بعد الانتهاء من دراسة سر الكهنوت، يأتي الدور على سر التوبة والاعتراف على أساس أن هذا هو الصورة العملية لسلطان الكهنوت. عندما أسس السيد المسيح سر الكهنوت كان واضحًا فيه سلطان المغفرة، "اقبلوا الروح القدس من غفرتم له خطاياه غفرت له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" وقال "ما تربطونه على الأرض يكون مربوط في السماء وما تحلونه على الأرض يكون محلول في السماء" whatever you bind on earth will be bound in heaven, and whatever you loose on earth will be loosed in heaven فنحن نرى في سر التوبة والاعتراف الصورة العملية لسر الكهنوت وبالتالي بقية الأسرار. سر التوبة والاعتراف له أهمية خاصة في كنيستنا ويمارس في كنيستنا بأفضل صورة ممكنة. عند الكاثوليك يوجد هذا السر لكن للأسف يوجد حواجز في الاعتراف بين المعترفوالكاهن وهذا مخالف لروح الإنجيل لأن الابن الضال عندما رجع أخذه أبوه في حضنه لم يكن هناك حاجز بينهم. والمرأة الخاطئة عندما قابلت السيد المسيح مسكت رجليه ومسحتهما بشعر رأسه. أي أن هذه الحواجز، حواجز بشرية ولاعتبارات بشرية لا يجب الاستمرار فيها. ولذلك فإن ممارسة هذا السر في كنيستنا أفضل صورة لممارسة سر التوبة والاعتراف كما يريدها الله فعل. مقدمة عن أهمية السر: أولًا: هو مفتاح لكل الأسرار فلا يوجد سر يمكن أن يمارس بدون التوبة والاعتراف. ولذلك كل الأسرار محصورة بين سرى التوبة والاعتراف والتناول. أتوب واعترف يكون لي الحق في ممارسة الأسرار. وبعد ممارسة أي سر أختم الأسرار بالتناول. مثل سر مسحة المرضى يوم جمعة ختام الصوم يشترط بأن من يدهن لابد أن يكون صائمًا ومعترفًا وأيضًا عند عمل قنديل لأي مريض، لابد أن يكون تائب ومعترف يمارس السر ثم يتناول. لازم التناول تاج الأسرار كلها ولذلك نسميه مفتاح الأسرار. إذا كنا نسمى المعمودية باب الأسرار فشرط الإنسان يتعمد وهو كبير لابد أن يكون معترف. فالاعتراف هو مفتاح الباب الذي يؤدى للأسرار. لذلك نسميه مفتاح الأسرار. ما لذى يعطى أهمية لهذا السر؟ هناك لابد حرب شيطانية. لا أحد يستطيع أن ينكر هذا الشيطان يحارب كل إنسان. الحرب تؤدى إلى سقوط. ممكن ناس تنتصر لكن إذا حدث سقوط فالمخرج الوحيد هو التوبة والاعتراف. ولذلك نسميه معمودية ثانية دائمة. المعمودية من الماء والروح لا تتكرر لأنها ولادة من الله، والولادة لا تتكرر. لكن التوبة والاعتراف ممكن يتكرر لذلك نسميه معمودية ثانية دائمة. والسبب في الحرب الشيطانية وجود الروح والجسد في الإنسان، فالروح يشتهى ضد الجسد، والجسد يشتهى ضد الروح. وكلاهما يقاوم الآخر. الذي يسمع هذا الكلام يظن أن هناك انقسام في الإنسان. لكن لا يقصد الانقسام في الإنسان؟ إذًا ما هو السبب في أن الروح والجسد كلاهما يقاوم الآخر؟ الروح له طبيعة إلهية أما الجسد له طبيعة مختلفة، طبيعة مادية ولذلك بسبب اختلاف الطبيعة بين الروح والجسد هنا يحدث التضاد في الاتجاه، فكلاهما يقاوم الآخر. الروح بطبيعتها الروحانية تشتاق إلى الله وإلى الروحيات. اتجاهها دائمًا إلى أعلى بينما الجسد لأن طبيعته مادية ينجذب نحو المادة، جسد مادي ولذلك له اتجاه مختلف ممكن نسميه إلى أسفل. والوضع الطبيعي لوجود قوتين كلاهما يقاوم الأخر، أن الأقوى فيهما له القيادة. الحل دائمًا هو التوبة ولذلك نسمى التوبة تحول من حياة الجسد إلى حياة الروح، أو من الاتجاه إلى أسفل للاتجاه إلى أعلى، أو من الحياة حسب الجسد إلى الحياة حسب الروح. معنى كلمة توبة: لها معنيان "تاب" أي ثاب أي عاد إلى ثوابه أو رشده. المعنى الثاني ميطانية مأخوذة من كلمتين "ميتا" و"نوس": "ميتا" أي ما وراء، و"نوس" أي عقل أي تغير الفكر الداخلى للإنسان. (ما وراء العقل الظاهر). أو تغير الفكر الذي يتحكم في سلوك الإنسان ولذلك الخطية سببها اتجاه خاطئ بتصحيح الاتجاه الخاطئ إلى اتجاه حقيقي يصلح الفكر وبالتالي يصلح الاتجاه. نقطة مهمة لابد أن نركز عليها في هذا السر. التوبة هي جوهر الاعتراف. اعتراف بدون توبة يساوى صفر لا حل ولا