15 - 02 - 2021, 06:05 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
(تاملات الاحد الاول من أمشير)
“لا للطعام الفاني، بَلْ لِلطَّعَامِ البَاقِي لِحَيَاةٍ أَبَدِيَّة…”
"اعملوا، لا للطعام الفاني، بل للطعام الباقي لحياة أبديّة،
ذاك الذي يعطيكم إيّاه ابن الإنسان" (يو6: 27)
بعد أن أشبعَ يسوع الجموعَ بتكثير الخبز في القُرب من بحيرة طبريّا، انتقل سراً إلى الضفّة الأخرى من البحيرة، في منطقة كفرناحوم، هرباً من الشعب الذي كان يريد أن يجعل منه ملكاً. وبالرغم من ذلك، بحث عنه الكثيرون وجاءوا إلى هناك يطلبونَه. لكن هذا الحماس الذي يخفي في طيّاته مصلحة زمنية، لم يكن ليرضي يسوع.
لقد أكلوا من خبز المعجزة وشبعوا، فتوقفوا على فائدته المادية من دون أن يدرِكوا بُعْدَه ويكتشِفوا أنّ يسوع مُرسلٌ من الآب، أتى إلى العالم ليمنحَه الحياة الحقيقيّة. لم يرَوا فيه سوى صانع عجائب وحسب، سوى مسيح زمنيّ قادر أن يؤمن لهم القوت الأرضيّ بوفرة ومن دون عناء. في هذا الإطار وجّه لهم يسوع هذا القول:
"اعملوا، لا للطعام الفاني، بل للطعام الباقي لحياة أبديّة، ذاك الذي يعطيكم إيّاه ابن الإنسان"
إنّ "الطّعام الذي لا يفنى" هو شخص يسوع وتعليمه بالذات، لأنّهما واحد. وإن تابعنا قراءة الإنجيل لَرأينا أنّ "الخبز الذي لا يفنى" هو أيضاً جسد يسوع في القربان. يمكننا القول إذاً بأنّ "الخبز الذي لا يفنى" هو يسوع شخصياً الذي يُعطي ذاته لنا في كلامه وفي القربان المقدّس. غالباً ما ترد صورة الخبز في الكتاب المقدّس كما صورة الماء. إنّ الخبز والماء يمثّلان العنصرين الأساسيّين الضروريّين لحياة الإنسان. عندما يقول يسوع عن ذاته إنّه الخبز، فهو يعني أنّ شخصه وتعليمه ضروريان لحياة الإنسان الروحية كما أنّ الخبز ضروريّ لحياة الجسد. إنّ الخبز الماديّ ضروريّ من دون شكّ. ويسوع نفسه يؤمّنُه للجموع بشكل عجائبيّ. ولكنّه لا يكفي وحده. فالإنسان يحمل في داخله، ولو كان لا يعي ذلك دائماً، جوعاً للحقيقة والعدل والصلاح والحبّ، والطّهارة والنّور والسلام والفرح، جوعاً للامتناهي ولِما هو أزليّ. وليس في العالم ما أو مَن يمكنه أن يُشبِعَ هذا الجوع. أما يسوع فيقدّمُ نفسَه كالقادر الوحيد على إِشْباع جوع الإنسان الداخليّ.
"اعملوا، لا للطعام الفاني، بل للطعام الباقي لحياة أبديّة، ذاك الذي يعطيكم إيّاه ابن الإنسان"
ولكن، عندما قدّم يسوع ذاته على أنّه "خبز للحياة" لم يكتفِ بالتأكيد على ضرورة الغذاء منه، أي الإيمان بكلماته لنيل الحياة الأبديّة، بل أراد دفعنا إلى أن نختبر حضوره وعمق العلاقة معه. إنّه يُوجِّه إلينا في الواقع دعوةً ملحّةً بقولِه: "إعملوا للطعام الباقي".
يطلبُ منّا أن نبذل جهدنا ونستعملَ كلّ السبل لننال هذا الغذاء. إنّ يسوع لا يفرِضُ ذاته بل يريدُنا أن نكتشفه ونختبره. بالتأكيد لا يستطيع الإنسان أن يلتقي بيسوع بقدرته الشخصيّة وحدَها، يستطيع ذلك بنعمة من الله، ومع ذلك يدعونا يسوع باستمرار لأن نكون مستعدّين لاستقبالِه عندما يَهَبُنا ذاته. وعندما يجتهدُ الإنسان في عيشِ"كلمة يسوع" يَصِلُ إلى ملءِ الإيمان به ويتذوّقُ كلمتَه كما يتذوّقُ الخبزَ الطازج الشهيّ.
"اعملوا، لا للطعام الفاني، بل للطعام الباقي لحياة أبديّة، ذاك الذي يعطيكم إيّاه ابن الإنسان"
لا تتناول "كلمة الحياة" هذا الشّهر ناحيةً معيّنة من تعليم يسوع، (كمسامحة الإساءة أو التجرّد عن الثروات، إلخ)، بل هي تعود بنا إلى جذور الحياة المسيحيّة نفسها ألا وهي علاقتنا الشخصيّة بيسوع. وأظنّ أنّ مَن بدأ يعيش جدياً " كلمة يسوع"، وبخاصّةٍ وصيّةَ المحبّة نحو القريب الّتي هي مختصرُ كلام الله ووصاياه، يكتشف، ولو قليلاً، أنّ يسوع هو حقاً "خبز" حياته، وهو الوحيد القادر على تحقيق رغبات قلبه وهو ينبوعُ فرحِه ونوره. وإذ يعيش الكلمة يبدأ بتذوقُها ولو قليلاً، كجواب حقيقيّ لمشاكل الإنسان والعالم.
ولأنّ يسوع هو"خبز الحياة" ويَهَبُ ذاته في تقدمةٍ سامية في القربان المقدّس، فكلّ مَن يتبعُه يذهب ليتناول بمحبّةٍ هذا القربان، وتحتلّ الإفخارستيا مكانةً مهمّة في حياته.
وعلى مَن عاش من بيننا هذا الاختبار الرائع ألاّ يحتفظَ به لذاتِه. بل أن ينقلَ اختبارَه للآخرين بالاندفاع نفسه الذي يحثّنا به يسوع على الحصول على "خبز الحياة"، حتى يجدَ به كثيرون ما تبحثُ عنه قلوبُهم. إنّه لعمل محبّة عظيم نقوم به تجاه إخوتنا كي يكتشفوا بدورِهم، ومنذُ الآن، ما هي الحياةُ الحقيقيّة، فينالوا الحياةَ التّي لا تموت. وماذا يمكن للإنسان أن يرغب أكثر من ذلك؟
التعديل الأخير تم بواسطة Mary Naeem ; 17 - 02 - 2021 الساعة 11:20 AM
|