روحانيّة الحب الزوجيّ
الحبُّ طريقُ الخلاصِ
في هذه المسيرةِ، يُعرض الحبُّ الزَّوجيّ على الإنسانِ كطريقٍ للخلاصِ الذّي صنعه اللهُ مِن أجلِ كلِّ البشريّةِ بواسطةِ ذبيحةِ ابنه. فيتجه هذا الحبُّ نحو إعادةِ اعترافِ الواحدِ بالآخر، اعترافهما بأنفسهما، اعترافهما بأنَّهما حقاً محبوبان. إنَّها مسيرةٌ مُتبادلةٌ بين المحبوبين، تتجسّد فيها الخاصيّةُ المُميِّزةُ للحبِّ الزَّوجيّ، وهي: اعترافهما بأنَّهما محبوبان. وهنا تجد نعمةُ الحبِّ الزَّوجيّ مكانها في الديناميكيّةِ اللاهوتيّةِ، بالعبورِ مِن صورةِ الله إلى مثاله[26]. فيضرم الحبُّ الزَّوجيّ صورةَ الله في الشَّخصِ، حتى تتمكَّنَ هذه الصُّورةُ مِن أنْ تخترقَ وتنفذَ بداخلِ الوجودِ الإنسانيّ كاملةً؛ فيصبح هذا الوجودُ بدوره باستمرارٍ أكثرَ تشبهاً بالله في تعبيراته، تفكيره، شعوره وتصرّفه.
يُعتبرُ الحبُّ مسيرةً يجد الشَّخصُ فيها نفسه مدفوعاً للخروجِ مِن قوقعة الأنانيّةِ، بحيث يُصبح قادراً على أنْ يعيش ويُظهرَ تعبيراً حقيقيّاً للحبِّ. حيث يبدأ الجسدَ الحسيّ، الذّي أصبح بعد الخطيئةِ مغلوباً مِن الأهواء والبُعدِ الكونيّ الحيوانيّ للعالمِ، في استقبال مبدأٌ فعَّالٌ حيّ حيويّ، أي المبدأُ الرُّوحيّ.
ومِن هنا تبدأ عمليةُ النضوجِ والانتقالِ مِن حبٍّ جسديّ حسيّ إلى حبٍّ روحيّ؛ أي إلى حبٍّ يُذكِّرنا باستمرارٍ, من خلال تعبيره وتضحيته، بعالمٍ مُتحوِّلٍ ومُتجدِّدٍ. ولذلك فالطَّريقُ نحو الزواجِ هو أيضاً طريقٌ نحو الجسدِ الرُّوحيّ الرُّوحانيّ؛ إذ يبدأ الشَّخصُ، مِن خلالِ الحبِّ الزَّوجيّ، في الانتقالَ مِن إدراك الذاتِ بطريقةٍ جسديّةٍ حسيّةٍ إلى إدراك هذا الجسدَ الرّوحانيّ؛ وبالتَّالي يتم العبورُ مِن العزلةِ إلى الاتحادِ، ومِن الجسديّ الشَّهوانيّ إلى الرَّوحاني، ومِن الخطيئةِ الأصليّةِ إلى الفداءِ. وفي عمليةِ النضوجِ هذه يستطيع الجنسُ، عند حدٍّ معينٍ، أنْ يُنجزَ مهمته مِن خلالِ الطَّريقةِ التّي يُعاش بها في الحياةِ؛ فيُعرض الجنسُ على الإنسانِ السَّاقطِ المُحبطِ، مِن خلالِ العملِ الخلاصيّ للمسيح، كطريقٍ للخلاصِ. ففي الحقيقةِ، عندما يتمُّ تحطيمُ الوِحدةِ وتأسيسُ عَلاقةَ حبٍّ حقيقةٍ بدلاً منها، لن يُعاش الجنسُ بَعدُ بطريقةٍ عالميّةٍ شهوانيّةٍ، إنَّما يُصبح على العكسِ علامةً ورمزاً للعالمِ الآتي.