء الذين يقول عنهم الرسول باستخفاف: "إن كنت كإنسانٍ قد حاربت وحوشًا في أفسس فما المنفعة لي. إن كان الأموات لا يقومون، فلنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت" (1 كو 15:32). بمعنى: ماذا ينفعني جهادي حتى الموت مالم أخلع جسدي؟ باطلاً يخلص (الجسد) إن كان لا يوجد رجاء في القيامة. فإذا فُقِد الرجاء في القيامة، لنأكل ونشرب، ولا نفقد التمتُّع بالأشياء الحاضرة. لأننا سوف لا ننال شيئًا في المستقبل. الذين لا يترجّون شيئًا بعد الموت ينهمكون في الطعام والشراب.
أخيرًا فإن أتباع أبيقورس هم أتباع الملذات، لأن الموت بالنسبة لهم لا يعني شيئًا، فإن ما ينحل ليس له شعور، والذي ليس له شعور لا يساوي شيئًا عندنا. هكذا هؤلاء يُظهِرون أنهم يعيشون حسب الجسد فقط وليس روحيًا، إنهم لا ينجزون ما يليق بالنفس، بل يهتمون فقط بالجسد، ظانين أن مسئولية الحياة تقف بعد انفصال النفس عن الجسد، وفضائل النفس وكل طاقتها تنتهي.
القديس أمبروسيوس
رابعًا: يتحدث عن فاعلية الصدقة [9]:
تصلي الكنيسة في أوشية القرابين قائلة بتوسلٍ عن مُقَدِّمي القرابين المحبّين للصدقة: "أعطهم الباقيات عوض الفانيات، والسمائيات عوض الأرضيات، والأبديات عوض الزمنيات، وكما ذكروا اسمك القدوس على الأرض (بحبهم للعطاء) اذكرهم هم أيضًا في ملكوتك."
يُقَدِّم لنا القديس كيرلس الكبير سرّ اهتمام الله بالصدقة. إن كانت الصدقة تكشف عن حب المؤمن لإخوته، فهي تُعلِن عن شركته في محبة الله للبشرية. يليق بالمؤمن كابن لله أن يحمل في نفسه علامات الحب المتأصلة.
في إحدى رسائله الفصحية كتب حديثًا يوجه للشخص الغني: [من سيحصل على ما اقتنيته بالفعل؟ يليق بك أن تفعل ما هو أفضل: أن تجري عدلاً وبرًا "كقول النبي (راجع إر 33: 15). الآن إجراء البرّ في رأينا هو الحنو على أخٍ أو أختٍ لنا بالحب والمودة المشتركة والرحمة التي تهب نصرات على النار الأبدية. فإن إله كل الكرامات الرحوم يرغب في تكريم من تحمل نفوسهم علامات اللطف، إذ يقول: "كونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم" (لو 6: 36). فكما أن الأب يحب طفله متهللاً بالمولود عندما يرى شكله مشرقًا بالجمال في نسله، وأحيانا يثور فيه حب أعمق، هكذا أيضًا إلهنا إذ يري في محبته للفضيلة نفسًا تقبَّلت شكل الصلاح متأصلاً فيها، يتأكد أن هذا ليس بأمرٍ باطلٍ. إنه يكللها بالرجاء والنعمة وينزع عنها كل تلوثٍ، ويقيمها إلى شركة القديسين. إنه يقول: "الصدقة تنقذ من الموت وهي تغفر كل ذنب" (طو 2:9)

يرى القديس الأنبا زوسيما نقلاً عن الأب تادرس، أنه كان في مدينة الإسكندرية في أيام الأسقف يوحنا النيقاوى، فتاة وثنية ثرية، حدث أنها بينما كانت في نزهة رأت شابًا يريد الانتحار بسبب ثقل ديونه، فوعدته بسداد ديونه حتى لو تكلفت في ذلك كل ثروتها، وقد حدث ذلك بالفعل، فافتقرت ثم باعت نفسها للخطية، وعند موتها توسلت إلى جيرانها أن يبلغوا البابا برغبتها في العماد، ولكنهم رفضوا لكونها خاطئة فحزنت، ولكن ملاك الرب وقف بها في صورة ذلك الشاب الذي أنقذته من الموت، وعرفها أنه هو نفسه، فطلبت منه أن يعينها في قبول العماد، فأحضر ملاكين آخرين، واتخذوا ثلاثتهم شكل ثلاثة أراخنة المدينة وحملوها إلى البابا الذي عمدها بناءً على تزكيتهم لها، ولمَّا عُرِف أمر عمادها من ملابسها البيضاء ووصل الخبر إلى أولئك الأراخنة، ذُهِلوا لعدم علمهم بهذا الأمر، فرجعوا إلى الفتاة حيث عرفوا منها حقيقة الأمر، فمجَّد البابا البطريرك الرب، قائلاً عادل أنت يا رب وأحكامك عظيمة جدً جدًا .
* بالرغم من أننا نرتكب أخطاء خطيرة نجد طبيبًا عظيمًا. لقد تسلَّمنا دواء نعمته العظيم دواء الرحمة الذي يزيل خطايا كثيرة (جا 10: 4). نجد معونات كثيرة جدًا بها نخلص من خطايانا. لديكم مالاً، أخلصوا من خطاياكم. الله ليس للبيع. أما أنتم فللبيع. بخطاياكم صرتم للبيع، خلصوا أنفسكم بأعمالكم، خلصوا أنفسكم بمالكم. المال رخيص، وأما الرحمة فثمينة. يقول: الصدقة تُخَلِّص من الخطايا .
القديس أمبروسيوس
* ذاك الذي في يوم الدينونة يتأهَّل لمكافأة من أجل الأعمال والصدقة، اليوم أيضًا يُسمَع لصلواته الصادرة مع الأعمال. هكذا فعل كرنيليوس قائد المئة الذي تأهَّل أن يُسمَع له عندما صلَّى. إنه قدَّم صدقات كثيرة للشعب، وكان دائم الصلاة لله. إذ كان يصلي في الساعة التاسعة وقف أمامه ملاك يشهد لأعماله قائلاً: "يا كرنيليوس... صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارًا أمام الله ."
الشهيد كبريانوس
3. رئيس الملائكة يكشف عن خدمته [11- 14]

إني لا أخفي عنكما أي شيء، لأني قلت إنه من الخير أن يُكتَم سرّ الملك، وأما أعمال الله فمن المجد أن تُعلَن [11].
عندما كنت تصلي أنت وسارة كنتك كنتُ أقدم صلاتكما أمام القدوس. وأيضًا عندما كنت تدفن الموتى كنت أيضًا أُرافِقك [12]. وعندما كنت لا تتوانى فتقوم وتترك عشاءك لكي تنطلق وتهتم بالموتى، لم تختفِ عني أعمالك الصالحة، بل كنت معك [13].
والآن أرسلني الله لأشفيك أنت وسارة كنتك [14].
يهتم الله ويكافئ على كل خدمة نؤدِّيها. والملائكة ترفع صلواتنا لله، وذلك لأن صلواتنا ضعيفة بها شوائب كثيرة. رأينا صورة لذلك في مجامر الأربعة والعشرين قسيسًا الذين يُقَدِّمون بخورًا هو صلوات القديسين (رؤ 8:5) إذ كنت مقبولاً أمام الله لابُد أن تُمتحَن بتجربةٍ، ليصير لك إكليل أعظم حينما تتنقى.
بخصوص تقديم صلواتنا لله بواسطة رئيس الملائكة [11]
* "لتُعرَف طلبتكم لدى الله" (في 4: 6). لا يُفهَم هنا أنها ستُعرَف لدى الله، الذي عرفها قبل النطق بها. وإنما تُفهَم بالمعنى التالي أنها تُعرَف لنا في حضرة الله، بانتظارنا إياه في صبرٍ، وليس في حضرة الناس بتباهٍ بالعبادة. أو ربما أن تُعرَف أيضًا للملائكة الذين في حضرة الله، هذه الكائنات التي تُقَدِّم (صلواتنا) لله وتتشاور معه بخصوصها، ويمكن أن تخبرنا بطريقة علنية أو خفيّة أن نسمع لوصاياه، إذ يعرفون إرادة الله، ويليق بهم أن يتمموها كواجب ملتزمين به، إذ قال الملاك لطوبيت: "الآن حين تصلي مع زوجة ابنك سارة أُقَدِّم صلواتكما تذكارًا أمام القدوس" (راجع طو 11:12)[16].
القديس أغسطينوس

