عظة: إنسانٌ ساكتٌ يجبُ عليه ألا يحسبَ نفسَه شيئاً، بل عليه أن يلومها دائماً. إن زَلَقَ الجاهلُ في كلامِه فله عذرٌ من الكلِّ، لأنه سفيه لا يدري ما يتكلم به. ولكن إن زَلَقَ الحكيمُ فليس له عذرٌ، لأنه حكيمٌ وبمعرفةٍ يتكلم، وكذلك إذا أخطأ واحدٌ من العالميين كان له عذرٌ لأنه يخالط الكثيرين في العالم، فأما نحن الذين يُظن بنا أننا رهبانٌ أصحابُ سكوتٍ ومعلمون، فأي عذرٍ لنا. إن كنتَ تريد السلوك في طريق الله فليكن عندك الذين يضربونك مثل أولئك الذين يكرمونك، ومهينوك مثل مادحيك، والمفترون عليك مثل مباركيك، ومحزنوك مثل مفرِّحيك. وإن عرض للإخوةِ إما من نسيانٍ أو من سهوٍ فلم يعاملوك بما كان ينبغي أن يعاملوك به من الجميل، قل: «لو شاء اللهُ ذلك لكانوا قد فعلوه بي»، وإن هم أتوك فاقبلهم بسرورٍ وقل: «إني غيرُ مستحق»، ودع عنك تزكية نفسك، أما إن كنتَ تقول إنك حسناً قلتَ وحسناً فهمتَ، فلا حسناً قلتَ ولا حسناً فهمتَ.
وبخصوص الغَلَبةِ على الشيطانِ قال: «إن نحن اتضعنا فإن الربَّ يطرد عنا الشيطان، لذلك يجب علينا أن نلومَ أنفسَنا في كلِّ حينٍ وفي كلِّ أمرٍ لأن هذه هي الغَلَبة».
ومن أجلِ الثلاث فضائل الكبار قال: «قال الآباءُ إن الفضائلَ الثلاث الآتية جليلةٌ جداً ومن يقتنيها يستطيع أن يسكنَ في وسطِ الناس وفي البراري وحيثما أراد، وهي: أن يلومَ الإنسانُ نفسَه، ويقطع هواه، ويسير تحت كلِّ الخليقةِ. فالمتضع كائنٌ في أسفل، والذي هو في أسفل فلن يقع، ومن ذلك يتبين أن المتعالي هو الذي يسقط بسرعةٍ».