جلس الشيطان وقوات الظلمة ورؤساؤها منذ تعدي الوصية، في قلب آدم وعقله وجسده كأنه عرشهم. لهذا جاء الرب وأخذ جسده من العذراء. لأنه لو شاء أن ينزل إلينا بلاهوته المكشوف بدون جسد، من كان يستطيع أن يحتمل ذلك؟ لهذا تكلم مع الناس بواسطة الجسد كأداة. بهذه الوسيلة قضى على أرواح الشر التي كانت قد اتخذت لها كرسيًا في الجسد، أي عروش العقل والفكر التي سكنت فيها، فقام الرب بتطهير الضمير وجعل لنفسه عرش العقل والأفكار والجسد[69].
من لا يعرف أن الحذاء يُصنع من جلد الحيوانات الميّتة؟! إذ صار الرب متجسّدًا، يظهر بين الناس كمن هو محتذي، إذ لبس لاهوته غطاءً قابلاً للموت لذلك يقول النبي: "على أدوم أطرح نعلي" (مز 60: 8). لقد أُشير للأمم بأدوم... خلال الجسد صار معروفًا لدى الأمم، كما لو أن اللاهوت قد جاء إلينا بقدم محتذي. لكن لا يمكن للعين البشريّة أن تخترق سرّ التجسّد. فإنه ليس من طريق به يتحقّق إدراك كيف صار الكلمة متجسّدًا، وكيف انتعش الروح العلوي واهب الحياة داخل أحشاء أم، وكيف حُبل بذاك الذي بلا بداية وصار إلى الوجود. إذن فسيور الحذاء إنّما هي أختام السرّ. لم يكن يوحنا مستحقًا أن يحلّ حذاءه إذ كان عاجزًا عن البحث في سرّ تجسّده... إني أعرف أنه وُلد بعدي، لكنّني أعجز عن فهم سرّ هذا المولود. انظر! فإن يوحنا الممتلئ بالروح - روح النبوّة - والمستنير بالمعرفة يُعلن أنه لا يعرف شيئًا بخصوص هذا السر[70].