استدعى الخليفة البابا وسأله عن العبارة فقال إنها صحيحة، عندئذ سأله أن يتمم ما جاء بها وإلا تعرض الأقباط جميعا لحد السيف. طلب البابا منه مهلة ثلاثة أيام، وخرج على الفور متجها إلى كنيسة العذراء (المعلقة) وطلب بعض الآباء الأساقفة والرهبان والكهنة والأراخنة وأوصاهم بالصوم والصلاة طيلة هذه الأيام الثلاثة. وكان الكل مع البابا يصلي بنفس واحدة في مرارة قلب، وفي فجر اليوم الثالث غفا البابا آبرام من شدة الحزن مع السهر، وإذ به يرى القديسة العذراء مريم تسأله: ماذا بك؟ أجابها: أنت تعلمين يا سيدة السمائيين بما يحدث، فطمأنته، وطلبت منه أن يخرج من الباب الحديدي المؤدي إلى السوق فيجد رجلاً بعين واحدة حاملاً جرة ماء، فإنه هو الذي ينقل الجبل. قام البابا في الحال ورأى الرجل الذي أشارت إليه القديسة مريم وقد حاول أن يستعفي لكنه إذ عرف ما رآه البابا وضع نفسه في خدمته متوسلاً إليه ألا يخبر أحدًا بأمره حتى يتحقق الأمر. عرف البابا أن هذا الرجل يسمى "سمعان" يعمل كخراز، جاءته امرأة ليصلح لها حذاءها وإذ كشفت عن رجلها لإثارته ضرب بالمخراز في عينه فقلعها، فصرخت المرأة وهربت. وإنه يقوم كل يوم في الصباح الباكر يملأ بجرته ماءً للكهول والشيوخ ثم يذهب إلى عمله ليبقى صائمًا حتى الغروب.ذهب البابا والأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة مع كثير من الشعب إلى ناحية جبل المقطم وكان الخليفة بجوار البابا، وكان الوزير اليهودي قد آثار الكثيرين ضد الأقباط.... وإذ اختفى سمعان وراء البابا.... صلى الجميع ولما صرخوا "كيرياليسون"، وسجدوا، ارتفع الجبل فصرخ الخليفة طالبًا الآمان.... وتكرر الأمر ثلاث مرات، فاحتضنه البابا.... وصارا صديقين حميمين.
مسلمون عابرون:-
وفى عهد العزيز ابن المعز لدين الله الفاطمى سادت الحرية الدينية وكان يرفض أن يلحق الأذى بالمسلم الذى يعلن إنضمامه لدين المسيح
فى منطقة طلخا كان هناك إمرأة مسيحية تزوجها رجل مسلم بالقوة وكان لهما ولداً إسمه مزاحم , وبلغ مزاحم من العمر إثنى عشرة سنة وهو فى دين أبية ولاحظ أن أمه تتركه وتذهب إلى الكنيسة كل أحد , فتبعها ذات يوم لترى ماذا تفعل داخل الكنيسة وخرجت ومعها قربانة فرجا أن تعطيه جزءاً منها فلما ذاق إستلذ طعمها , فكان يتتبع أمه كل أحد وينتظرها ليأخذ القربانه ثم دخل معها فى الأسابيع التالية , وبدأت علاقته بالمسيح فقد كان يذهب للكنيسة من تلقاء نفسه وفى عيد السيدة العذراء ذهب إلى الأنبا زخارياس أسقف دمياط ونال المعمودية على يد أحد كهنة الإيبروشية وأطلق عليه إسماً مسيحياً هو "جرجس" وبهذا أصبح معروفا بإسمه الجيد والقديم " جرجس المزاحم " لما فى إسمه القديم من معنى ثم تزوج من سيولا إبنة القمص أبانوب راعى كنيسة بساط النصارى0
وعلم المسلمين بمسيحيته وخاصه أهل ابيه أرادوا أن يقبضوا عليه لأرجاعه إلى دين أبيه , فخافت عليه زوجته وهرًبته , فلما إكتشفوا ذلك ضربوها ضرباً مبرحاً لكى تقر بمكانه , أما جرجس فقد عمل فى معصرة للزيت فترة من الزمن ولكن المسلمين عرفوا مكانه فراحوا يهددونه ويرغبونه ويقلقونه فتارة يلقونه فى السجن ويطلقون سراحه وتارة يضربونه ضرباً مبرحاً ومرة يعذبونه وأخرى يحاولون إغراؤه بالمعيشة الرغدة والمقتنيات العالمية 0
وحاول والى المنطقة إقصاءهم عنه وأخبرهم أنه كتب للسلطان يستفهم منه عما يجب عمله مع مثل هذا الرجل , وتوقف المسلمين عن التعرض له لمدة أسبوع , وفى خلال الأيام الأخيرة كان جرجس فى سجنه يصلى بلا إنقطاع ويستشفع برئيس الملائكة ميخائيل وفى نصف الليل ظهر له رئيس الملائكة داخلاً زنزانته وهو يحمل رداء أبيض كالثلج وقال له : " إفرح ياجرجس يا عبد يسوع المسيح إن لى إسبوعا أسأل الرب عنك , فأرسلنى الليله إليك بهذا الرداء لتكون لك به قوه لتحمل الآلام , فتقدم إلى لأغطيك به " وأطاع جرجس الأمر وحين نشر الملاك الرداء عليه صار واحداً مع جسده , ورسم عليه علامةالصليب , وتوارى عن عينيه 0
