مقدمة
إلهي لماذا خلقتني
سؤال كثير ما يتردد على ألسنة البشر، عندما يجدون أنفسهم بإزاء ألغاز كونية تفوق قدراتهم العقلية، ويعجزون بفكرهم المحدود عن حلها وايجاد تفسير عقلي لها! أو عندما تصيبهم الأمراض وتحل بهم الضيقات أو تعصف بهم التجارب.. ولا يقون على احتمالها..!
ولو عرفنا طبيعة الله لعرفنا سبب خلقتنا، فالله واحد في ثالوث وثالوث في واحد، الآب والابن والروح القدس، وهذا الثالوث يرتبط معاً بأعظم رباط ألا وهو: المحبة، التي تسرى بين الأقانيم بفيض لا ينقطع.
دائرة المحبة الإلهية هذه لم تبقَ مُغلقة على ذاتها، بل أراد الله أن يفتحها، لكي تدخل كائنات أُخرى تحيا معه حياة هادئة جميلة، ولذلك خلق الملائكة والبشر، وأصبح في قلب الله، في قلب محبته يوجد كل واحد منّا!
لكنَّ الإنسان لم يُحافظ على صورته المقدسة التي خُلق عليها، لكي يستقر في قلب الله إلى الأبد! فعصى وقد كان وحدثت المأساة! فخرج من دائرة الحُب ليحيا على أرض الشقاء، فالنور والظلمة لا يلتقيان، وقلب الله المقدس لا تسكنه كائنات غير طاهرة، فماذا فعل الله ليعالج مشكلة سقوط الإنسان؟ ترك عرش مجده ونزل إلى أرض الشقاء، ليخوض بحر الآلام المضطرب بأمواج الشر... حبّاً فينا ورغبة في خلاصنا...
ومع أنَّه الإله لم يطلب منَّا أن نأتي إليه أو نقترب منه، لكن محبته جعلته يتنازل ويقترب منّا ويحيا بيننا ويحتمل آلامنا..! فإن كان الله قد أحبّك منذ الأزل فواضح أنَّ محبته تدوم إلى الأبد، ولهذا قال الله: " َمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ " (إر3:31).
كما أنَّ محبة الله لا تخضع لتغيرات الزمن، لأنَّ الله لم ينقش أسماء أولاده على جدران العالم الزائل، بل نقشها على كفه الأزليّ الأبديّ، ولا يمكن لأحد أو إبليس أن يمحو نقشه " هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ " (إش16:49).
الراهب كاراس المحرقي