بخصوص دفن الموتى [12] خَصَّص القديس أغسطينوس في كتابه "مدينة الله" فصلاً[17] عن مقاومة الحكام الأشرار لدفن الشهداء المسيحيين مؤكدًا أن المؤمنين مع اهتمامهم بدفن الأموات، غير أنه لا يصيب المؤمن ضررًا إن منع الأشرار دفنه جسده.
* يحمل المؤمنون في ذهنهم التأكيد الذي أُعطِي لهم أن شعرة من رؤوسهم لا تهلك؛ حتى إن افترستهم وحوش، هذا لا يعوق قيامتهم (من الأموات). لم يقل الحق باطلاً: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها" (مت 10: 28). ما يستطيع أن يفعله العدو بالجسد المذبوح مهما بلغ لن يؤثر على الحياة العتيدة... فالملائكة لا تحمله إلى قبرٍ من الرخام، بل ترفعه إلى حضن إبراهيم.
الذين أتعهدهم مدافعًا عن مدينة الله يضحكون على هذا كله. لكن حتى فلاسفتهم استخفُّوا بالاهتمام بالدفن.
حتى في كل الجيوش المحاربة كان القتلى يُترَكون في أرض المعركة ويصيرون طعامًا للوحوش المفترسة. قال واضع أنشودة الدفن عن عدم الاهتمام النبيل (بالدفن): "من ليس له قبر فالسماء مسكنه[18]". كم بالأكثر يكون أمر الذين يحتقرون جثث المسيحيين التي لا تُدفَن. هؤلاء الذين وُعِدوا أن الجسد نفسه سيقوم ويحمل شكلاً جديدًا، وأن كل أعضائه ستُجمَع ليس فقط من الأرض، بل من الأماكن الخفية الأخرى التي وُضِعَت فيها الأجساد الميتة التي أُخفِيَت فيها.
مع هذا يلزم عدم احتقار أجساد الموتى وتُترَك بدون دفن، على الأقل أجساد الأبرار والمؤمنين التي استخدموها كأعضاء وآلات برّ لكل الأعمال الصالحة. فإنه إن كان ملبس أب أو خاتمه أو أي شيء كان يلبسه، يُحسَب ثمينًا بالنسبة لأبنائه بسبب حُبِّهم له، كم بالأكثر يلزم أن نعتني بأجساد الذين نُحِبّهم، إذ هي أقرب إلينا من أي ملبس! فالجسد ليس حلية خارجية أو معين بل هو جزء من ذات طبيعة الإنسان...
مُدِح طوبيت، بشهادة الملاك، وقيل عنه إنه أرضى الله بدفنه الموتى (طو 12: 12).
ربنا نفسه أيضًا وإن كان سيقوم في اليوم الثالث مدح... العمل الصالح الذي فعلته المرأة التقية، حيث سكبت الطيب الثمين على أعضائه، وقد فعلت هذا لتكفينه (مت 26: 10-13).
القديس أغسطينوس
كتب القديس أغسطينوس مقالاً تحت عنوان: "الاهتمام بالموتى On care to be had for the dead"، مستشهدًا بأمثلة كثيرة، منها ما كان يفعله طوبيت في أرض السبي مُعَرِّضًا نفسه للخطر. وأيضًا الأتقياء عند موت ربّ المجد على الصليب ودفنه وتقديم حنوط لجسده، إذ كافأهم على ذلك (مت 26: 7-13).
* طوبيت أيضًا بدفنه الموتى نال إحسانًا من الله، وذلك بشهادة الملاك (طو 2: 7؛ 12:12).
القديس أغسطينوس
كنت أُقَدِّم صلاتكما أمام القدوس [12]

* قول الرسول: "لتُعلَم طلباتكم لدى الله" (في 4:6) لا تُؤخَذ بمعنى أنه بالفعل تُعلَم لدى الله، إذ هو بالتأكيد يعرفها قبل النُطق بها، وإنما أنها تعرف لدينا نحن أمام الله، وذلك خلال صبرنا، وليس أمام الناس خلال افتخارنا. أو ربما أنها تعرف لدى الملائكة الذين مع الله، حتى يقدمون صلواتنا لله ويتشاورون فيها، ويقدمون لنا إجابته علنًا أو سرًا، وذلك عندما يعرفون إرادته، إذ يليق بهم أن يعرفوا. هكذا قال الملاك لإنسانٍ: "عندما كنت تصلي أنت وسارة كنتك كنت أقدم صلاتكما أمام القدوس" (طو 12: 12).
القديس أغسطينوس

4. رئيس الملائكة يكشف عن شخصه [15- 22]

أنا رافائيل أحد السبعة ملائكة القديسين الذين يرفعون صلوات القديسين، ويدخلون بها أمام مجد القدوس." [15]. عندئذٍ اضطرب الاثنان وسقطا على وجهيهما وخافا [16].
لكنه قال لهما: "لا تخافا، سلام لكما. باركا الله إلى الأبد [17]. فإنني لم آت ِ بنعمةٍ مني، بل بالحري أتيت بإرادة إلهنا، فلتباركاه إلى الأبد [18] كل هذه الأيام التي ظهرت فيها لكما لم آكل ولم أشرب، إنما ما رأيتماه هو رؤيا [19].
الآن أشكرا الله لأني صاعد إلى ذاك الذي أرسلني. أكتبا كل ما حدث في كتاب [20]. عندئذ ٍ قاما ولم يعودا ينظرانه [21]، لقد أدركا أعمال الله العظيمة العجيبة، خاصة عندما ظهر ملاك الرب لهما [22].
في غمرة تلك الأفراح التي تمتَّع بها الكثير من اليهود المسبيين في نينوى، لم ينسَ طوبيت وابنه ذلك الرجل التقي، رئيس الملائكة المتخفي، الذي ساهم فيما نالهم من بركات إلهيةٍ وتعزيةٍ وبهجةٍ. وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن رئيس الملائكة رافائيل (في ميمر عنه):
[هو ملاك وهو وكيل العريس لأنه اتفق مع طوبيا وأقام العُرْس.
إنه لا جسد له، لأنه لم يذق شيئًا طوال الأيام التي صار فيها معه.
إنه شفيع، فقد توسَّل إلى السيد الرب صاحب كنوز الرأفة لأجل طوبيت وطوبيا ابنه ولأجل سارة.
هو نشيط، لأنه عندما كان طوبيا في العُرْسِ أخذ جملاً إلى راجيس وأحضر الفضة.
هو طبيب، لأنه أبرأ عيني طوبيت الرجل الرحوم ثم أوصى ابن طوبيت أن يعمل الرحمة من ماله، لأن الصدقة تنقذ الإنسان من الموت.
هو قائد، لأنه قيَّد أسموديس (الشيطان).
هو متطوّع، لأنه لم يأخذ أجرًا اتفقوا عليه معه.
إنه خادم نشيط لأنه قام بكل ما احتاجوا إليه.
إنه خدوم لأنه وقف معه وخدم كعبد أمين.
يا لعظم رأفة الله ويا لطاعة رئيس الملائكة الواقف في حضرة رب الجنود، وقد وقف أمام إنسان يخدمه.]
سجودهما للملاك (16- 20) أظهر تقواهما ومخافة الله التي في قلبيهما.
أخذ القديس أغسطينوس قصة ظهور رئيس الملائكة لطوبيا وطوبيت، وتحرُّكه مع الأول وخدمته له، وتقديم نصائح له، دليلاً على محبة السمائيين لنا. ودليل على أنه ليس من الصعب إدراك عودة الجسد واتحاده مع النفس التي فارقته عند موته.
* القيامة المُقبِلة للجسد هي برهان أن النفس بعد الموت بالتأكيد تكون بدون جسد. هذا ليس زعمًا لا إجابة عليه، لأن الملائكة الذين يشبهون نفوسنا غير المنظورة، يرغبون أحيانًا أن يظهروا في أشكال جسدية وأن يكونوا منظورين... كما حدث مع إبراهيم (تك 17: 6) ومع طوبيا (طو 12: 16).
القديس أغسطينوس
في حديث القديس أغسطينوس عن القيامة يقتطف كلمات الملاك ليشرح لماذا يأكل الإنسان عن احتياج أما الملاك فعن اقتدار.
* ماذا يقول الملاك في سفر طوبيا؟ "وكان يظهر لكم أني آكل وأشرب معكم" (طو 19:12).
هل كان يبدو أنه يأكل، لكنه في الواقع لم يأكل؟ لقد أكل فعلاً. إذًا ما معنى هذه الكلمات، "وكان يظهر لكم أني آكل وأشرب معكم"؟ كن تقيًا واستمع لما أقول: أصغِ إلى الصلاة (أي لإرشاد صوت الله خلال صلاتك) أكثر من استماعك إليَّ حتى تدرك ما نقول، وتمسك به بحيث تفهم ما تسمع.
بما أن جسدنا قابل للفساد والموت فهو يحتاج للطعام، ولذا يوجد فينا وجع الجوع. فنحن نجوع ونعطش، وإن توانينا عن إشباع هذا الجسد طويلاً يضعف ويهزل ثم يمرض، تُستَنزف قوته ولا يستطيع أن يستردَّها، وإذا مكث هكذا طويلاً تأتيه المنية (يموت). لأن جسدنا -إن جاز التعبير- يزول باستمرار ويفقد شيئًا ما من ذاته، لكننا لا نشعر بهذا، أي بما نفقده لأننا نُعَوِّضه بالطعام. ما نأخذه بوفره، نفقده قليلاً قليلاً، لذلك نسترد في وقت وجيز هذه الطاقات التي فقدناها في مدة زمنية أطول.
هكذا الحال بالنسبة لزيت المصباح الذي يُصب في وقت وجيز ويستهلك قليلاً قليلاً على مدى أطول. وحين يوشك الزيت أن يستنفذ يخفت نور المصباح، معلنًا أنه متعطش للوقود، منذرًا إيانا حتى نسرع في الحال لسد احتياجه حتى يسترد ضوءه بإمداده بالزيت، وهو الغذاء المناسب له والذي يوفي احتياجه. هكذا بالمثل ما نأخذه من طاقات. بتناولنا الطعام لا نفقده دفعة واحدة بل قليلاً قليلاً.
نلاحظ هذه الظاهرة تحدث الآن وأثناء قيامنا بأي عمل ثم تستمر حتى أثناء راحتنا لأن طاقتنا في حالة تجديد دائم. إذا ما استنفذت تمامًا حينئذ يموت الإنسان كمصباح منطفئ. وحتى لا يأتي الموت، أي لا تخمد الحياة في هذا الجسد، أي لنحفظها فيه، يجب أن ننفخ فيه لنعوضه ما يفقده نملأه مرة ثانية بالطعام. لأنه لماذا نقول "نملأه ثانية"؟ ولماذا نفعل ذلك إذا كنا لم نفقد شيئًا؟ لذلك فإن هذا الاحتياج وهذه القابلية للموت يُرمَز إليها بالجلد الذي لبسه آدم وحواء عندما طُرِدا من الفردوس (تك 21:3-24). الجلد يُمَثِّل الموت، لأنه يُنزَع عادةً من جثث الحيوانات الميتة.
لذلك بما أننا نحمل طبيعة ضعيفة وقاصرة، فحاجتنا للطعام لا تتوقَّف، بل نلجأ إليها دائمًا لاسترداد طاقتنا، ورغم ذلك لا نستطيع أن نتجنَّب الموت.
وهكذا فيما يخص حالة الجسد خلال السنوات المتعاقبة طالما الجسد قائم سوف يأتي في النهاية إلى كبر السن وبعد ذلك لا يجد نهاية أخرى سوى الموت... لذلك طالما نحمل هذه الأجساد المائتة، نحتاج إلى ما ينقصنا، وينبع الجوع عن هذا الاحتياج فنأكل نتيجة لهذا الجوع. لكن على العكس لا يأكل الملاك عن احتياج. كما قلنا الواحد يأكل عن اقتدار (الملاك) والآخر (الإنسان) عن احتياج.
يأكل الإنسان حتى لا يموت. أما الملاك فيأكل حتى يتكيَّف مع ضعف الإنسان. لأنه إن كان الملاك لا يخشى الموت، فهو لا ينتعش بنقص الطعام. وإن كان لا ينتعش بنقص الطعام إذًا هو لا يأكل عن احتياج. ومع ذلك فالذين رأوا الملاك يأكل ظنُّوا أنه جائع. هذا ما قاله: "وكان يظهر لكم..." لا يقول: تراني آكل لكنني لم أكل، لكنه يقول "كان يظهر لكم" بمعنى أنني أكلت لأعمل وفق طرقكم، وليس بسبب الجوع أو أي احتياج تختبرونه فيجبر على الاعتقاد أن كل من ترونه يأكل هو يأكل للاحتياج فقط، لأنكم تحكمون على الآخرين بمقياسكم أنتم، وهذا هو معنى الكلمات، "وكان يظهر لكم...[19]"
القديس أغسطينوس

