الأب الكبير الأنبا سرابيون
كان هذا القديس من أهلِ مصرَ من الآباء المشهورين بالفضلِ، وكان يُعرف بالسباني، لأنه في كلِّ زمانهِ لم يكن يلبس سوى سبانيةٍ، وهي عبارة عن ثوبٍ من كتانٍ سميك. وما كان يمتلكُ شيئاً البتة حتى ولا عصا ولا حذاء، سوى إنجيلٍ صغير، وكان في أموره يُفضِّل راحةَ قريبهِ على راحةِ نفسهِ، وكان كاملاً في العبادةِ، جيداً في القراءة، يتلو عن ظهرِ قلبٍ كلَّ كتبِ الله. وكان يجولُ في كلِّ البراري والمدن سعياً وراء اقتناءِ الفضائلِ وعملِ الصالحات، بحيث لا يبالي بشيءٍ من أمورِ الدنيا حتى ولا بجسمِه، ولذلك بلغ كافة الفضائل التي أصبحت لديه كأمورٍ طبيعية.
وقيل عنه إنه أراد مرةً الذهاب إلى رومية فأتى إلى البحرِ، وبتدبير الله وجد سفينةً تريد الذهاب إليها، فألقى بنفسِه فيها، ولم يكن معه وقتئذ لا خبز ولا دراهم ولا شيء البتة. فساروا خمسة أيام لم يأكل فيها ولم يشرب، ولا كلَّمه إنسانٌ، ولكنه كان جالساً صامتاً. فظن النواتية أن دوارَ البحرِ منعه عن الأكلِ، أما هو ففي الحقيقةِ لم يمنعه سوى العدم لأنه ما كان لديه شيءٌ البتة. فسألوه: «ما هو أمرك أيها الشيخ فإنك لا تأكل ولا تشرب ولا تتكلم»؟ فقال لهم: «ليس معي طعامٌ ولا دراهم ولذلك فإني صائمٌ، أما صمتي فهذه سُنَّة الرهبان، فإنهم يفضِّلون السكوتَ». فلم يصدقوا أقوالَه وفتشوه، ولما لم يجدوا معه شيئاً تضجروا وانتهروه قائلين: «من أين توافينا بالأجرةِ»؟ فقال لهم الشيخ: «ردُّوني من المكانِ الذي بدأتُ منه الركوب معكم ثم امضوا بعد ذلك بسلامٍ». فقالوا له: «أبعد أن سافرنا خمسةَ أيامٍ تريدنا أن نرجع إلى الوراء فتؤخرنا بذلك عشرة أيام دون أن نتقدم، كما أننا لا نعلم إن كانت الرياحُ توافقنا كما الآن أم لا، لأننا قطعنا مسافةً طويلةً لطيبِ الريحِ الذي لم نرَ مثلَه قط». ولم يعلم القومُ أن الله سهَّل طريقَهم من أجلِه. أما هو فقال لهم: «إن لم تردُّوني إلى مكانٍ فهأنذا بين أيديكم لأنه ليس لي ما أعطيكم». وحدث بعد ذلك أنهم تحننوا عليه ورحموه وأطعموه وأولوه جميلاً.