رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"الانتظار زمان استعداد وليس استسلام" من آخر العبارات التي رددتها على مسامعنا قبل غيابك، ولكنها ليست آخر ما علمتنا إياه، لأننا لم نكن نعلم أنها بداية عظة طويلة بدأت منذ أكثر من ستة أشهر. عظاتك يا معلم كانت تلمس القلب وتنير الحياة. من عاش معك عن قرب يدرك أنك تعيش أعمق مما تتكلم، وأنك تنطق بما يناسب ضعفنا فتأتينا القوة من حيث لا ندري، كيف لا وهذا من ناموس ربنا ونحن على صورته نحيا! في غيابك، والغياب ضعفٌ بشريٌ، أشرقت قوة كلماتك وغنى إرشادك وحنوّ أبوّتك. ستة أشهر مرت وكثيرون منا أُرهقوا لأنهم لم يجدوا إلى من يرمون همهم بعد الله. ستة أشهر مرت وكثيرون تعبوا لأن عكازهم وسندهم لم يعد قربهم يقويهم. ستة أشهر عبرت كانت كافية لكثيرين أن يدركوا مدى تعبك معهم وصبرك عليهم. ستة أشهر جعلتنا مدفوعين بالشوق نعود إلى عظاتك لنسمعك تقوينا في ضعفنا، فأضحى غيابك هذا أطول عظة تلقيها وأهم درس نسمعه. سمعناك في غيابك تتكلم عن الرجاء في الانتظار قائلا لنا: "اسهروا-قال يسوع- كلما شعرتم أن الزمان طال. حين يتأخر الرب عن الاستجابة يطلب منا زيادة الرجاء". فعلاً شعرنا أن الرب تأخر في الاستجابة ولكننا لم نتذمر بل عدنا إلى ما علمتنا إياه بأن نتعلم عندما نتألم، أن نتعلم شيئا مما يحدث، وأن نزيد العطاء ونقدمه شعلة ترقّبٍ واستعدادٍ كما كنت تقول: " كلّما طال الانتظار كلما ازدادت شعلة الرجاء طولاً. الانتظار زمان استعدادٍ وليس استسلام. الانتظار ترقُّبٌ يتَّقد مع طول زمانه وليس رجاءً يخبو مع طول أيامه." في غيابك أيضاً يا سيدي كلّمتنا عن غربتنا في هذا العالم وعن هذا العالم، كعادتك دائماً لم يكن حديثك مدعاة تشاؤم أو لطم وبكاء، وإنما كما عهدناك أبداً تتكلم عن الواقع الأليم بحكمة إلهية لتؤسس عملاً لواقع أفضل. فأنت في غيابك غريب تعيش مع رفيقك بين غرباء مملكتهم أرضية ومجدهم زائل، غبت بسبب الحرب، وما الحرب إلا عبادة لهذا العالم لمن يؤمن بأن رجاءه ينتهي هنا على هذه الأرض. فهل سيحارب من يؤمن بأن المادة تزول؟ لعمري إنه يسارع إلى البناء والعطاء من يؤمن بأنه يغيب قبل زوال المادة. في هذه الغربة الحقيقية عن هذا العالم سمعناك في غربة الجسد تقول: "المسيحي سائح نحو السماء! المسيحي سائح، سائر،ثائر، مجدِّد، مطوِّر، ساعٍ إلى أورشليم السماوية". أورشليم السماوية هذه ترددت مراراً في عظاتك ولكن لها معنى أعمق عندما نسمعها اليوم، لأننا لم نعد بعد الآن نطلب مدينة أرضية زائلة ولكننا نطلب مدينة باقية في السموات. نحن كمسيحيين نسكن الأرض كمواطني السماء. يمكننا القول أن ثمة فرقاً كبيراً بيننا وبين من يعيش على الأرض لكي يستوطن السماء لأنه بطريقة عيشه على الأرض قد يدمر هذه وتلك، نحن نقول إننا نسكن الأرض مستوطنين السماء منذ اليوم، وهذا يعني أننا على أساس السماوي نبني الأرضيات، ولا نهجرها بل نقدسها. غيابك هذا يا معلم، أشعل فينا رجاءً أنار دربنا إلى أورشليم السماوية وعلمنا كيف نطلبها. فنحن اليوم قد تعلمنا أن نطلبك لا أن نطلب منك ففهمنا قولك لنا: "أن تطلب يسوع غير أن تطلب من يسوع" لهذا نحن اليوم لا نرجو من الله سكنى أورشليم السماوية يوماً ما، ولكننا سنسعى لأن نبني أورشليم السماوية هنا على هذه الأرض المتعبَة. إن وجودنا على الأرض له اليوم صعوباته لكن أساسه هو أن نبدأ فعلاً، ومن هذه اللحظة، أن نكون أبناء الدهر الآتي. لأنه كما كنت تقول: "لكي نتمكن من تجاوز الصعوبات علينا أن ننظر إلى صعوبات الحياة كخطوة لا بدَّ منها نحو الأفضل وكمرحلة عابرة صعبة لكنها عابرة من مخطط صالح أوسع". هكذا فإن غيابك المؤلم والصعب يوقظ فينا خطورة غيابنا جميعاً، ليس غيابنا عن هذه الأرض وإنما غيابنا عن خدمة الله في عالم الشر هذا. أتراك يا سيدي بعد هذه الأشهر لا زلت تطلب من الله حرية الجسد! أم أن الأسر، وقد طال، أصبح سهرانية حمد وشكر على نعمة حرية الروح؟؛ أو تراه أمسى صوماً نورانياً يتغذى على صلوات هي وحدها الغذاء لأنها تطلب الخبز السماوي النازل من على؟ إنني يا معلم أرى غيابك هذا سهرانيةً وصوماً وقداساً إلهياً على مذبح الأسر لأنك أنت سبقت فشددتنا قائلا: "طلب التلاميذ طريقة لمواجهة الصعوبات الآتية فأعطاهم المسيح علاقة. هم سألوا عمّا سيجري لهم أما هو فذكّرهم بمن سيكون معهم". إنك ولا شك في غيابك تدرك أن الله معك يقويك، ونحن بدورنا أدركنا أن كلماتك وتعاليمك معنا تقوينا إذ ترشدنا إلى الله المشدّد قلوب الجميع. طال غيابك يا سيد ولكنه كواحدة من عظاتك نسمعها بإصغاء دون أن يأسرنا الملل ولا الحزن ولا اليأس، لكن اسمح لنا اليوم أن نطلب منك يا معلم أن تقول "آمين" منهياً هذه العظة لا لأنها طالت ولكن لأن لدينا شوقاً عارماً لأن نتقدم بخوف الله وإيمان ومحبة ونتناول من يمناك قرباناً ومسبحةً وأيقونة مثال حي. |
|