* رأيتني آكل لكن كل ما رأيته هو رؤيا (طو 12: 19)، بمعنى: لقد ظننت أنني أخذت طعامًا كما أنت فعلت لإنعاش جسدي...
بالحقيقة حتى بعد القيامة عندما صار جسد (المسيح) روحيًا، بالحقيقة أخذ ربّنا طعامًا وشرابًا مع تلاميذه (لو 24: 42-43). إنه ليس طعامًا عن احتياج الجسد ليأكل ويشرب... ستصير الأجساد روحية دون إنكار أنها أجساد. إنما وجودها قائم على الروح الواهب الحياة.
القديس أغسطينوس
من وحي طوبيت 12

انسحق قلبي بحب ملاكك لبني البشر
* حلَّت اللحظة الحاسمة ليرفع رئيس الملائكة الحجاب عن شخصه!
لم تنته رسالة رئيس الملائكة عند إقامة حفل العُرْسِ في نينوى.
لم يكن الحفل قاصرًا على طوبيت وحنة مع العروسين،
بل جاء الأقارب واليهود المسبيون يشاركون الأسرة تهليلها في الربّ.
* في لقاء سرّي بين رئيس الملائكة وطوبيت وطوبيا،
تحدَّث رئيس الملائكة معهم،
مُعلِنًا لهما ما يشغله من نحوهما.
قدَّم لي ولإخوتي المؤمنين درسًا رائعًا عن الحب الممتزج بالتواضع بروح التهليل.
هذا الحب هبة نعمة الله لكل السمائيين كما هو مُقدم ليتمتَّع به المؤمنون.
* بينما كان طوبيت وطوبيا يناقشان كيف يُعَبِّران عن تقديرهما لهذا الأجير المتخفّي،
إذا به يرد لهم هذا الحب بالحب. فماذا قَدَّم في حُبِّه لهما؟
قَدَّم لهما أثمن وصية تُحسَب كنزًا في عيني الله.
الصلاة الصالحة مع الصوم والصدقة والبرّ.
هذا هو الأجر الذي يُسرّ به رئيس الملائكة.
أن يرانا حاملين برّ الله، مؤهَّلين بالحق للميراث الأبدي.
* لقد أخفى حقيقة شخصه إلى حين،
وأخفى عمله معهما حين كان يحمل صلواتهما وخدمتهما للربّ.
لكن حان الوقت ليعلن أن ما فعله هو بأمر الله محب البشر.
طلب أن يُقَدِّما الشكر لله الذي أرسله.
ملحق طوبيت 12

مقتطفات من قطعة شعرية للأب برودينتيوس

عن الصوم

سبق لنا الحديث عن هذا الأب في ملحق طوبيت 2.
وضع هذا الأب قطعة بالشعر عن "الصوم"، ودعاه "سرّ الصوم The Mystery of Fast" في 220 بيتٍ شعريٍ.
يفتتح القطعة في فترة الصوم، قائلاً إننا نُقَدِّم الصوم الطاهر والمقدس تقدمة للناصري نور بيت لحم، كلمة الآب السرمدي، المولود من رحم العذراء.
الصوم يُحَرِّرنا من ثقل الشهوات الجسدية

لنصم عن الشهوات الجسدية ونستند بالسماويات

الصوم المقدس وحياة البرية أو الوحدة

لقاء موسى النبي الصائم مع الله المُمجد!

المعمدان الصائم الناسك

الصوم يُحَرِّرنا من ثقل الشهوات الجسدية

دعا هذا الأب الصوم "سرًّا"، لأنه لا يقف عند الامتناع عن الطعام والشراب، أو استبدال الأطعمة الدسمة والشهية بأطعمة أخرى مثل الخضروات وأحيانًا الأسماك. إنما هو سرّ يمسّ علاقتنا بالله، حيث يطلب المؤمن نعمة الله أن تعمل فيه، فيتحرَّر من الضجر والتذمُّر، كما يُلجِم اللسان وكل أعضاء الجسم عن الشهوات الجامحة كالنهم والإدانة والشهوات الجسدية والمزاح الباطل والخمول وكثرة النوم. هذا من الجانب السلبي، أما من الجانب الإيجابي، فالصوم يُحَرِّك القلب بعواطفه والعقل بأفكاره وكل الطاقات الداخلية والأعضاء للعمل بقيادة روح الله بتعقُّلٍ وحكمةٍ لبنيان ملكوت الله فينا.

* بالحقيقة ليس شيء أنقى من هذا السرّ،
الذي يُطَهِّر كل تليّف للقلب المتضجر،
ويُلجم الجسد بكل شهواته الجامحة،
لئلا تفرح رائحة الدخان الصادرة عن اللحوم الدسمة،
فتُثقل الذهن بقوة خانقة. [6-10]
* يُخضع هذا الصوم الانحلال والنهم،
وينزع الخمول المعيب الصادر عن النوم الثقيل والخمر،
والشهوة الخسيسة والهزل الإباحي والمزاح،
هذه الأمراض المتعددة التي تصيب الحواس المتسيبة،
يلزم ضبطها بعصا الزهد. [11-15]
* من يستسلم للطعام والشراب (بتهاونٍ)،
لا يستطيع شكم الجسم بالأصوام المقدسة.
فيتقلص لهيب روحه السامية المتلألئة الطاهرة،
بكل الشهوات الخانقة، ويطفئه.
بهذا تسقط النفس في النوم ببلادة مشاعرها. [16-20]

لنصم عن الشهوات الجسدية ونستند بالسماويات

لا يقف الصوم عند ضبط شهوة الأكل والشرب، وإنما يلزم أن يمتد إلى داخل الإنسان فيكفّ بنعمة الله عن الشهوات الجسدية، وتنطلق النفس نحو السماويات بروح الحكمة.
الصوم لا يُحَدّ بالامتناع عن الكلام الباطل فحسب، إنما أن يتقدَّس اللسان ليُسَبِّح الخالق السماوي!
* ليتنا إذ نضبط شهوات الجسد بلجامٍ حازمٍ.
ونسمح لنور الحكمة أن يشرق في قلوبنا.
تشق النفس السماوات وتعبر إليها برؤيا قوية.
وتتنسم هواء السماء المُتَّسِع.
فتُسَبِّح خالق كل الأشياء بأكثر كمالاً. [21-25]

الصوم المقدس وحياة البرية أو الوحدة

عاش إيليا النبي في البرية كمن هو منطلق للتأمل في السماويات، حتى ظن بعض الأنبياء أن روح الربّ كان يحمله من قمة جبلٍ إلى جبلٍ آخر، أو من موضعٍ إلى آخر خاصة في البرية (2 مل 2: 16-18). كان الصوم يسند هذا النبي فلا يتعلَّق قلبه بأمرٍ زمنيٍ يعوقه عن التفكير في السماويات. هكذا يليق بنا في ممارستنا للصوم أن ينطلق فكرنا إلى فوق للتأمل في الأبديات ولا تأسرنا الزمنيات.
* إيليا بحفظه الصوم المقدس،
تزايد في النعمة، وكان الكاهن القديم الذي سكن
في البرية بعيدًا عن العالم الباطل.
قيل إنه تجنَّب كثرة من الخطايا،
وسط مباهج الوحدة البسيطة... [26-30]
* وبمبادرة انطلق في الهواء نحو السماء.
حملته مركبة نارية تجرها فُرس نارية.
حتى لا تلمس النسمات الدنسة الأرضية هذا الرجل القديس.
هذا الذي عاش سنوات طويلة حياة السلام والهدوء.
عُرِف بالزهد الذي يُطهر نفسه (2 مل 2: 11). [31-35]


لقاء موسى النبي الصائم مع الله المُمجد!

