ومرةً سأله أخٌ قائلاً: «قل لي كلمةً». فقال الشيخُ: «وماذا تريدُ بسماعِ الكلمة وقد أخذت قوتَ الفقراء وتركته في هذه الكوةِ». وذلك لأنه أبصرها مملوءةً كتباً.
وحدث أن زاره أخٌ، فطلب منه الشيخُ أن يصليَ كما هي العادة، فاعتذر قائلاً: «إني خاطئٌ لا أستحق ولا لإسكيم الرهبنةِ». فأراد الشيخُ أن يغسلَ رجليه فأبى ولم يدعه واعتذر بمثلِ هذا الكلام وقال: «إني خاطئٌ ولستُ مستحقاً». ثم إن الشيخَ هيأ طعاماً، فلما جلسا يأكلان أخذ الشيخُ يعظه بمحبةٍ ويقول له: «يا ابني إن كنتَ تريد أن تنتفع فاجلس في قلايتك، واترك عنك الدوران، واجعل اهتمامك في نفسِك وفي عملِ يديك، فإنك لا تنتفع من الجولان مثلما تنتفع من الجلوس في قلايتك». فلما سمع الأخُ ذلك الكلام وهذه العظة، تململ وتغير وجهُه، حتى أن الشيخَ لاحظ ذلك في وجهِه. فقال له الشيخُ: «بينما أنت تقول إني خاطئٌ وتصف نفسَك أنك لستَ أهلاً أن تحيا في هذه الدنيا، فإذا بي لما عاتبتُك بمحبةٍ أراك قد تململتَ وتلون وجهُك حتى صرتَ مثل السبعِ. إن كنتَ بالحقيقةِ تريدُ أن تكونَ متضعاً فاحتمل ما يأتيك من الاغتمامِ من الآخرين، ولا تلُم نفسَك ملامةً باطلةً بالرياءِ وبالكلامِ الباطلِ». فلما سمع الأخُ هذا الكلام انتفع به وصنع مطانية قائلاً: «اغفر لي». ورجع إلى قلايته.