الفصل العاشر
ضرورة الإيمان في عالم ساقط
قد يولد إنسان ولادة روحية جديدة في المسيح يسوع، إلاّ أنَّ أصحاب السوء بشرورهم، والجسد بشهواته، والشيطان بحروبه... كثيراً ما يُضعفون الإنسان، ويضعون عراقيل أمامه، ويتسببون في سقوطه، وبهذا ينفصل عن الخليقة الجديدة، فالمعمودية لا تعصمنا والتجسّد الإلهيّ لم يلغِِ حريتنا..
لكنَّ الإيمان يجعل الإنسان يرى في كل سقطة فرصة ليبدأ من جديد، ففي حين ينقص الإيمان عند بعض الناس عندما يسقطون أو يتألمون، فإنَّ السقوط ينقص عند آخرين لوجود الإيمان عندهم، والموت عدو الإنسان اللدود، يراه غير المؤمن قضاءً رهيباً، بينما يراه المؤمن ليس نهاية الحياة بل بداية تجديدها، ورحلة لاكتشاف عالم جديد، عالم الخلود الخالي من الغش والرياء..
إنَّ الإيمان يُغطي كل ما في الحياة من ثغرات، ويحوّل النقاط السوداء في حياتنا إلى ظلال تُعطي المساحات البيضاء جمالاً في أعظم أيقونة ألا وهي: الحياة، ولكن رغم أهمية الإيمان إلاَّ أنَّ مجرد نظرة سريعة للعالم من حولنا، تدفعنا إلى القول بأنَّ كل شيء يتغيّر إلى الأفضل، المسكن والمأكل والأدوية ووسائل الاتصال.. إلاَّ الأخلاق فهى تتقهقر بصورة مروّعة.. أتعرفون لماذا؟ لأنَّ الإيمان يضعف! والنتيجة كما نرى: انحطاط مدنيّ، وخُلقيّ، واجتماعيّ، وسياسيّ..
ومن الملاحظ أنَّ في كل تقدم أو تطور علميّ نجد انهيار واضح في الضمائر، والمبالغة في توفير كل وسائل الراحة والرفاهية يقابله تقهقر روحيّ، وكثرة الجنس أدى إلى نقص الحُب وضياع معناه، والتهافت على اللذة قضى على الفرح.. وهذا إنَّما يدل على أنَّ الإنسان يحتاج إلى الله!
لقد طرحت شعوب كثيرة وسائل السعادة الأساسية، كالإيمان والكتاب المقدس والصلاة.. جانباً، وفضّلوا التكنولوجيا على العبادة والرحلات الترفيهية على الخدمة، وحُب نساء على محبة القريب..!!
واعتقد كثيرون أنَّ الإيمان لا يسعف الإنسان كثيراً هذه الأيام!! فكانت النتيجة انهيارات كثيرة نستطيع نعرف مقدارها، لو ذهبنا إلى المستشفيات وعيادات الأطباء النفسيين، وهذا هو مصير كل من يعتقد أنَّ القيم الأخلاقية والمباديء الروحية والوصايا الإلهية.. هى مجرّد أشجار بلا جذور ولا ثمار ولا أوراق! لأنَّ الحياة وواهب الحياة هو الله، ووصيته هى التي ترسم لنا طريق الحياة، لنعرف ما هو الخير وما هو الشر، فإذا رفض إنسان حياة الإيمان يكون قد رفض الله، وها نحن نتساءل: ما قيمة الحياة بدون الله؟!! هل يمكن أن تحيا سعيداً وحياتك خالية من النبض الإلهيّ؟!!
إنَّ الإيمان هو الشمعة التي تُضيء ظلام العالم، فكل عادة شريرة وكل خطية ذميمة يمكنك التخلّص منها، وكل مشكلة عسيرة يمكنك أن تحلها إذا كان لديك إيمان، ألم يقل رب المجد يسوع: " َكُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ " (مر23:9).
أمَّا عندما يفقد الإنسان نور الإيمان فإنَّه يحيا في جهل روحيّ، ولن يحصل على شهادته الروحية من جامعة السماء الكبرى والعظمى، بل من ملاهي العالم ومسارح الأرض الدنيوية ينال شهادات كثيرة! فيحيا بلا مرجعية دينية لسلوكه، وتتقلب آراؤه وتتغيّر حسب مراحل دورة القمر وميوله الخاصة! فيسعى جاهداً أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر، لأنَّه فقد الثقة بكلام الله، وسعى إلى التحقّق عن طريق الاختبار العمليّ!! كما لو كان يريد أن يقرر بنفسه ما هو الخير وما هو الشر ويحدد مصيره! بهذا الفكر سعى آدم وحواء ليكونا محل الله!
والحق إنَّ الإنسان عندما يريد أنْ يكون مشرِّعاً لذاته والمرجع الأخير لحياته، يكون بهذا قد قطع الشركة والعلاقة بالله، إنّه الاكتفاء الذاتيّ الذي يُؤدي إلى خراب النفس وهلاكها..
ولكن كما يقول مُعلّمنا بولس الرسول: " َإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً، وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً " (1كو3:13).
فلماذا لابد أن يقترن الإيمان بالمحبة كما قال مُعلمنا بولس الرسول؟ " فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ " (غل6:5).
الإجابة: إنَّ الله يرفض الإيمان الشكليّ أو النظريّ، فالشياطين هم أيضاً يؤمنون كما قال القديس يعقوب الرسول: " أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ حَسَناً تَفْعَلُ وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ ! " (يع19:2).
كما أنَّ الله محبة، وحيث لا حُب يملأ قلوبنا هناك الكراهية، وها نحن نتساءل: هل يمكن للمحبة والكراهية أن يلتقيا معاً؟! وماذا تنتفع البشرية لو كنت تؤمن بوجود الله ووحدانيته وقدراته الغير محدودة... ولكنّك لا تُحبّه ولا تُحب الآخَرين؟!
ولو تأمّلنا في تعاليم السيد المسيح، لوجدنا أنَّه جمع كل وصايا الناموس في وصيتين ألا وهما: " تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى، وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ، لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ" (مر30:12،31).
كما اشترط له المجد أن يكون الحُب هو سمة تلاميذه: " بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تلاَمِيذِي إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ " (يو35:13)، فالحُب هو سمة الله، وكل الذين يريدون أن يعيشوا معه عليهم أن يصطبغوا بهذه الصبغة المقدسة.
والحق إنَّ الإنسان خُلق ليُحِب ويُحَب، فإذا فقد الحُب اختل توازنه النفسيّ واعتزل الناس، وعاش كفراشة حائرة لا تجد راحتها في أي مكان ولا تعرف أين تستقر.
إنَّ الحُب شعاع طاهر يجب أن يملأ كل الخليقة، ومن حق كل إنسان أن يستضيء بنوره ويستدفيء بحرارته.
فهل من كلمات نورانية نستطيع أن نصف بها شعلة سمائية مقدسة تلتهم الهشيم وتعطف على البائس والمسكين؟!
كيف لي أتحدّث عن أشعة روحانية تسقط على الخليقة كلها لا تميز بين الأبرار والأشرار؟!