يتصوَّر هذا الشاعر موسى النبي الذي قضى أربعين نهارًا وأربعين ليلة في حضرة الله وهو صائم لا يأكل ولا يشرب (تك 24: 18). يرى كأن الله يحدق بعينيه على نبيه المحبوب موسى الذي تأهَّل بالصوم أن يتمتَّع بهذه الحضرة الإلهية المجيدة. بهذا فتح الباب للمؤمنين المُخلِصين أن يمارسوا الصوم المقدس بهدف التلامس مع حضرة الله، فينعكس بهاء الله عليهم.
في تأمل سريع يرى الأب برودينتيوس كأن الشمس قد مارست 40 دورة خلال الأربعين يومًا وسط الكواكب الأخرى وهي تدهش لهذا الصائم الذي لا يأكل خبزًا ولا يشرب ماءً، لأن الله صار طعامه وشرابه الروحي. وإن كانت الأرض هي التي تدور، لكننا نرى كأن الشمس هي التي تُشرِق وتتحرَّك ثم تغرب حتى الشروق التالي.
* موسى الوسيط المخلص أمام عرش الله
لم يقدر أن ينظر ملك السماء السابعة،
حتى حققت الشمس دورتها المتسعة بين الكواكب أربعين دورة.
في كل هذه الأيام تطلَّع (الله) على النبي الذي ينقصه الخبز (تك 34: 28). [36-40]
* إذ اجتمع مع الله كان طعامه الوحيد هو الدموع.
كان يبلل التراب بالليل ببكائه.
كان ينحني إلى أسفل، ويضغط بوجهه على الأرض.
حتى يتأثر بصوت الله الذي ينذره.
كان يرتعب أمام تلك النار البهية التي تعجز العيون الجسدية (عن رؤيتها). [41-45]

المعمدان الصائم الناسك

للقديس يوحنا المعمدان دوره الفريد، يراه القديس مار يعقوب السروجي أنه الوحيد بين أناس الله الكارزين يُنسَب للعهدين القديم والجديد، كواحدٍ من الأنبياء وفي نفس الوقت من رجال العهد الجديد إذ رأى السيد المسيح. بدأ خدمته وكرازته وهو جنين في بطن أمه، وأشار إلى السيد المسيح، قائلاً: "هذا هو حمل الله الذي يحمل خطية العالم" (يو 1: 20).
جاء كلمة الله المتجسد إلى العالم ليشارك البشرية في الأكل والشرب "حلّ بيننا" (يو 1: 14) وصار كواحدٍ منا، حتى نستطيع أن نقترب إليه وندخل معه في صداقةٍ، لكنه أَعدَّ السابق له. فكان رجل صوم وزهد وعاش في البرية.
نزل الحق (كلمة الله) إلى العالم، وأَعَدّ القديس يوحنا له الطريق كما تنبأ عنه إشعياء النبي.
تحدث عنه الأب برودنتيوس في هذه القطعة الشعرية عن الصوم، فقال:
* تفوَّق يوحنا المعمدان في هذا الطقس (الصوم).
السابق لابن الله الأبدي (يهيئ له الطريق)،
الذي جعل الطرق الملتوية والمنحنية مستقيمة.
أصلح المنحنيات وهيَّأ الطرق.
جعل الطرق الرئيسية سهلة يسير فيها كل بشرٍ (مت 3: 3). [46-50]
* إنه رسول الربّ الذي اقترب مجيئه (بتجسده).
حفظ (يوحنا) الناموس بأمانة، وهيَّأ الطريق حسنًا.
جعل كل تلٍ منخفضًا، والطرق الوعرة سهلة.
لئلا إذ ينزل الحق من السماء إلى الأرض،
يوجد حاجز لاقترابه السريع. [51-55]
* كان (يوحنا) عجيبًا في ميلاده، وفي طريقه العام.
الطفل الذي وُلِد مؤخرًا كان يرضع من ثديي أمه الجافين.
حضن العجوز كان لا يزال يُقَدِّم لبنًا.
لقد تقدَّمت المرأة (اليصابات) في السن جدًا قبل أن تلد.
لقد عرف (يوحنا) ربَّه وهو في رحم أمه (لو 1: 42-43). [65-60]
_____

  رد مع اقتباس
قديم 17 - 11 - 2022, 01:56 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,765

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر طوبيا

تفسير سفر طوبيا

الأصحاح الثالث عشر

مزمور وخطاب نبوي






















يُعتبَر الأصحاحان الثالث عشر والرابع عشر خاتمة للسفر، يكشفان عما يدور في قلب طوبيت وما يشغل فكره على الدوام.
1. مزمور طوبيت (13: 1-9) فيه يُعبِّر عن فرحه الدائم بعمل الله معه تحت كل الظروف.
2. خطاب نبوي (13: 10-18) لم يحرم السبي طوبيت عن التسبيح لله، كما لم تفارق أورشليم مدينة الله المقدسة قلبه، إذ يراها أيقونة أورشليم العليا. فهو يعيش في نينوى عاصمة أشور، أما أورشليم فتعيش فيه بكونها عربون للسماء.
3. دمار نينوى المصممة على الشر (14 :1-4): يستخدم الله أشور وعاصمتها نينوى، لتأديب شعبه على عصيانه. لكنه يدمرها لأنها ظنت أن بقوتها وسلطانها سبي شعب الله.
4. خراب أورشليم وإعادة بنائها (14: 1-5). إنه يؤدب شعبه بمملكة يهوذا ويقبل توبته ورجوعه إليه.
5. عودة كل الأمم إلى مخافة الرب (14: 6-7).
6. وصيته لابنه طوبيا ونياحته (14: 8-15).
هكذا جاءت خاتمة السفر في هذين الأصحاحين تؤكد الحقائق التالية:
1. يليق بالمؤمن ألا يفارقه التسبيح حتى اللحظات الأخيرة من حياته، إذ لم يُفسِد السبي فرح طوبيت بالربّ.
2. يليق بالمؤمن أن يكون حكيمًا يتطلَّع دومًا بروح الرجاء، فيترقَّب انطلاقه إلى الأحضان الإلهية.
3. الله هو ضابط الكل. يرفض المؤمن الفكر الغنوصي الخاطئ الذي يعتقد بوجود إلهين، إله صانع الخير وإله صانع الشر. ويُمَيِّز بين الشرّ الذي هو الرذيلة والعصيان وبين الشرّ الذي هو السقوط تحت التأديب لأجل الرجوع إلى الله.
4. ليس عند الله محاباة. يؤدِّب شعبه بالسقوط تحت السبي، لكنه يترقَّب توبته ليضمه إليه. أما الأشرار المُصَمِّمون على الشرّ فيهلكون.
5. يليق بالمؤمن ألا يُفارِقه الاشتياق إلى أورشليم العليا والتمتُّع بعربون السماء.
6. الله محب البشرية، يعمل لعودة كل الأمم إليه فيحبّونه في مخافة مقدسة.
7. يترقَّب المؤمن يوم رحيله من العالم، مقدمًا وصيته لأبنائه حتى لا يسقطوا في الحزن اليائس، بل يفرحون لانطلاق والديهم إلى الأحضان الإلهية.
اشتياقات طوبيت

لو سألنا طوبيت عما يشتاق إليه قبل أن يرسل ابنه إلى غابيلوس ليسترد وديعة الفضة: تُرَى ما هي طلبتك من الله؟ ربما يجيب هكذا:
أولاً: أن يفتح لي بابًا للخدمة والعطاء، فإصابتي بالعمى كل هذه الأعوام حرمتني من العمل لأعطي للفقراء والمحتاجين بسخاء، كما حرمتني من دفن إخوتي المقتولين والملقاة جثثهم في الشوارع والساحات في إهانة مُرّة.
ثانيًا: أن تسترد زوجتي حنة سلامها، فلا ترى فيما حلّ علينا من ضيقات هو بسبب غضب الله علينا.
ثالثًا: أن يعطي الربّ نعمة لابني طوبيا، فيجد فتاة من سبط نفتالي ويتزوجها حسب شريعة الله.
رابعًا: أن يهبنا الله أن نسمع عن مدينة الله التي سيُحَطِّمها البابليون تُبنَى من جديد، ويُعَاد بناء الهيكل في أورشليم.
خامسًا: أن يرجع إخوتي الذين من بني جنسي عن عبادة الأصنام والشركة مع الوثنيين في الطعام الدنس والرجاسات الوثنية.
سادسًا: أن يُحَقِّق الله ما تنبأ عنه الأنبياء وكثير من رجال الله أن تعترف كل الأمم للربّ ويتمتَّع العالم كله بالإيمان الحقيقي، وتُفتَح أعينهم ليروا ما يعدّه الله لبني البشر الذين سينضمون إلى الخورُس الملائكي ويُسَبِّحون إلى الأبد.
سابعًا: أن تتحوَّل الأرض عن كونها تعاني من اللعنة، وتصير أشبه بالسماء.
الآن قد انفتح لطوبيت باب الرجاء لكل مشتهياته بقوة، حيث صار بيته مقدسًا وأسرته تُسَبِّح الله، بل وجاء الكثير من المسبيين يُمَجِّدون الله على أعماله العظيمة.
انفتح لسانه بل وكل كيانه للصلاة مع التسبيح. تكشف صلاته عن اشتياقات قلبه له ولأسرته وللمسبيين ولأورشليم بل ولكل الأمم.
انفتاح فم طوبيت بالتسبيح والنبوة (طو 13)

