حاجتنا إلى الصلاة
الراهب القمص بطرس البراموسي
قد يظن البعض أن الاحتياج إلى الصلاة قد يأتي وقت الضيقة أو المشاكل أو السقطات في الخطايا المدمرة للإنسان، وطالما الله يُظَلِّل على الإنسان بِسِتر جناحيه، يبعد الإنسان عن هذه المعونة بل البركة التي يأخذها مَنْ رفع يديه إلى الله.
* ولكن الإنسان الروحي يشعر باحتياجه إلى الصلاة في الأمور التي يقدر عليها والتي لا يقدر عليها، فهو يحتاج إلى معونة قوية...
* يحتاج إلى الصلاة في وقت الهدوء والسلام وفى وقت الحرب والضيقات... في الصباح والمساء.. في الطفولة والشباب والشيخوخة... بل قد أتجاوز في الكلام وأقول انه من الممكن أن يصرخ مع داود النبي قائلًا: "أَمَّا أَنَا فَصَلاَةٌ" (سفر المزامير 109: 4). ولكنني أتساءل هنا وأقول متى استطيع أن أقول ذلك أو متى تتحول حياتي إلى الصلاة ومازال البعض يشكو من ضيق الوقت وكثرة الأعباء والأشغال بل والمشغوليات التي تقضى على اليوم... والبعض يشكو من ضيق المكان وكأن الصلاة أصبح من أهم شروطها أنها لا تقبل إلا إذا كانت في مكانا منفردًا....
* فالإنسان يحتاج إلى الصلاة من أجل نفسه أيضًا وليس فقط من أجل الغير... كلًا منا يحتاج أن يصلي من أجل نفسه حتى لا يُعْثَر ولا يعلم تعليما قد يهدمه بسهولة بتصرفاته المخالفة له... "فهو لا يعمل بما ينطق" ولذلك يقول القديس جيروم "لا تجعل أعمالك تخالف أقوالك لئلا حينما تقف وتتكلم في الكنيسة يجاوبك إنسان ويقول لك ولماذا لا تطبق ما تنطق به"...فأنت أيها الحبيب محتاج إلى الصلاة من اجل نفسك..
* وأيضًا محتاج للصلاة من اجل نجاح خدمتك للآخرين... حتى الأمور التي أنت تخدم فيها عمليا (الأسرة، الأقارب، الكنيسة، المجتمع، والأعمال الخيرية) يجب أن تصلى من أجل أن يكون فيها بركة ويمد الله يده لها.. فيبارك وتأتى بالثمر المطلوب... ولكي يكون روح الله معك فيعطيها نعمة فتنجح أنت في الخدمة التي تؤديها ويفرح بها الآخرين..
* وقد نجد بعض الخدام النُّشطاء يبحثون عن طرق جديدة للخدمة ويهتمون بالأنشطة والرحلات والمؤتمرات وما إلى ذلك ولكن قد ينسوا في وسط هذه المشغولية بالخدمات الأيدي المرفوعة للصلاة من اجل نجاح هذه الخدمات... فخدمة بدون صلاة تتساوى مع الأنشطة الاجتماعية التي تقوم بها النوادي العامة المفتوحة لكل فئات أطياف الشعب... ولكن ما يميز خدمتنا الروحية أنها متكاملة ويسبقها صلاة...
* فنحن نحتاج في هذا العصر إلى الخادم المصلى بجانب الخادم المبتكر والخادم المتكلم والخادم القائد... كل هذه الفئات مطلوبة ولكن الاحتياج الأكثر هو للأيدي المرفوعة للصلاة والركب الساجدة بخشوع لكي ينجح الرب خدمتنا ويبارك فيها....
* وقد تكون نظرة البعض إلى الله إنه إله المستحيلات وإله النجدة في الضيقات وهو بالفعل كذلك تبارك اسمه ولكن هل سنستمر في أسلوبنا هذا أن لا نلتجئ لله ونصلى بعمق إلا في وقت الضيقة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... هل إلهنا الحنون سيتحول إلى أداة نداء وقت الضيقة والألم والمرض وما إلى غير ذلك.... حقيقة إذا انتهجنا هذا النهج فسوف نخسر بركة الصلاة... بل من الممكن أن نفتقد دالتنا عند الله عندما لا نذكره إلا في الشدائد والضيقات... ومع ذلك نجد الإنسان الذي يسلك هذا السلوك يقول محاجا الله "إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟" (سفر المزامير 13: 1). الله لا ينسى أحدا لأنه يقول "إن نسيت الأم رضيعها فأنا لا أنساك" (سفر إشعياء 49: 15)، ولكن حقيقة أن الإنسان هو الذي ينسى الله في أمور كثيرة...
* هلم بنا نرجع إلى الله وندرك أننا نحتاج إلى ذكر اسمه القدوس في كل لحظة من لحظات حياتنا.
ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.