|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
19 - 05 - 2014, 04:25 PM | رقم المشاركة : ( 39 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
المدارس الرهبانية Monastic Schools إنَّ الرهبنة الشرقية، وهي دائمًا مركز للنُّسْك والتصوُّف، لم تقصِد أبدًا أن تكون الأديُرة مواضِع للدراسة، بل للسَّكينة الباطنية والتأمُّل، وكان هدف الرُّهبان ليس أن يُؤثِروا في العالم بل أن يهربوا منه، وفي مرحلة مُبكرة للغاية أكَّدت الرهبنة على أهمية البُعد الدراسي في الحياة المسيحية وصار هناك علاقة وطيدة بينها وبين ”الحروف“ كما رأينا، وأراد باخوميوس أن يتمكن جميع الإخوة من القراءة وأن يحفظوا المزامير ومقاطِع من العهد الجديد عن ظهر قلب، والإخوة الذين لم تكُن لهم دراية بهذه الأمور، كانوا يُعطون دروس ليتعلَّموا كما أسلفنا، وقد أدَّت هذه الأنشطة التربوية التعليمية في الرهبانية الأولى إلى نشأة المدارس الرَّهبانية للأطفال والتي ظهرت في القرن الرَّابِع ولعبت دورًا هامًا للغاية في أوربا في العصور الوسطى. وفي الكنيسة الشرقية، كان قبول الأطفال موضِع جدل ونِقاش، فالرُهبان الأوَّلون وقوانين العديد من الأديُرة كانت تمنع قبول الأطفال ونهت الرُّهبان عن القيام بتعليمهم (20)، ومع ذلك، تبنَّى القديس باخوميوس وآخرون أطفالًا، وكانوا يُعاملونهم مثل المُبتدئين ويضعونهم تحت إرشاد ورعاية رُهبان شيوخ يصيرون آباء روحيين لهم، وكان الرُّهبان يُعلِّمونهم تعاليم روحية أكثر منها فِكرية. وقد سمح القديس باسيليوس أيضًا للأطفال بدخول الأديُرة ووضع لهم نظامًا تعليميًا، كما سمح أيضًا – بعد قدر من التردُّد – للأطفال الذين لم يكونوا يُريدون أن يترهبوا بل يعيشون في العالم أن يحضروا دروس يُعطيها لهم الرُّهبان إذا رغب والدِهِم أن يُرسلاهُم (21)، ذلك أنه رأى في الأديُرة مكانًا نموذجيًا للمدارس لأنها مواضِع هادئة، وحدَّد في قانونه أن تُبنى مباني خاصَّة لتُستخدم كمدرسة... كذلك كان يوحنَّا فم الذَّهب مُؤيدًا أيضًا لفكرة المدارس الرَّهبانية. (22) ويبدو أنه في نهاية القرن الرَّابِع، كانت بعض المدارس الديرية قائمة بالفِعْل، وقد تعلَّم فم الذَّهب في مدرسة هكذا في أنطاكية، وچيروم أيضًا كان عنده مدرسة للأولاد الرومان في ديره في بيت لحم، حيث كان يُدرِّس لهم النحو والشِعْر والتاريخ. (23) أمَّا فيما يختص بالمنهج الذي يُدرَّس وطُرُق التدريس في المدارِس الرَّهبانية، فلا تتوفر لدينا معلومات وافية من المصادر الرَّهبانية، بيد أنه يُمكننا أن نستقي بعض المعرفة عنها من قانون باسيليوس ومن كتابات أخرى، رغم أنه لم يكُن هناك منهج ثابت مُوحد في سائِر المدارِس. يرى القديس باسيليوس – مُتفِقًا في ذلك مع أفكار أفلاطون وأرسطو – أنَّ الطفل (24) يجب أن يبدأ دراسته بالمدرسة في سِنْ السَّابِعة، ويبدأ الأطفال بتعلُّم الأبجدية، إذ يكتُب لهم مُدرِسوهم حروفها بشكل واضح وهم ينسخونها، وأثناء ذلك ينطقونها بصوتٍ عالٍ. وكانت الأسفار المُقدسة، وبالأخص سِفْر المزامير، تُستخدم كنصوص للقراءة، ونَصَحْ القديس إيسيذروس الفرمي باستخدام أمثال سُليمان التي وجدها باسيليوس أيضًا نافعة في هذا المضمار. (25) وبحسب باسيليوس، كانت هذه المدارِس تدرِس التاريخ – الذي اعتبره باسيليوس مادّة هامة للغاية – والأحياء (26) والموسيقى التي كانت تُعتبر ذات تأثير نافِع على الأطفال، كما يُؤكِد فم الذَّهب على أهمية وفائدة الألحان الكنسية. ولم يكُن باسيليوس مُؤيِدًا لتدريس الرياضيات والفَلَكْ، أمَّا التربية الرياضية فلم تكُن مُتضمنة في المنهج لأنها كانت تُعتبر ذات أهمية ضئيلة للغاية...ومن بين الفنون العملية، كان التلاميذ في المدارِس الرَّهبانية يتعلَّمون الزراعة، البُناء، الحِياكة، الشُغْل بالجِلْد، ومهارات أخرى نافعة. وينصح باسيليوس (27) المُدرسين أن يكونوا واضحين ومُوجزين، وأن يستخدموا لُغة بسيطة سهلة، وأن يبتعدوا عن المعاني المُجرَّدة والشرح المجازي للموضوعات. ويُريد باسيليوس (28) أن يكون المُدرِس ناضجًا في السِنْ، مُختبِرًا، مُؤثِرًا، لأنَّ أحد مُتطلبات التعليم هو احترام الطُّلاب لمُدرسهم وثِقتِهِم فيه لكنه أراد أيضًا أن يكون المُعلِّم تقيًا مُتضعًا. أخيرًا لابد أن نذكُر أنه في العصور البيزنطية المُبكِرة، كان للمدارِس الرَّهبانية تأثير محدود بسبب ضآلة عددها، ولأنها كانت لأجل تعليم هؤلاء الذين يُنذِرون أن يترهبوا أكثر منها لتعليم الأطفال الذين لن يترهبوا، وهكذا كان القصد من هذه المدارِس هو تعليم الأشخاص الذين داخل إطار الرهبنة. وباختصار، كان الرُّهبان مُهتمين بالثقافة العقلية والفِكْرية بقدر ما هي تسهم في خدمة أهدافهم الروحية، وفي الوقت عينه، كان لهم اسهاماتِهِم للأدب وللفنون الرفيعة، وقد علَّق هارناك Von Harnak على ذلك بقوله أنَّ كلّ ما هو جميل يأتي من هؤلاء الذين جحدوا العالم. وقد قدَّم الرُّهبان بالفِعْل خدمة جليلة للفنون والشِعْر والعلوم، لكن هذا الاسهام الحضاري لم يكُن مقصودًا إلى حدٍ ما، فالراهب لم يكُن يهدِف أبدًا إلى كتابِة قصيدة شِعْر بل يُريد نوال رحمة الله ولذلك يكتُب صلاة، أو يُريد أن يرسِم أيقونة ليُعبِّر عن حُبُّه لله وليس لأسباب فنية فبينما نحن ننظُر إلى هذه الأعمال كقِطَع من الفن الرفيع والأدب، اعتبرها الرُّهبان ببساطة وسيلة لتحقيق أهدافهم... فالرهبنة لم تبغَ قط أن تخلِق فنّانين وعُلماء بل فقط قديسين، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير للغاية. (29) |
||||
|