لم تُفارِق المزامير شفتي طوبيت في أرض السبي. وتُعتبَر صلاته بعد هذه الأحداث أنشودة رائعة أو تسبحة مُقَدَّمة للربِّ تحمل روح مزامير داود النبي.
تسبحة طوبيت نموذج عملي للمؤمن الذي يرتمي في أحضان أبيه السماوي، فيشارك السمائيين تسابيحهم، وتنفتح بصيرته الداخلية ليدرك أسرار محبة الله للبشر إلى دهر الدهور.
1. يفتتح التسبحة بتمجيد الله لحُبِّه العجيب، فهو يجرح ويشفي كي يقيم منّا مواطنين سماويين [1-2].
2. يدعو كل الشعب أن يشكروا الرب أمام الأمم الذين تشتت الشعب بينهم [3- 6]. فهو الذي سمح بالسبي والشَتات، لكي يتمجد فيهم حتى وسط تشتيتهم، وذلك خلال توبتهم ورجوعهم للرب.
3. خلال السبي يليق بالشعب أن يذكر مدينة الله أورشليم، فلا يرجع الشعب إليها، وإنما ما هو أعظم أن تنطلق الأمم معهم من أقاصي الأرض ليلتصقوا بالربّ، لا لفترة قصيرة، وإنما لأجيال فأجيال يتهلّلون ويقدمون ذبائح التسبيح ويسجدون بفرحٍ وتهليلٍ. يتطلع طوبيت بروح التهليل إلى كنيسة العهد الجديد [11].
3. إن كان الوثنيون قد ابتهجوا بتدمير مدينة الله، فإنهم عوض اللعنة التي حلَّت بها يتمتعون بالبركة، إذ يقومون ببنائها ويحبونها ويفرحون بسلامها [12- 13]. هكذا تطلَّع إلى السبي ليس لتأديب شعب الله فحسب، وإنما لكي يتلامس الأتقياء في أرض السبي مع الأمم، فيلمسون حُبّ الله لكل البشرية.
هكذا إذ فتح طوبيت فمه بالتسبيح كشف له الرب عن جمال كنيسة العهد الجديد التي تضم الأمم للإيمان، وبحق يتغنَّى: "تُبارِك نفسي الله، الملك العظيم" [15].
5. بروح النبوة تطلَّع طوبيت إلى كنيسة العهد الجديد، بكونها أيقونة السماء.
1. طوبيت يسجل لنا صلاته [1- 8]

تهلل طوبيت وكتب صلاة، جاء فيها: [1]
مبارك هو الله، الحي إلى الأبد، ومبارك هو ملكوته، فهو يؤدِّب ويرحم: إنه يُنزل إلى عالم الموت، ثم يُصعد. ولا يوجد أحد يفلت من يده. [2].
أشكروه أمام الأمم يا بني إسرائيل. إذ شتتنا بينهم [3]. أعلنوا عظمته هناك، وارفعوه أمام كل الأحياء، فهو ربنا والهنا وأبونا إلى مدى الدهور، [4]
إنه سيؤدِّبنا على ذنوبنا، لكنه يعود فيرحمنا. ويجمعنا من كل الأمم، التي شتتنا بينها [5]. إن رجعتم إليه بكل قلوبكم وبكل نفوسكم، لتصنعوا الحق أمامه يرجع إليكم، ولا يخفي وجهه عنكم. ترون ما يعمله معكم، وتشكروه بملء أفواهكم، وتحمدون رب البرّ، وتعظمون ملك الآباد. وأنا أشكره في أرض السبي وأعلن قدرته وجلاله لأمة الخطاة. ارجعوا أيها الخطاة واصنعوا البرّ أمامه. من يدري إن كان يقبلكم ويرحمكم [6] إنني أُمَجِّد إلهي، ونفسي تُعَظِّم ملك السماء، وتبتهج بجلاله [7]. ليتحدث الكل عن جلاله، ويشكروه في أورشليم [8].
افتتح طوبيت صلاته بتقديم ذبيحة التسبيح، جاء فيها الآتي:
أولاً: يقول: "مبارك هو الله الحيّ إلى كل الأجيال" [1]. أعماله المجيدة في كل الأجيال تعلن أن مؤمنيه الذين يجعل منهم الربّ أناسًا مباركين، يختبرون عربون السماء وهم على الأرض، يجعل السمائيين يُسَبِّحونه قائلين: "مبارك هو الله" العامل في البشرية في كل الأجيال. لله القدوس شهود في كل الأجيال. ففي الماضي منذ سقوط الإنسان، عمل في هابيل وشيث وأخنوخ ونوح... كما عمل في حياة الذين عاشوا تحت الناموس الموسوي وكان له شهود قديسون حتى في أرض السبي، وسيبقى عاملاً في البشرية إلى يوم مجيئه الأخير.
يليق بالإنسان أن يدرك أن محبوبه العجيب حتى في تأديبه له إنما يطلب أن يرفعه ليستقر في أحضانه، ويتمتع بشركة أمجاده. هذه هي الحياة المُطوَّبة الصادقة.
ثانيًا: ربما يتعثَّر البعض في وسط الضيقات ويتساءلون: أين هي مراحم الله وأعماله العجيبة؟ لكن في طول أناته يُحَوِّل الضيقات إلى بركات فائقة كما حدث عمليًا في حياة طوبيت وأسرته ورعوئيل وأسرته. قد يؤدِّب لكنه لا ينتقم من الخطاة لتدميرهم، إنما لكي يعلن مراحمه خلال التأديب، برجوعهم إليه وتمتعهم بعطاياه هنا وأيضًا في الحياة الأبدية.
* حقًا إن المصاعب هي وسائل عظيمة وسامية لتختبر الإنسان وتُعَلِّمه فضيلة الصبر. وبالحقيقة أشكال مختلفة للضيقات. إنسان يُختبَر بالمرض المستمر، وآخر بالفقر الشديد، وآخر خلال العنف والظلم، وآخر يتعذَّب بالفقدان المستمر والدائم للأبناء والأقرباء، وآخر يرذله الكل ويحسبونه تافهًا، وآخر يحزن بطريق آخر .
القديس يوحنا الذهبي الفم
ثالثًا: ليس عند الله محاباة، فإذ انحرف سكان أورشليم وخدَّام الهيكل، يؤدِّبهم إلى حين، وستُهدَم المدينة والهيكل، ويؤخذ سكانها في السبي. وإذ يرجعون إلى الربّ يُظهر الربّ رحمته ويردّهم من السبي وتُبنَى المدينة والهيكل، ويقبل الله عبادتهم وتقدماتهم.
رابعًا: كما يرُدْ الربّ المسبيين من شعبه، سيعلن نفسه للأمم فتقبل الإيمان به، وستقدم عبادة مفرحة. بهذا يجتمع الشعب مع الشعوب، ويفرح أبناء البرّ من اليهود كما من الأمم.
خامسًا: إذ يتحدث عن إعادة بناء أورشليم وقبول الأمم يعلن أنها ستكون أيقونة لأورشليم العليا.
* لتعلموا أن هذه الصلاة هي حديث مع الله. اسمعوا النبي يقول: "فيلذ الله حواري[2]"، أي ليكن كلامي جالبًا للسرور أمام عينيّ الله.
ألا يستطيع أن يخدمنا قبل أن نسأله؟ إنه ينتظر حتى نُقَدِّم له الفرصة، فيجعلنا أهلاً لعنايته. وسواء نلنا ما طلبناه أم لا، فلنواظب على صلواتنا، ونشكره لا حينما ننال طلبتنا فحسب، بل وحينما لا ننالها. وإذا ما شاء الله ذلك ألا يجيب سؤالنا لأن ذلك فيه خير لنا، نشكره كما لو كنا قد نلنا ما نطلبه في الصلاة. فإننا لا نعرف ما هو الخير بالنسبة لنا كما يعلم هو. لهذا يليق بنا أن نشكر، سواء نلنا طلبتنا أو رُفِضَت .
* يمدح الرسول (القديسين الفقراء) لأنهم يشكرون من أجل ما قُدِّم للآخرين من عطايا بالرغم من فقرهم... فإن هؤلاء الناس متحررون من هذا الهوى (الحسد) حتى أنهم يفرحون من أجل البركات المقدمة للآخرين .
* لتشكر الله ولتسبح ذاك الذي يختبرك في الأتون. لتنطق بالتسبيح عوض التجديف هذا هو الطريق الذي به عبَّر ذاك الطوباوي عن نفسه .
القديس يوحنا الذهبي الفم
* في ضيقتنا يلزمنا أن نحب الله، لا أن نُفارِقه. فإن فرح الضيق غالبًا ما يأتي بعد ذلك. طوبى لمن هو في ضيقٍ ولا يُترَك، ويسلك حسب الناموس .
القديس أمبروسيوس
يقول طوبيت: "وأنا أشكره في أرض السبي وأعلن قدرته وجلاله لأمة الخطاة. ارجعوا أيها الخطاة واصنعوا البرّ أمامه. من يدري إن كان يقبلكم ويرحمكم [6]
* إن العالم سيحمل لنا بغضة، وأنه سيثير اضطهادات ضدنا، وأن ما يحدث مع المسيحيين ليس بالأمر الجديد، إذ من بدء العالم يعاني الصالحون، ويُضغط على والأبرار ويقتلهم الأشرار...
وإذ تكرَّس دانيال لله وكان مملوءً من الروح القدس أوضح ذلك بقوله: "لست أعبد شيئًا سوى الربّ إلهي الذي خلق السماء والأرض (بعل والتنين، 5). طوبيت أيضًا بالرغم من كونه تحت عبودية ملوكية طاغية إلاَّ أنه إذ يشعر بحرية الروح احتفظ باعترافه بالله، وأعلن بطريقة سامية عن القوة الإلهية وجلالها، قائلاً: "في أرض سبيي سبحته وأعلنت عن قوته وجلاله لأمة خاطئة" (طو 13: 6) .
الشهيد كبريانوس
2. إعادة بناء أورشليم [9- 10]

