رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإنسان خاطئ وبه دخلت الخطيئة إلى العالم. والخطيئة تحمل وراءها الخراب والموت. «لا تقتل». تلك هي الوصيَّة منذ بداية الكون. ولكنَّ قايين قتل هابيل (تك 4: 8). فعلَ، مع أنَّ الله نبَّهه: «الخطيئة رابضة عند الباب» مثل الأسد (آ7). رفض أن يسمع. وكان بإمكان البشر أن ينتقموا من القاتل، أمّا الله فلا. «وضع له علامة» (آ15) وهدَّد من ينتقم. بل إنَّ الله استعدَّ أن يغفر لو أنَّ قايين أقرَّ بذنبه. بل هو فضَّل أن يمضي إلى البعيد، «بعيدًا عن الله» لئلاَّ يسمع توبيخ ضميره، والضمير هو صوت الله.
هنا نتذكَّر لقاء ناتان النبيّ مع داود. «لماذا احتقرتَ كلام الربِّ وعملت الشرَّ في عينيه؟ قتلتَ أوريّا الحثّيَّ بالسيف وأخذت امرأتَه لك امرأة» (2 صم 12: 9). ماذا يستحقُّ هذا الخاطئ الكبير؟ الموت. فهو حكمَ على نفسه بعد أن قدَّم له ناتان مثله: «حيٌّ الربّ! الرجل الذي فعل ذلك يجب أن يُقتَل» (آ5). ذاك منطق البشر، لا منطق الله. فحين أحسَّ داود بذنبه وقال: «خطئتُ إلى الربّ»، ردَّ ناتان حالاً: «الربُّ نقل عنك خطيئتك، وأنت لا تموت» (آ13). وارتبط بداود، الذي دُعيَ النبيّ، مزمور التوبة: «ارحمني يا الله كعظيم رحمتك، وكمثل كثرة رأفتك امحُ معاصيَّ». في الكتاب المقدَّس، يبدو الإنسان مديونًا لله، ودينُه كبير جدًّا، بحيث لا يستطيع إطلاقًا أن يفيه. كيف يعوِّض قايين عن مقتل أخيه هابيل؟ كيف يعوِّض داود عمّا فعل؟ وأخاب الذي سمع من امرأته إيزابيل وقتل نابوت وأخذ له أرضه (1 مل 21: 1ي)، كيف يعيد الأمور إلى نصابها؟ مستحيل! أرسل الربُّ إليه النبيَّ إيليّا لكي يوبِّخه على خطيئته. أحسَّ هذا الملك بفظاعة ما فعل، وقام بفعلة بسيطة تدلُّ على ندامته: «شقَّ ثيابه، وجعل على جسمه مسحًا وصام...» (آ27). اكتفى الربُّ بهذا الاتِّضاع! واكتفى بكلمة من داود. واكتفى بما قاله الابن الأصغر: «خطئتُ إلى السماء وأمامك. ولستُ مستحقًّا بعدُ أن أُدعى لك ابنًا» (لو 15: 21(. غفران تام. انقلاب تامّ. ممّا جعل الابن الأكبر يثور، يرفض المشاركة في الغفران كما في الوليمة. فضَّل أن يبقى في الظلمة ولا يأتي إلى نور المصابيح المضاءة، فضَّل أن يبقى وحده في أنانيَّة قاتلة ولا يكون مع هذا الخاطئ الذي بدَّد خيرات البيت مع الزواني (آ20). هكذا يفعل البشر، لا الله. ما إن رأى ابنه من بعيد حتّى «تحرَّكت أحشاؤه» (في النصّ المترجم: «تحنَّن» أو: «أشفق») مثل أمٍّ رأت ابنها يعود إليها بعد طول غياب. هو ما سأله سؤالاً واحدًا، ولا عاتبه، ولا وبَّخه. اكتفى بأن يقبِّله ويُولم له أعظم وليمة. هكذا يستقبلنا الآب السماويّ كلَّ مرَّة نعود إليه. إن كان يطلب منّا أن نغفر، فلأنَّه هو يغفر، وإن لم يرضَ عن بطرس بأن يغفر سبع مرَّات، بل طلب منه أن يغفر «سبعين مرَّة سبع مرَّات» (مت 18: 22)، أُتراه يغفر أقلَّ ممّا نغفر نحن؟ حسبوا أنَّه يفتقد إلى ثلاثة أو أربعة أجيال، فأجاب: «أصنع الإحسان إلى الألوف من محبِّيَّ وحافطي وصاياي» (خر 20: 6). وما أجمل ما يقول المزمور (30: 6) حين يحسُّ المؤمن أنَّه خاطئ: «إن كان غضبه لحظة، فرضاه مدى الحياة. عند المساء يبيت (أو: يطول) البكاء (على خطايانا) وفي الصباح نرنِّم» (لأنَّ الله غفر خطايانا). ويصلِّي حزقيّا الملك: «تشفيني وتحييني، وتطرح وراء ظهرك كلَّ خطاياي» (إش 38: 16-17). لا مجال لذكرها بعد اليوم. صارت في عالم النسيان. وإذا كان الله نساها، لماذا نتذكَّرها نحن ونتذكَّرها؟ بالنسبة إلينا، تخلق فينا عقدة، مثل تلك المرأة التي لبثت تعترف بخطيئة اقترفتها منذ 16 سنة. أين إيمانها بغفران الله؟ وهذه الجماعة التي اعترفت أنَّ مثل هذه الخطيئة لا تُغفَر بسبب شناعتها، كلاّ وألف كلاّ: لو كانت خطايانا علوَّ الجبال، فرحمة الله أعلى من الجبال. «إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضُّ كالثلج، وإن كانت حمراء كالدوديّ تصير كالصوف» (إش 1: 18). الخوري بولس فغالي |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إن غفران المسيح غفران حقيقي وبالمجان |
لا تشك ابداً في غفران الله |
من تذوق غفران الله |
ما هو غفران الله |
غفران الله ؟ |