ناسكة آبائية _ بالليديوس المؤرخ
الناسكة والباحثة الآبائية سيلفانيا
بقلم بالليديوس المؤرخ (قرن 4)
رافقتنا في رحلتنا من أورشليم إلى مصر، البتول المغبوطة سيلفانيا، وهي شقيقة زوجة روفينوس وكيل والي المنطقة. ومن بين الرفقة، كان معنا أيضاً الشماس جوفينوس - الذي هو في الوقت الحالي أسقفاً لعسقلان - وهو إنسان تقي واسع الثقافة. وعندما وصلنا إلى بيليوسيوم (مدينة الفرما)، أخذ جوفينوس طشتاً وغسل بعناية يديه ورجليه بماء بارد إذ كان القيظ شديداً، وبعد الاغتسال وضع بساط جلدي على الأرض وتمدّد عليه ليأخذ قسطاً من الراحة.
فدنت منه الناسكة سيلفانيا، كأم حكيمة نحو ابن حقيقي، وبدأت في تأنيبه على ليونته ونعومته قائلة: "كيف تجيز لنفسك، وأنت في عنفوان الشباب ودمك يغلي في عروقك، أن تدلل جسدك من دون الالتفاف إلى ما تؤول إليه المخاطر الناتجة من ذلك. فلقد حكمتني تجارب الحياة بألاّ أبالغ بالاهتمام بنظافة جسدي، رغم بلوغي الستين من العمر. ومع أنَّ أسقاماً عديدة قد دبّت في جسمي، لم أرضخ لضغوطات الأطباء، ولم أجز لجسدي الترفه والاسترخاء ولا استلقيت على سرير، ولا أسرجت فراشاً البتة أثناء سفري".
كانت سيلفانيا واسعة العلم جداً، تقرأ الكتابات المسيحية بشغف كبير.
حوّلت ليلها نهاراً وهي تقرأ بإمعان كل كتاب من الكتب القديمة التي تشرح وتفسر الكتاب المقدس.
ومن بين هذه الشروحات: الثلاثة ملايين مقطع لأوريجانوس،
والمائتان والخمسون ألف مقطع لغريغوريوس (اللاهوتي)، وأستفانوس (أسقف روما قرن 3) وبيريوس (قرن 3) وباسيليوس (الكبير)، وعدد آخر من الآباء المعروفين.
لم تكن تتصفح الكتاب مرة واحدة فقط، بل كانت تطالعه باجتهاد وإنتباه شديد سبع أو ثماني مرات.
وهكذا استطاعت أن تحمي نفسها من التعاليم المضلة.
وبفضل هذه الكتابات، أتخذت لنفسها أجنحة وصارت طيراً روحياً يحلق برجاء ثابت في رحلته نحو المسيح.