يا أورشليم، أيتها المدينة المقدسة، إنه سيؤدبك من أجل أعمال بنيك. لكنه يعود فيُظهر رحمة لأبناء البرّ [9] اشكري الرب الخيِّر، وباركي ملك الآباء لكي يعود يبني مسكنه فيكِ بالفرح. يعطي فرحًا للأسرى، و(يحب) الحزانى فيكِ إلى كل أجيال الدهر [10].
ماذا يقصد ببناء أورشليم؟
‌أ. بناء مدينة أورشليم وإعاده بناء الهيكل بعد عودة اليهود من السبي البابلي.
‌ب. أورشليم الجديدة، كنيسة الله المتمتعة بعمل الصليب والقيامة.
‌ج. قلب المؤمن حيث الله ملكوته فيه.
‌د. أورشليم العليا أو الفردوس السماوي.

3. رجوع الأمم لله [11- 18]

سيأتي من الأمم كثيرون من بعيد لاسم الرب الإله، يحملون في أياديهم هدايا وتقدمات لملك السماء أجيال فأجيال سيقدمون لك عبادة مفرحة [11] ملعونون كل الذين يبغضونكِ، ومباركون جميع الذين يحبونكِ إلى الأبد [12]. افرحي وابتهجي جدًا لأن أبناء البرّ سيجتمعون معًا، ويباركون رب الأبرار [13]. مباركون هم الذين يحبونكِ، فسيفرحون في سلامكِ. (مغبوطون) هم الذين يحزنون على كل تأديبك، لأنهم عندما يرون كل مجدك ِ سيفرحون ويبتهجون بكِ إلى الأبد [14]. لتبارك نفسي الله، الملك العظيم [15]. ستُبنَى أورشليم بالياقوت والزمرد، وتُبنَى أسواركِ بالحجر الكريم، وأبراجك وحصونك بالذهب الخالص [16]. تُرصف طرق أورشليم بالزبرجد والبلور وحجارة مرصعة من أوفير [17] كل شوارعها تعلن "الليلويا"، وتقدم تسبحة قائلة: مبارك هو الله الذي تمجدكِ كل الأجيال [18].
هذه النبوة تحققت بترك الأمم العبادة الوثنية وقبول الإيمان كما تنبأ الأنبياء (إر 3 :17؛ 16 :19).
يحسبها أورشليم الجديدة التي تمجد الله:
أ. تُبنَى بالياقوت الأزرق والزمرد [17]، أي بالمؤمنين كحجارةٍ ثمينةٍ.
ب. يسودها روح الفرح: "كل شوارعها تنشد الليلويا" [18].
ج. يملك الربّ نفسه فيها، ويهبها المجد [18].
د. تنبأ طوبيت عن إعادة بناء الهيكل ورجوع اليهود من السبي والتمتُّع بالعبادة في أورشليم، كما عن كنيسة العهد الجديد التي تضم الشعوب والأمم.
من وحي طوبيت 13

عجيبة هي أعمال محبتك يا إلهي
* هب لي يا ربّ أن تفتح عينيّ،
فأراك مهتمًا بي حتى في تأديباتك لي.
لك المجد يا من تؤدِّب وترحم،
تنزل إلينا لكي تحملنا بحُبِّك ورعايتك إلى أمجادك.
كم كان قاسيًا على طوبيت أن يرى شعبه مسوقًا إلى أرض السبي!
سمحت له أن يُحمَل إلى أرض السبي،
كي يتلامس بالأكثر مع محبتك الله.
حُرِم من احتفالات العيد بأورشليم،
فانفتح باب للخدمة لدى المسبيين.
سمح الله له بفقدان البصر، فنال بصيرة الروح.
سمح له بتعييرات زوجته له،
فنال بركة الاحتمال، ونَمَت محبتهما لبعضهما البعض في الربّ.
عاش ابنه طوبيا مُتغرِّبًا في أرض السبي،
فوجد عروسًا تحمل رمزًا لكنيسة العهد الجديد.
هل كان طوبيت يتوقَّع لابنه أن يرتبط بأسرة مقدسة مثل رعوئيل وعدنا.
لو أنه عاش في أرض إسرائيل، هل كان قد تمتَّع بخدمة رئيس الملائكة له؟!
ما أعظم حُبّك لنا، حيث تحوّل متاعبنا إلى أمجادٍ وأفراحٍ!
يا لخطتك العجيبة لنا، تفوق مداركنا، وتدخل بنا إلى معرفة أسرارك الإلهية.
* كشفت يا ربّ أسرارك لطوبيت الذي كان تحت السبي.
رأى أورشليم تسقط تحت التأديب، لكي تعود فتبني مسكنك المقدس بالفرح!
حُرِم من الذهاب في أيام الأعياد إلى هيكل أورشليم،
فإذا به يرى الأمم قادمين من بعيد يعبدون الربّ في أورشليم الجديدة.
رأى اجتماع الشعب مع الشعوب في كنيسة العهد الجديد، أيقونة أورشليم العليا.
  رد مع اقتباس
قديم 19 - 11 - 2022, 06:51 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,765

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر طوبيا

تفسير سفر طوبيا




الأصحاح الرابع عشر

كلمات طوبيت الختامية


وصيتان وداعيتان

قدَّم طوبيت لابنه طوبيا وصيتين وداعيتين (طو 4، 14):
الأولى: عندما صارت حنة امرأته تُعيِّره، لأنه فقد بصره، وحسبت هذا دليلاً على أن عبادته وصدقته ودفنه للقتلى لم تصدر عن قلب نقي بل خلال المظاهر الخارجية. لقد قَدَّم تسبحة وصلاة واشتهى الموت.
اعتاد طوبيت أن ما يطلبه من الله يعطيه له. أما الله فلم يسمح بموته السريع حتى يختبر أن كل الآلام التي من الخارج والداخل تتحوَّل إلى بركات له ولزوجته ولابنه ولأقربائه وبني سبطه.
ظن أن الله سيسمح بخروج نفسه من الجسد فورًا، فقدَّم لابنه الوصية الوداعية الأولى.
الثانية: بعد أن شاخ وردّ له الله أكثر مما كان يتوقَّع، فقد شفى عينيه، وتحوَّل بيته إلى فرحٍ عجيبٍ، وتزوج ابنه طوبيا سارة بعد أن خلَّصها رئيس الملائكة رافائيل من الشيطان الذي كان يميت كل من يتقدَّم للزواج منها، ووهب الله طوبيت أن يُرافِق رئيس الملائكة ابنه، ويقوم بحراسته، ويسنده حتى عاد متهللاً. قَدَّم طوبيت الوصية الثانية لابنه وهو في أيامه الأخيرة، وربما كان على فراش الموت.
بين الوصية الأولى والوصية الثانية

تكشف الوصيتان عن تقوى طوبيت وحرصه على خلاص نفسه وخلاص الكثيرين. غير أن الله لم يكشف لطوبيت قبل نطقه بالوصية الأولى ما كشفه له قبلما نطق في الوصية الثانية.

الوصية الثانية
1. في هذا الأصحاح جاءت الوصايا ملتحمة بالنبوات والشكر الدائم. في أيامه الأخيرة أو في يومه الأخير قَدَّم تشكرات لله [2]. ليبرز لابنه ولكل من يقرأ السفر أن حياة الشكر لم تُفارِقه حتى النفس الأخير. حقًا لم يُحَرِّره الربّ من السبي، لكنه وهبه عربون السماء حتى في خروجه من العالم.
2. أبرز حرصه على خلاص أحفاده [3]. كما اهتم بتقديم وصايا لابنه خاصة عندما ظن أنه سيموت، وأيضًا عند انطلاق ابنه في رحلته مع رئيس الملائكة، هكذا طلب من ابنه أن يعتني هو أيضًا بأبنائه [3].
3. نبوته عن نينوى: أكد طوبيت لابنه أن نبوات الأنبياء الخاصة بدمار نينوى ستتحقَّق، لذا سأله أن بعد موته وموت أمه، ينطلق مع سارة زوجته وأولاده السبعة ويرحل إلى ميديا عند حماه وحماته فستكون أكثر أمانًا من نينوى.
4. نبوته عن أورشليم: ربما يتساءل البعض لماذا لم يطلب من ابنه وعائلته أن يحاولوا الرحيل إلى أورشليم أو مدينة من مدن يهوذا عندما تسمح الظروف بذلك، كي يتمتَّعوا بمدينة الله وهيكل الربّ.
غالبًا ما كشف الله لطوبيت أن شعب يهوذا سيعصى الله، وستسقط مدينة أورشليم تحت السبي البابلي، وستُدمَّر المدينة وهيكل الربّ. وكأن نبوة طوبيت عن مدينة أورشليم وهيكل الربّ ليست خبرًا يكشف عن عظمة طوبيت وإدراكه لنبوات التي ستتحقق في المستقبل، وإنما غايتها ألا يحزن طوبيا وعائلته أنه سيرحل إلى ميديا شرق نينوى وليس إلى أورشليم في الغرب منها.
الخطوط العريضة في حياة طوبيت