شيء يفيد الإنسان في الاعتراف. بدون توبة الاعتراف لا قيمة له. لا يوجد اعترافا جيدًا ومن زاوية أخرى الاعتراف هو إعلان عن التوبة وضمان لعدم العودة للخطية. السبب الذي يجعل الإنسان يرجع للخطية ويكررها ليس فقط حرب الشيطان ولا سلطان الخطية ولكن عدم وجود التوبة. هذا السر أهميته في أنه يغير الحياة، يغير النمط، الفكر، الاتجاه. لأن هناك توبة نسميها تغيير المسار والاتجاه والطريق. الملامح يتغيرون الأشخاص المرتبط بهم يتغيرون. إذا لم يتم هذا التغيير فالاعتراف ليس له قيمة ولا فائدة. لذلك نسميه تغيير القلب والفكر وتجديد الحياة وفي هذا يتم وعد الله "أعطيكم قلبًا جديدًا وأجعل روحًا جديدًا في داخلكم". (حزقيال 36: 26) لا يمكن أن يحدث هذا بدون التوبة. تغيير القلب، المشاعر، والفكر. عندما قال الله "يا ابني أعطني قلبك" لا يقصد القلب الذي يضخ الدم لكن يقصد الفكر العميق في الإنسان. مصدر كل إحساس، مصدر كل فكر. يكون ملك للمسيح. المعمودية تعطى تغير الطبيعة ونوال البنوة لله. لكن التوبة تجديد الاتجاه للاستفادة بالطبيعة الجديدة. أي تكون لطبيعة الجديدة موجودة لكن طمست بمحبة الخطية. فتغير الاتجاه يفيدني من إمكانية تغير الطبيعة التي أخذتها في المعمودية. والنتيجة المطلوبة على مستوى الحقيقة والواقع. الإنسان الطبيعي العادي ذاته هي مركز الدائرة. والله نقطة خارج الدائرة أي أن الله ليس له علاقة بحياته ذاته هي مركز الدائرة، الإنسان الأفضل إلى حد ما الذي تدينه مريض، ذاته هي مركز الدائرة أيضًا الله نقطة على المحيط. مثلما يأكل ويشرب يصلى، مثلما يذهب عمله يذهب الكنيسة، أي أن ربنا نقطة على المحيط لكن الإنسان الروحي أي الوضع المثالي، المسيح هو مركز الدائرة وكل نقطة على المحيط لها علاقة بالمركز. هذا تنفيذ حقيقي لعبارة بولس الرسول "لي الحياة هي المسيح" أي أن المسيح هو مركز الدائرة. الأكل الشرب النوم العمل كل ما هو على محيط الدائرة حياة الإنسان له علاقة بالمركز. يأكل من يد الله، يعمل بأمانة من أجل الله، ليس لأجل المال. هذا هو الوضع المثالي لذلك فالتوبة هي تجديد الاتجاه بمعنى أن المسيح هو مركز الدائرة. هذا هو تنفيذ وتأثير التوبة بصورة حقيقية. وهنا واضح أن الشركة مع الله لا تصلح مع السلوك في الظلمة ليس من الممكن أن يكون الإنسان له حياة مع ربنا ويخطئ بإرادته ويخطط للخطية. هناك خطايا نسميها خطايا ضعف. (الضعف البشرى) أو خطايا جهل. لكن الخطايا عن عمد وبتخطيط وبتدبير هذه لا تتناسب إطلاقًا مع الشركة مع الله. حتى خطايا الضعف والجهل أيضًا ممكن استنارة الإنسان بالروح القدس تخلصه منه. هناك اختلاف بيننا وبين البروتستانت في موضوع التوبة. البروتستانت دائمًا يتكلمون عن توبة الحياة وهو ما تفعله المعمودية عندنا أن الإنسان يعيش في الخطأ ثم يصحح نفسه، وطالما يتكلم عن توبة الحياة فيقول "أنا بقيت قديس كنت وأصبحت"!. لكن نحن كأرثوذكس نتكلم دائمًا عن حياة التوبة. أي التوبة اليومية إصلاح الفكر الخاطئ والاتجاه والضعفات اليومية ومحاسبة الإنسان لنفسه. الاختلاف بيننا وبين البروتستانت اختلاف مهم جدًا في جوهر التوبة. تقرير الإنسان أن يحيا مع الله لا يمنع من الضعفات اليومية، ولذلك ليس معنى أن الإنسان قدم توبة الحياة إنه ليس محتاج لحياة التوبة لابد أن نحتاج لحياة التوبة. ولذلك نسمى التوبة والاعتراف معمودية ثانية دائمة تفيد الإنسان في حياته مع الله. إذا تعمد الإنسان وهو كبير فهذه توبة الحياة وإذا تعمد وهو صغير وسلك في الخطية وقرر أن يحيا مع الله هذه توبة الحياة لكن هذا لا يغنى عن حياة التوبة ومتابعة الإنسان لنفسه كل يوم بل كل لحظة. سر التوبة والاعتراف يربط بين ثلاث أطراف روح الله وأب الاعتراف والمعترف. لابد أن يشعر المعترف وهو أمام أب اعترافه أن الروح القدس حاضر غياب أحد الأطراف الثلاثة يلغى السر تمامًا غياب روح الله لا يكون سر وغياب أب الاعتراف لا يفيد لذلك لابد من وجود أب الاعتراف ووجود روح الله. روح الله يتعامل مع المعترف عن طريق أب الاعتراف.