البعد اللاهوتي لسر التوبة
كل شيء ينبع من الله الخلق والعهد كمبادرة من الحب الإلهي، أي أن الله هو المبادر الأول للمحبة، وأعظم ما أوحى به إلينا يسوع المسيح أن "الله محبة"، فهو في حد ذاته محبة، لذلك هو ثالوث أي تبادل حب بين الآب والابن والروح بينهما وعطاء متبادل فيما بينهم. ومن أروع ما فاض من الله هذا الكائن البشري الذي هو على صورته كمثاله والذي أقام عهداً معه وبلغ هذا العهد ذروته عندما: "جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" ( يو 3/16-17 ).
عندما يقترف الانسان الخطيئة، فلم يقترفها في ذاتها، إنما في محبة الله، التي يرفضها الإنسان. فالخطيئة هي الوجه السلبي لمحبة الله.. لم يخلقها الله، لذلك لا وجود لها أنطولوجياً (كيانياً). هي إذاً نقص في حد ذاتها، كما أنّها نقص في الإنسان لا نقص من شيء ، إنما نقص مطلق ، إذ هي نقص من الإنسان تجاه الله وبالتالي تجاه البشر. وهي أخيراً نقص، لأن الله يخلص منها، فيزيلها، فتعود الى اللاكيان، اللاشيء ، اللاوجود. فلا تستقي الخطيئة معناها إلا عندما يحرر الله الإنسان منها أي عندما تزول.
هكذا استطاع اغوسطينوس أن يصرخ فيها: "طوباكِ، أيتها الخطيئة، لأنكِ استحققتِ لنا مخلصاً مثل هذا".
فهي تُظهر محبة الله في التجسد والفداء، ولكن في ذلك تحكم على نفسها بالزوال بفضل التجسد والفداء اللذين يحرران الانسان منها، ويستعيضان عنها بالنعمة.
ففي البدء لا خطيئة ، وفي النهاية لا خطيئة ، لذلك هي لا شيء.