أولاً: منذ ميلاده حتى أُقتيد إلى السبي بنينوى، في أرض إسرائيل كان سخيًا في عطائه للمحتاجين، يمارس عبادته في الأعياد في مدينة أورشليم. ويُقَدِّم عشوره وباكورات محاصيله وحيواناته للهيكل كما للفقراء.
ثانيًا: في السبي الأشوري طلب سنحاريب أن يقتله، لأنه كان يدفن جثث القتلى، فهرب.
ثالثًا: عاد بعد موت سنحاريب، وفقد بصره وهو ابن ثمانية وخمسين عامًا.
رابعًا: استعاد بصره بعد ثمان سنوات، أي حُرِم من كثير من ممارسة أعمال المحبة، خاصة دفن الموتى بسبب فقدان بصره.
لقد حُرِم من العمل بسخاء، فلم يقدر أن ينفق على بيته وعلى المحتاجين. غير أنه في كل ظروفه هذه حتى لحظات انتقاله لم يكف عن الشكر لله والتسبيح. هذا وقد وهبه الله نمو في البصيرة الداخلية كما كشف عن بعض الأحداث القادمة كي يتعزَّى ويُعَزِّي ابنه وأحفاده وكل من يقرأ ما سجَّله.
1. طوبيت بعد أن استعاد بصره [1- 2]

فرغ طوبيت من الشكر [1] كان ابن ثمانية وخمسين سنة عندما فقد بصره، وبعد ثمان سنوات استعاد بصره. قدم طوبيت صدقات واستمر في مخافة الرب الإله، وقَدَّم تشكُّرات له [2].
2. نبوة طوبيت عن نينوى [3- 4 أ]

وشاخ جدًا ودعا ابنه وأبناء ابنه الستة، وقال: "يا ابني اعتني ببنيك. انظر لقد شخت، وها أنا راحل من هذه الحياة [3]. ارحل إلى ميديا يا ابني، فإنني أثق في كل كلمات يونان النبي التي قالها بخصوص نينوى أنها ستخرب. لكن في ميديا يوجد سلام أكثر إلى حين. فإن إخوتنا على الأرض سوف يتشتتون في الأرض الطيبة [4].
كان من عادة الآباء عند نياحتهم أن يجمعوا حولهم أبناءهم ليباركوهم ويوصوهم ويحذروهم، ولا شك أن الإنسان عند انتقاله يكون أصدق ما يكون بحيث لا يقدر على إخفاء الأسرار، فيضع أمام أولاده ومحبيه كل عصارة خبرته، وقد فعل إسحق ذلك مع ابنه يعقوب وكذلك فعل يعقوب الأمر نفسه مع بنيه الاثني عشر "وَلَمَّا فَرَغَ يَعْقُوبُ مِنْ تَوْصِيَةِ بَنِيهِ ضَمَّ رِجْلَيْهِ إلَى السَّرِيرِ وَأسْلَمَ الرُّوحَ وَانْضَمَّ إلَى قَوْمِهِ" (تك 49: 33).
ونحن نقرأ في سير الآباء، أنه عند نياحة أحدهم، كان يجتمع حوله بقية الآباء يسألونه لينتفعوا، ويتمتعوا بما قد يكشفه لهم من أسرار، وبظهور بعض القديسين له.
طوبيت هنا ينصح عائلته بالاتجاه إلى ميديا شرقًا، حيث من المؤكد أن دمار نينوى قد أوشك، بحسب نبوة ناحوم النبي، التي تعتبر أكثر النبوات صراحة ووضوحًا، فيما يتعلَّق بخراب نينوى وتحولها إلى ركام، وظهور انتقام الله لليهود الذين ذاقوا فيها الذل والاضطهاد.
* في الماضي في أيام يونان تاب أهل نينوى وطلبوا المغفرة، لكن بعد ذلك إذ أَصرّوا على خطاياهم جلبوا حكم الله عليهم .
القديس چيروم
أما عن بلاد مادي في ذلك الوقت،فقد صارت قوة عظيمة في الفترة من 674 إلى 653 ق.م. حتى انتهت أشور كإمبراطورية، كانت بلاد مادي ما تزال آمنة قوية وغنية.
ما يزال طوبيت الشيخ مهتمًا بأولاده، لا يكف عن توصيتهم، حتى وهو على فراش الموت، ففي هذه الجلسة الوداعية Deathbed Council يوصى نسله، بذات الوصايا التي عاش فيها، وسبق أن أعطاها لطوبيا ابنه، واليوم يعود فيرددها أمام الأحفاد، ثم يرجوهم بأن يدفنوه هو وزوجته حنة معًا في قبرٍ واحدٍ، كعادة الآباء في الاهتمام بعظامهم وضمها جنبًا إلى جنب مع عظام الآباء والأجداد.
3. نبوة طوبيت عن أورشليم [4 ب-5]

أورشليم ستكون خرابًا. وسيحُرق بيت الله الذي بها، ويكون خرابًا إلى حين [4 ب].
لكن الله يعود ويرحمهم، ويُردّهم إلى أرضهم، فيبنون البيت، ولكن ليس كما كان سابقًا، حتى تتم الأزمنة. بعد ذلك يعودون من السبي ويبنون أورشليم بكرامةٍ. بيت الله يُبنَى فيها كمبنى مجيدٍ لكل جيلٍ فجيلٍ، كما قال النبي عنها (حج 1: 1-15) [5].
تم هذا السبي الذي يقصده طوبيا، وهو السبي الثاني ويُسمَّى سبي يهوذا، حيث تنبأ عنه أيضًا إشعياء النبي: "فَسَأَلْتُ: إِلَى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ؟ فَقَالَ: إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْمُدُنُ خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ، وَالْبُيُوتُ بِلاَ إِنْسَانٍ، وَتَخْرَبَ الأَرْضُ وَتُقْفِرَ. وَيُبْعِدَ الرَّبُّ الإِنْسَانَ وَيَكْثُرُ الْخَرَابُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ". 6: 11-12)، وميخا النبي: "لاَ تُخْبِرُوا فِي جَتَّ لاَ تَبْكُوا فِي عَكَّاءَ. تَمَرَّغِي فِي التُّرَابِ فِي بَيْتِ عَفْرَةَ". (مي 4: 10). وكذلك إرميا النبي حيث صرح بأنه سيكون سبعين عامًا "اَلْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا عَنْ كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا" (هِيَ السَّنَةُ الأُولَى لِنَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ). وَتَصِيرُ كُلُّ هَذِهِ الأَرْضِ خَرَابً وَدَهَشً وَتَخْدِمُ هَذِهِ الشُّعُوبُ مَلِكَ بَابِلَ سَبْعِينَ سَنَةً. وَيَكُونُ عِنْدَ تَمَامِ السَّبْعِينَ سَنَةً أَنِّي أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَتِلْكَ الأُمَّةَ يَقُولُ الرَّبُّ، وقد تم سبي يهوذا على يد نبوخذنصر على أربعة مراحل، في سنة 605 ق.م.، وسنة 597 ق.م.، وسنة 587 ق.م.، وسنة 582 ق.م. كَانَ يَهُوآحَازُ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ وَعَزَلَهُ مَلِكُ مِصْرَ فِي أُورُشَلِيمَ وَغَرَّمَ الأَرْضَ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَبِوَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَمَلَّكَ مَلِكُ مِصْرَ أَلِيَاقِيمَ أَخَاهُ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يَهُويَاقِيمَ. وَأَمَّا يَهُوآحَازُ أَخُوهُ فَأَخَذَهُ نَخُو وَأَتَى بِهِ إِلَى مِصْرَ. كَانَ يَهُويَاقِيمُ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلَهِهِ. عَلَيْهِ صَعِدَ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَقَيَّدَهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَابِلَ وَأَتَى نَبُوخَذْنَصَّرُ بِبَعْضِ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى بَابِلَ وَجَعَلَهَا فِي هَيْكَلِهِ فِي بَابِلَ (2 أي 36: 2-7). وكان من بين المسبيين دانيال والثلاثة الفتية ووجهاء البلاد، واستمر هذا السبي حتى أصدر كورش الملك الفارسي قرارًا بعودة اليهود من السبي وبناء أورشليم والهيكل، حيث ردّ لهم جميع ما سُلِب من الهيكل، وقد عاد اليهود سنة 538 ق.م. وشرعوا في إعادة البناء وإعمار البلاد، حيث تم بناء الهيكل في سنة 515 ق.م.
وَكَثِيرُونَ مِنَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَرُؤُوسِ الآبَاءِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ رَأَوُا الْبَيْتَ الأَوَّلَ بَكُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ عِنْدَ تَأْسِيسِ هَذَا الْبَيْتِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ. وَكَثِيرُونَ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالْهُتَافِ بِفَرَحٍ. وَلَمْ يَكُنِ الشَّعْبُ يُمَيِّزُ هُتَافَ الْفَرَحِ مِنْ صَوْتِ بُكَاءِ الشَّعْبِ، لأَنَّ الشَّعْبَ كَانَ يَهْتِفُ هُتَافً عَظِيمً حَتَّى أَنَّ الصَّوْتَ سُمِعَ مِنْ بُعْدٍ (عز 3: 12-13).
وقد عاين طوبيا تحقيق نبوة أبيه، ودمرت نينوى بتحالف نبوبلاسر مع كيكساريس ملك ميديا، حيث ساعدهما في ذلك فيضان نهر دجلة، وقد قام ملك ميديا بأسر عدد كبير من سكان نينوى إلى ميديا، ومن ثم صارت مملكة مادي قوية إذ اشتملت على فارس وتوابعها.
وعاش طوبيا وسارة وأولادهما وأحفادهما في سلام وهم ينتظرون خلاص الرب والعودة إلى أورشليم.
4. نبوة عن رجوع الأمم إلى الله [6- 7]

