كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟
الأنبا مكاريوس الأسقف العام
مقدمة
شهدت السنوات الأخيرة إقبالًا منقطع النظير -من الشباب طالبي الرهبنة- لم تشهد الكنيسة القبطية مثله منذ قرون طويلة، وبالرغم من أن الأديرة القبطية الآن ليست مهيأة لاستقبال كل هذه الأعداد الراغبة في الالتحاق بها، فإنها آخذه في التوسع لاستيعابها، ويتقدم للدير (هنا في البرموس مثلًا) كل عام من راغبي الرهبنة ما يصل إلى مئة شخص يختار منهم في الغالب خمسة أو أقل، والسبب في ذلك بالطبع ليس مسألة عرض وطلب على غرار ما يحدث في الأسواق والبورصات، ولكن الدير -أي دير- يخشى ما يسمى نزوات عاطفة روحية (مراهقة روحية)عند البعض أو تأثر وقتي أو دوافع خاطئة وما إلى ذلك،مما يدفع الدير إلى مزيد من التدقيق والتأني، ولأن القرار في مثل هذه الحالة هو قرار مشترك مابين الشخص المتقدم للرهبنة والدير، فإنه لا يكفى أن يحسم الشخص الأمر على مستواه فقط وإنما يجيء دور الدير في دراسة الطلب، وإذا كان من الصعب أن يقبل الدير كل هذه الأعداد -كما سبق- فإنه يختار أفضل -أو بمعنى أدق- أنسب مَنْ يصلحون.
والحق يقال أن الأمر ليست له معايير محددة، فإن القائمين على الأديرة يسلكون ويقررون بحسب رؤيتهم، مع ما يسند هذه الرؤية من صلوات تقام لأجل هذه الأمر، وهكذا فإن العامل البشرى يعمل كمؤثر حيوي في مثل هذه الأمور، ومن هنا فاحتمالات الخطأ والصواب هي واردة بطبيعة الحال.
أما بالنسبة للمتقدم للرهبنة، فإن وجود المدبر في الدير وهدوء المكان، هما في الواقع عاملان أساسيان عند اختيار الدير، ولكن الأمر يتوقف إلى حد كبير على الشخص نفسه ومدى جديته، فهو يستطيع أن يحيا في أي مكان وأية ظروف.. إن الدير يحتضن جهاد الشخص، وفي الدير تتوافر إمكانيات الخلاص والنمو في الفضيلة والحياة النسكية.
والصفحات القادمة تعرض للأسباب وراء اتجاه الكثير من الشبان والفتيات الآن إلى الأديرة إما طلبا للهرب من العالم، وإهداء الله أفضل ما يملكون من مشاعر وعواطف، رغبة منهم في الالتصاق به والاستمتاع به في ظل حياة هادئة بعيدة عن صخب العالم وشروره "هناك أعطيك حبي" (تش 7: 12) أو بدوافع خاطئة تعود عليهم وعلى الرهبنة كافة بالمتاعب.
وإذ أرجو أن يلقى ذلك بعض الضوء على القضية، فإن ذلك قد يعين الشباب الذين تراودهم فكرة الرهبنة. بصلوات قداسة البابا شنودة الثالث باعث النهضتين الديرية والرهبانية، وشريكه في الخدمة الرسولية نيافة الحبر الجليل الأنبا إيسوزورس، والذي تفضل بمراجعة الكتاب، مفسحا المجال لحرية التعبير.
دير البرموس / الصوم الكبير 2001 م.