يعقوب أبن أسحق ، مختار من الله قبل ولادته . خصص الله البركة والسيادة له وهو مايزال في بطن أمه رفقة ، صرح لها الله بقوله ( في بطنك أمتان ، ومن أحشائك يفترق شعبان : شعب يقوى على شعب ، وكبير يُستعبد لصغير ) " تك 23:25 " . فعيسو الكبير الأول في الولادة ، يصبح يعقوب الصغير والمولود الأخير هو الأول في القيادة ، وكما قال الرب في " مر 31:10 " ( كثيرون أولون يكونون أخرين ، والآخرون يكونون أولين ) .قصة يعقوب تكشف لنا بأن الله يمتاز الضعيف ويعطيه القوى ليخزي به القوى " 1 قو 27 " . أجل كان يعقوب ضعيفاً أمام الكثيرين ، فكان ضعيفاً ومسكيناً وخائفاً أمام عيسو القوي الصياد منذ صغره وعندما سرق البكورية وأنهزم الى بيت خاله لابان ، وبعدعودته أيضاً بعد سنين طويلة خاف جداً منلقائه مع عيسو ( خاف يعقوب جداً ، وضاق به الأمر ) " تك 7:32 " . وكذلك كان يعقوب ضعيفاً أمام لابان الماكر وكان يتحمل ذلك الظلم . وكان ضعيفا أمام صراع زوجتيه ، وأخطاء أبنائه . لكن هذا الضعيف كان يمتلك أيماناً من الله الذي منحه روح النبوةلأنه كان يعلم بأن الله يقف معه لأنه مسكين وضعيف . أما الأقوياء الجبابرة المعتزين بقوتهم ، لا يفكرون بطلب المعونة من الله الى أن يسقطون في مأزق فيشعرون بضعفهم فيعترفون صارخين الى الله طالبين العون والرحمة .
كان ليعقوب سلبيات وضعفات كثيرة كتخطيطه الماكر لأخذ البكورية من أخيه الأكبر وخداع والده أسحق بأنه عيسو لكي يباركه . كما خدع خاله الذي قال له ( خدعتني ) ، وأراد أن يضع فيه شراً . لكن الله تدخل لمحاربته " تك 27:31 " . ورغم كل هذا نال رضا الله وحسب الآية ( كان يعقوب انساناً كاملاً يسكن الخيام ) " تك 27:25 " . من اسباب نجاح يعقوب عرف أهمية البكورية وبركتها ، عكس عيسو الذي أستهزأ بها فباعها بأكلة عدس ، قائلاً ( ها أنا ماضي الى الموت ، فلماذا لي البكورية )"تك 32:25 " . البكورية كانت بركة ، وحاملها كان يتميز بامتيازات كبيرة كالممسوح بالزيت في عصر الناموس أو المختار المبارك من عند الله ، وكانت بمثابة الكهنوت المقدس لأسرته ومنه سيأتي المسيح وحسب وعد الله لأبراهيم ( وتبارك من نسلك جميع أمم الأرض ) " تك 18:22 " . وكان حامل بركة البكورية في زمن الآباء يقدم لله محرقات على المذابح ، لقد باع عيسو البكورية ، ولماذا جاء الى أسحق أذاً قائلاً له ( أنا بكرك عيسو ) ويطالب ببركة هذه البكورية ؟ لهذا السبب شعر عيسو بخطأه فأخذ يبكي أمام أبيه عندما فقد الأمل فقال ( أقتل يعقوب أخي ) " تك 41:27" ، دون أن يعلم بأن الله أختاره وسيحميه من كل أثم . الله يقاوم المستكبرين ، فقاوم المستكبر عيسو أمام يعقوب المتضع الذي أعطاه البركة علماً بأنه سعى اليها لأيمانه بقدسيتها رغم كون طريقة سعيه اليها أنتهازية وخالية من روح المحبة . ( ... أما المتواضعون فيعطيهم النعمة . ) " يع 6:4 " . فأذا فشل يعقوب في الحصول عليها عن طريق الخروج من بطن أمه قبل عيسو لأن عيسو سبقه لكنه بعد الخروج جاهد بكل الطرق من أجلها . كانت دوافع أسحق ورفقة متضادة في موضوع أعطاء البكورية وكان الأثنان على حق . أسحق يجب أن يعطي البكورية للبكر لكي يكون عادلاً أمام الله ، أما رفقة فعليها أن تدلفع عن يعقوب من أجل أن ينالها لأن الرب قال لها ( في جوفك أمتان ، ومن أحشائك يتفرع شعبان : شعب يقوى على شعب والكبير يخدم الصغير ) " تك 23:25 ". أذاً يجب أن تكون السيادة للصغير لكي تكمل خطة الله الذي أعلنها قبل الولادة . لكن الخطأ الذي أرتكبه رفقة هو عدم ثقتها بالله فلجأت الى رسم الحيلة لتحقيق أرادة الله ولم تنتظر أو تسمح لتخل يد الله في ذلك . أنه خِداع الأم الذي أنتقل الى الأبن ، فقام يعقوب بخداع والده فكذب على أسحق الضرير بأنتحال شخصية أخيه وخدعه بصوته ولبسه وعلى الرغم من دقة أسحق وحرسه في أنه جسه وشمه وسأله هل انت عيسو ؟ وشك في صوته وكان يظن بأنه يعقوب يخدعه ، لكن الله تدخل فدفعه لكي يعطي له البركة وستر الله ليعقوب كل تلك الخطايا . أسحق أعطى البركة ليعقوب وقال ( فليعطيك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض , وكثرة حنطه وخمر .. ) . المقصود هنا بندى السماء هو نعمة السماء التي ستعمل في يعقوب . أما دسم الأرض ، أي سيباركه وكما بارك قطعان خاله لابان بسبب تواجده معه وأعترف لابان بذلك . أما تفسير كثرة الحنطة والخمر فأنها ترمز الى سر الأفخاستيا التي ستعطى لنسله في العهد الجديد . أضاف أسحق في بركته قائلاً ( ليستعبد لك شعوب ، وليسجد لك قبائل ، كن سيداً لأخوتك ، وليسجد لك بنوا أمتك ) . الأنسان الذي يكون مع الله سيعطيه موهبة السيادة والسلطان كماجعل آدم سيداً على كل الكائنات ، لكن العجيب أن يسمح لأنسان يسجد له أنسان . يسمح لأنه يجعله وكيله على الأرض وهو يمثله فيكون مسيحاً له فيعطيه نعمة أخرى وهي ( ليكن لاعنوك ملعونين ، ومباركوك مباركين ) أي من يلعن المختار يلعنه الله ومن يباركه يباركه الله أيضاً . والله يدافع عن مختاريه ( ... الله يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ) " خر 14:14 "