رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مصر والخروج مصر وعنف فرعون قلنا أن مصر في المرحلة الأولى ترمز إلى حياة الإنسان الساكن في جنة عدن، بل وكان قلبه جنة مثمرة، أما في المرحلة التالية حيث قام فرعون يضطهد شعب الله، فإنها صارت تمثل الإنسان العنيف المُستعبد لإبليس وجنوده. قصة سقوط الشعب اليهودي تحت العبودية، والتزامهم بالعمل في الطين وصنع اللبن وذلهم تحت يد فرعون القاسية، ثم خروجهم من مصر بيد الله القوية وذراعه الرفيعة ليس حدثًا عارضًا أو حدثًا من بين آلاف الأحداث التي ذكرها الكتاب المقدس، وإنما هو حدث رئيسي ذُكر في سفر الخروج، وأُشير إليه في كثير من أسفار الكتاب المقدس. الخروج من مصر، لم يشغل موسى النبي وحده بل ورد في الأسفار التاريخية والمزامير وكتب الأنبياء، ويردد كثيرًا في ليتورجيات الأعياد اليهودية والتسابيح التي كانت تُقدم في الهيكل. قصة الخروج هي ظل لقصة الخروج الحقّة التي تممها السيد المسيح على الصليب، حيث أطلقنا من العبودية إبليس ودخل بنا إلى حضن أبيه، في كنعان السماوية. الخروج من مصر والتمتع بعهد الحرية المفرح إذ سقط الشعب تحت السخرة وصاروا يعانون من عبودية فرعون كرمزٍ للسقوط تحت عبودية إبليس، أرسل الله نبيّه موسى لكي يحررهم من هذه العبودية. كانت الدعوة موجهة للتحرر من عنف إبليس والدخول في عهد مفرح مع الله، يحول حياتهم إلى أعيادٍ مستمرة للرب. وكما قال موسى وهرون لفرعون: "هكذا يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبي ليُعيدوا لي في البرية" (خر1:5). هذا هو العهد الذي أراد الله أن يُقيمه مع شعبه، عهد الحرية، خلاله ينعم الشعب بالحياة المطوّبة المفرحة كعيدٍ دائمٍ، وبدونه يسقطون تحت لعنة إبليس. وكما قال الرب بإرميا: "ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد، الذي أمرت به آباءكم يوم أخرجتهم من أرض مصر من كور الحديد" (إر4:11). وكما يقول العلامة أوريجينوس: [إذًا لا تقع هذه اللعنة علينا نحن، وإنما تقع على أولئك الذين لم يسمعوا كلام العهد الذي أمر الله به الآباء، "يوم أخرجتهم من أرض مصر من كور الحديد". نحن أيضًا، أخرجنا الله من أرض مصر [1]، ومن كور الحديد، خاصة إذا فهمنا ما هو مكتوب في سفر الرؤيا، أن الموضع الذي صُلب فيه الرب ُيدعى روحيًا سدوم ومصر (رؤ8:11). إذًا إن كان يدعى روحيًا مصر، فمن الواضح أنه لو فهمت ما هو مقصود بالبلد التي ُتدعى روحيًا مصر والتي كنت تعيش فيها قبلًا، تكون قد خرجت من أرض مصر، وُيقال لك أيضًا بعد ذلك: "اسمعوا صوتي واعلموا به حسب كل ما آمركم به". [2]] الخروج من مصر والتمتع بعهد عملي للراحة شتّان ما بين العمل بالسُخرة تحت يد إبليس (فرعون) العنيفة التي لا تعرف الرحمة، والخروج إلى العمل حسب العهد الإلهي واهب الراحة. فالخروج من مصر حمل مفهومًا جديدًا للراحة، إلا وهو العمل في دائرة الرب وبروحه ولحسابه. غاية هذا العهد أن ُيخرجهم كما من كور مصر، من وسط النيران ليدخل بهم إلى ندى راحته. عتقهم من المسخرين العنفاء، لا ليعيشوا في رخاوة بلا عملٍ، إنما لينالوا بركة العمل. بمعنى آخر خرجوا من كور المسخرين ليقبلوا العمل لحساب الله حسب إرادته، لا كثقلٍ يلتزمون به كرهًا، بل بركة من قبل الله. إذ يقول: "واعملوا به حسب كل ما آمركم به" (إر4:11)... يستبدل عمل السخرة المرّ بالعمل لحساب الله الممتع! جاء في إرميا: "كلام هذا العهد الذي أمرت به آباءكم يوم أخرجتهم من أرض مصر من كور الحديد، قائلًا: اسمعوا صوتي" (إر4:11، 5). كور الحديد هي فرن ترتفع فيها الحرارة جدًا لصهر الحديد، الأمر الذي لا تحتاج إليه كثير من المعادن. بينما يُمكن صهر النحاس في درجة حرارة 800 ف، لا ُيصهر الحديد إلا عند درجة 1535 ف. يشبه خروجهم من مصر كمن يخرج من النار، من كور الحديد، لا ليعيِّرهم بأنه خلصهم من النار، وإنما بعد إخراجهم يطلب الدخول معهم في العهد. كأن الله لا يستغل ضيقتهم ليأمر وينهى، وإنما ليدخل معهم خلال الحوار الودي في عهد أبوي مملوء حبًا. في هذا العهد يقدم نفسه إلهًا منسوبًا لأولاده: "فتكونوا لي شعبًا، وأنا أكون لهم إلهًا" (إر4:11). * ما دامت مصر هي كور حديد (إر4:11، تث 20:4)، فهي تشير رمزيًا إلى كل مجالٍ أرضى. يليق بكل من يهرب من شر الحياة البشرية دون أن يحترق بالخطية أو يمتلئ قلبه بالنار ككورٍ أن يقدم تشكرات ليس بأقل من الذين ُيختبرون بالنار [3] كندى [4]. العلامة أوريجينوس عند خروج الشعب من مصر قدم الله لشعبه عهدًا خلاله يتمتعون بالراحة، وذلك بتحولهم من العمل لحساب فرعون إلى العمل لحساب ملكوته على الأرض. أما عند خروجنا خلال الصليب فقد قدم لنا الرب عهدًا جديدًا سجله بدمه الإلهي منقوشًا في جسده الطاهر، لنتمتع براحة أعظم، حيث يصير لنا حق الدخول إلى السماء، والشركة مع السمائيين في أعمالهم وتسابيحهم. * قال الله بوضوح (خلال أنبيائه) أن شرائع موسى (الطقسية) تنتهي وتقوم شريعة جديدة يقدمها المسيح: "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب" (إر31:31،32)،لقد وعد بعهد جديد، وكما قال الحكيم بولس: "فإذ قال جديدًا عتق الأول، وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال" (عب 13:8). فإذ شاخ القديم كان بالضرورة أن يحتل الجديد موضعه، وقد تحقق هذا لا بواسطة أحد الأنبياء القديسين بل بالأحرى بواسطة رب الأنبياء [5]. القديس كيرلس الكبير * خطيتي طردتني من جنة عدن. في مجاعتي هربت إلى مصر لأشبع وأستريح. أذلني فرعون بعنفه وقسوته. حطمني إبليس القاتل. من يحررني من عبوديته؟! * أطلقني من أسر الخطية، فأدخل معك في عهد أبوي سماوي. أجد فيك راحتي يا مخلص العالم. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تيطس والخروج للمجتمع |
يهوديت والخروج |
متطلبات الدخول والخروج إلى فلورنسا |
متطلبات الدخول والخروج من لندن |
الشباب بين الطموح والجروح |