وترجع كل الأمم ويخافون الرب الإله الحق ويدفنون أصنامهم في الأرض، وستبارك كل الأمم الرب [6].
فيشكر شعبه الله ويحمدونه، فيرفع الرب شعبه، ويبتهج كل الذين يحبّون الرب الإله بالحق والبرّ. هؤلاء يُظهرون رحمة لإخوتهم [7].
5. التشديد على الرحيل من نينوى [8- 11 أ]

لهذا يا بني ارحل من نينوى حيث ما قاله النبي يونان سيتحقَّق دون شكٍ [8]. واحفظ الشريعة والفرائض. كن رحومًا وبارًا فيكون لك الخير [9]. اهتم بدفني، وادفن أمك معي، لكن لا تُقِمْ في نينوى. لاحظ يا ابني ما فعله هامان مع أحيور الذي ربَّاه. كيف قاده من النور إلى الظلمة، وكيف جازاه بشدة. بالحقيقة أُنقِذ أحيور أما ذاك الرجل فقد جوزي ونزل إلى الظلمة. منسى قَدَّم صدقة وخلص من مصيدة الموت التي نُصبت له [10]. الآن إذن انظروا يا أبنائي ما تفعله الصدقة وكيف يخلصنا البرّ.
أَخيكار: كلمة عمونية معناها (أخي النور). هو ابن أخي طوبيا الشيخ، وقد عمل كوزير ومستشار لكل من الملك سنحاريب ثم الملك أسرحدون، إذ لم يكن له ابن فقد تَبَنَّى ابن أخيه واسمه ناداب (كلمة عبرية معناها كريم) ولما كان أخيكار حكيمًا وأديبًا وفيلسوفًا ، فقد لقَّن ناداب الحكمة وأَعدَّه إعدادًا جيدًا ليخلفه في الوظيفة، فلما اشترك معه في وظيفته، انقلب عليه وتنكَّر لحكمته ونصائحه، فوشى به لدى الملك الذي عذَّبه ثم ألقاه في السجن، ولكن السجان والذي هو ضمن تلاميذ أخيكار أسدى إليه معروفًا بأن خبأه، ولما تغيرت الأحوال، رد إلى وظيفته، فوجه إلى ناداب سلسلة من عبارات اللوم والتوبيخ ثم ألقاه في السجن حيث بقى فيه حتى مات.
وقد صار الأمر معروفًا بين اليهود هناك، لا سيما وأن أخيكار يهودي من عائلة طوبيا، ومن هنا فإن طوبيا الشيخ يضع القصة هنا أمام عائلته كعبرة، باعتبار أن أخيكار كان خيرًا مع ناداب مقابل شر الأخير.
وقد شارك أخيكار وناداب ابن أخيه في عُرْسِ طوبيا الابن بعد عودته من راجيس "وقَدِمَ أَخيكارُ ونادابُ اَبْنا عَمِّه يُشارِكانِ طوبيت في الفَرَح. (طو 11: 18) أخيكار الذي كان يسكن في ألمايس (عيلام) قد لازم طوبيت لمدة سنتين متكفلًا بنفقاته وذلك عقب إصابته بالعمى، قبل أن يرجع إلى عمله ومكان سكناه (طو 2: 10).
وكما أعطى طوبيت لابنه وصايا لكي يحيا بها (طو 4: 1 إلخ.)، فهو لم يَنْس أن يعطي لأبناء ابنه، أيْ أحفاده، وصايا أيضًا كي تسندهم في أيام غربتهم على الأرض. فأول وصية ينبههم إليها هي الطاعة والخضوع في الرب (أف 1:6) ولأبيهم (طو 10:14)، وهو ما أوصى به سليمان كل شاب أيضًا قائلًا له: "اسمع لأبيك الذي ولدك ولا تحتقر أمك إذا شاخت" (ام 22:23).
وقد يتبادر إلى الذهن لماذا أطيع وأخضع لوالديّ؟!
يقول بولس الرسول: "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق. أكرم أباك وأمك التي هي أول وصية بوعدٍ. لكي يكون لكم خير وتكونوا طوال الأعمار على الأرض" (تث 16،5، أف 6: 1-3).
وكان الناموس يعاقب من لا يسمع لأبيه أو أمه ويكون معاندًا لهما ولا يقبل التأديب بأن يمسكانه ويأتيان به إلى شيوخ المدينة ويقولان لهم: "ابننا هذا معاند لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكير"، فبالتالي يحكمون عليه بالرجم ويرجمونه حتى الموت لكي ينزع الشر من بني إسرائيل، ولكي يكون سبب تأدب وعبرة لغيره من إسرائيل (تث 21: 18-21). لهذا يقول سليمان الحكيم: "العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر" (أم 17:30). وهذا ما أَكَّده القديس بولس الرسول حينما قال عن بعض الخطايا ومن بينها عدم الطاعة للوالدين: "إن الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت... لأن غضب الله مُعلَن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم" (رو 1: 30-32).
يقول ابن سيراخ: "من أكرم أباه يكفر خطاياه. ومن يمجد أمه يكون كمدخر الكنوز. من أكرم أباه يسرّ بأولاده، وحين يصلي يُستجَاب له. من يُعَظِّم أباه تطول حياته، ومن يُطيع الربّ يُرِيح أمّه" (سي 3: 3-6).
لم يكتفِ طوبيت أن يوصى أحفاده لكنه يمتد بوصيته إلى أبنائهم أيضًا. فطوبيت الذي ذاق ثمر الصدقة في حياته. وأكد له الملاك على أهميتها يشدد على أبنائه لكي يمارسوها في حياتهم ويعلموا بنيهم ممارستها أيضًا. ولا ينسى أن يركز على علاقتهم المباشرة مع الله من خلال حياة التسبيح والشكر في كل حين وبكل طاقتهم. فهنا ينبههم إلى الوصية القائلة: "فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" (تث 6: 5، مت 22: 38). وهذه الوصية هي التي عاش بها يوشيا الملك حيث قيل عنه: "ولم يكن قَبْلَهُ ملك مثله قد رجع إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب كل الشريعة وبعده لم يقم - أيْ إلى وقت كتابة سفر الملوك الثاني - مثله - أي مثل يوشيا الملك" (2 مل 25:23).
6. رحيل طوبيت ثم طوبيا [11 ب- 15]

بعد أن قال هذه الأمور رحلت نفسه وهو راقد على السرير. كان عمره مئة وخمسة وثمانين سنة. وقام طوبيا بدفنه بكرامةٍ [11].
وعندما ماتت حنة دفنها مع أبيه. عندئذ رحل طوبيا ومعه زوجته وأولاده إلى احمتا (اكباتانا) عند حماه رعوئيل [12].
شاخ بوقار ودفن حموية بكرامةٍ وورث ممتلكاتهما مع ممتلكات طوبيت أبيه [13].
مات طوبيا في أحمتا بميديا عندما بلغ مئة وسبعة وعشرين عامًا [14]. لكن قبل أن يموت سمع عن دمار نينوى بواسطة نبوخذنصر وأحشويرش. هكذا فرح بسبب ما حدث لنينوى (كتحقيق لنبوة أبيه طوبيت) قبل موته [15].
خاتمة

نجد أن طوبيا أطاع كلام أبيه من حيث دفن والدته بجانبه (طو 14:14)" مثل الآباء الأولين وارتحل عن نينوى ذاهبًا إلى حموية وعاش معهما حتى تنيّحا بشيخوخة صالحة، وكان يهتم بهما ودفنهما جنبًا إلى جنب وأخذ كل ميراثهما. ولأنه نَفَّذَ وصية أكرم أباك وأمك نجده يأخذ وعدها - أي بركتها - من جهة طول أيام حياته على الأرض وهو له كل خير.
طلب طوبيت من ابنه أن يتطلَّع إلى عمل الله القادم لخلاص الأمم [6]. تنبَّأ عن عودة إسرائيل من السبي وإعادة بناء الهيكل، لكنه لا يكون مثل الهيكل الأول من جهة عظمة المبنى. هذه النبوة تنطبق على هيكل العهد الجديد الذي ليس مثل هيكل سليمان القاصر على اليهود، إنما يضم جميع الأمم التي على الأرض التي تتقي الله بالحق [6-7]، وتترك عبادة الأوثان.
طلب منه ومن نسله أن يحفظوا الوصية الإلهية، خاصة الصدقة.
من وحي طوبيت 14

هب لي يا ربّ البصيرة الروحية
* شاخ طوبيت ورأى ابنه ومعه أحفاده الستة.
ضعف جسد طوبيت، فاستنارت بصيرته.
طلب من ابنه أن يرحل مع أحفاده لا إلى أورشليم بل إلى ميديا.
أنقذ طوبيت ابنه وأحفاده من الخراب الذي كان سيحل بنينوى.
ما أروع أن نشعر أن إلهنا بحكمته يُدَبِّر حتى اللحظات الأخيرة من حياتنا.
لك المجد يا من ترعانا حتى النفس الأخير!
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
طوبيت 12 - تفسير سفر طوبيا
طوبيت 11 - تفسير سفر طوبيا
طوبيت 10 - تفسير سفر طوبيا
طوبيت 3 - تفسير سفر طوبيا
تفسير سفر طوبيا


الساعة الآن 08:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024