عروه من ثيابه
بعد أن أخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة، "عروه وألبسوه رداءً قرمزيًا. وضفروا إكليلًا من شوك ووضعوه على رأسه، وقصبة في يمينه. وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين: السلام يا ملك اليهود. وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه. وبعدما استهزأوا به نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه، ومضوا به للصلب" (مت27: 28-30).
حينما خلق الله الإنسان، لم يكن يلبس ثيابًا، لأنه كان مكتسيًا بثوب البر، بثياب النعمة، ولم يكن يشعر أنه عريان لأنه لم يكن عريانًا من النعمة.
ولكن بعد السقوط شعر آدم وحواء بالعرى و"انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان" (تك3: 7). وقال آدم للرب: "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت" (تك3: 10). وسأله الرب: "من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟" (تك3: 11).
الخطية جعلت الإنسان يشعر بالعرى، لأنه تعرى من البر الذي في المسيح، وانفتحت عيناه وعرف أنه عريان، بعد أن فقد براءته وبساطته الأولى، تلك التي اختبرها قبل معرفة الخير والشر.
وصار الإنسان -في إحساسه بالعرى- يبحث عن وسيلة يستر بها عريه "فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر" (تك3: 7). ولكن أوراق التين لا تلبث أن تذبل وتكشف عريهما مرة أخرى.
"وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما" (تك3: 21). ليستر عريهما بطريقة سليمة. وكان ذلك إشارة إلى عناية الرب في الفداء بتقديم جسد يسوع كذبيحة. لأن ورق التين من الشجر، أما أقمصة الجلد فمن جلد الذبيحة.
كان الإحساس بالعرى هو نتيجة الخطية.. وهكذا صنع البشر الخطاة بالسيد المسيح، حينما عروه من ثيابه للهزء والسخرية من ملك اليهود وقد قَبِلَ السيد المسيح هذا العرى من يد البشر، ليؤكد أن الذي يحمل الخطية لابد أن يتعرى. ولكن السيد المسيح لم يكن عريانًا من البر على الإطلاق.. بل هو ملك البر الذي كهنوته على رتبة ملكي صادق. "لأن ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلى.. المترجم أولًا ملك البر ثم أيضًا ملك ساليم أي ملك السلام" (عب7: 1، 2)،وكان ملكي صادق هذا رمزًا للسيد المسيح ملك البر الحقيقي. وقد قيل أن السيد المسيح قد تعرى من ثيابه، ليلبسنا ثوب بره، لأنه أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له..
لقد جهل هؤلاء العسكر الخطاة أن الذي قاموا بتعريته من ثيابه، هو نفسه الذي ستر عرى آدم ببره الكامل، وبذبيحته المقدسة، التي تمت بواسطتها المصالحة بين الله والإنسان "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله" (رو3: 24، 25).
لقد حمل السيد المسيح عار خطايانا، وكلما رأيناه معلقًا على الصليب بعد أن قاموا بتعريته من ثيابه للمرة الثالثة (المرة الأولى عند الجلد، والمرة الثانية عند إلباسه الرداء القرمزي وإكليل الشوك (انظرمت27: 28) والمرة الثالثة عند الصليب. فكما تعرى آدم من شركة الحياة مع الثالوث القدوس هكذا تعرى السيد المسيح ثلاث مرات وألبسنا ثوب بره بثلاث غطسات في المعمودية على اسم الثالوث القدوس)، نتذكر في خجل وانسحاق ذلك العرى الذي لحق بنا بسبب الخطية.. ولسان حال كل منا يقول للسيد المصلوب:
كلما طافت بك العين انزوت نفسي الخجلى يغطيها بكاها
(من الشعر الروحي لقداسة البابا شنودة الثالث)
هكذا في اتضاع عجيب احتمل السيد المسيح المحقرة والمذلة، ليخلّص شعبه من خطاياهم. وقد تنبأ إشعياء النبي عن احتقار الناس للسيد المسيح في وقت آلامه فقال: "محتقر ومخذول من الناس. رجل أوجاع ومختبر الحزن. وكمستّر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به" (إش53: 3).