وبدأ جرجس جهاده فى اليوم التالى , فكان المسلمون يعذبونه حتى يموت أمامهم فيتركونه ملقى فى السجن ثم يذهبون لحال سبيلهم , وعندما يعودون فى اليوم التالى يجدونه ما زال على قيد الحياة فيعاودون تعذيبه وإستمروا على هذا الحال من الحادى عشر حتى الثامن عشر من بؤونه 695 سنة 979م أى حوالى سبعة أيام وحدث أن جاءهم رسول سلطانى إلى الوالى يحمل خطاباً يأمرهم بترك جرجس وشأنه , وقد قال الرسول السلطانى شفاهياً بأن إثنين من سكان القاهرة قد إعتنقا المسيحية وأن السلطان تركهما وشأنهما ( عدا الشهيد الواضح بن الرجاء ) ولكن حدة غضب المسلمين وثورتهم جعلتهم يتجاهلون الأوامرالسلطانية 0
وفى صباح يوم 19 بؤونة ذهب العامة ورعاع المسلمين إلى السجن وخيروا جرجس بأن عليه أن يختار بين الموت وإنكار المسيح ويبقى على قيد الحياة مسلماً , ولكن تهديدهم ضاع هباءً منثوراً , فأعلن لهما أنه على إستعداد لا لتقبل العذاب بل الموت مسيحيا على أن يصير مسلماً – فأخرجوه خارج البلدة وساروا به إلى شاطئ البحر وهناك ظهرت وحشيتهم فضربه جمهور المسلمين بالعصى والهراوات وسقطت بعض الضربات على رأسه فمات وظلوا يضربونه إلى أن تهشمت جمجمته , ولم يكتفوا بذلك بل أنهم قطعوا جسدة إلى أجزاء ورموا بجميع أجزاء جسدة فى البحر
وبعد أن فعل المسلمين جريمه قتلهم جرجس تركوا المكان وراحوا يتفاخروا بوحشيتهم , وحدث فى ذات اليوم أن شماساً كان ماشياً عند شاطئ البحر فسمع صوتاً لم يعرف مصدرة يقول له : " يا أيها المؤمن المار على هذا الشاطئ – بإسم المسيح إنتظر إلى أن تقذف الأمواج إليك بجزء من جسد الشهيد جرجس المزاحم , فخذه وإعطه لزوجته المباركة سيولا " وإنتظر الشماس ليرى ماذا سيحدث , فرأى جزء من جسد قذفت به الأمواج فأخذه إلى بيت القديس جرجس فأخذت أمه الجسد ولفته بقماش أبيض وذهبت به إلى السيدة البارة سيولا التى وضعته بدورها فى بيت أبيها فترة من الزمن ثم وضعته فى الكنيسة بعد ذلك ولشده الآلام والعذابات التى لاقت القديس المصرى جرجس المزاحم أعطى ربنا للقطعه الباقية من جسده كرامة بعمل آيات ومعجزات وعجائب عديدة
الخليفة الحاكم بأمر الله:-
أمر الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمى باعتقال البطرك
زخريس لمدة ثلاثة شهور. وكان التسامح مع الأقباط فى عهد
المعز والعزيز قد مكن لكثير منهم العمل فى الدواوين والحصول
على كثير من النفوذ والأموال، وبالتالى تعاظمت الشكاوى منهم من
المنافسين والعوام بعد أن تم شحن القلوب بالتعصب الدينى . وأثمرت
السعاية بهم فى إغضاب الحاكم بأمر الله
- وكان لا يملك نفسه إذا غضب -
لذلك أمر بقتل عيسى بن نسطورس وفهد بن إبراهيم وهما من كبار النصارى فى الدواوين .
ثم أعاد الخليفة الحاكم العمل بمرسوم الخليفة المتوكل العباسى
فيما يخص ارتداء النصارى أزياء معينة للتحقير والتشهير ومنعهم
من الاحتفال بأعيادهم، وصادر أوقاف الكنائس وأحرق الصلبان
ومنع الأقباط من شراء العبيد والجوارى، وهدم الكنائس فى المقس
وخارج القاهرة وأباح للعوام نهبها فساهم فى زيادة التعصب بين
أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد.
وتطرف الحاكم بأمر الله الفاطمى
فى تحقير الأقباط فألزمهم بتعليق صلبان خشبية ثقيلة (5 أرطال) فى أعناقهم ومنعهم ركوب الخيل، ومنع المسلمين من السماح لهم
بالركوب على الحمير بالأجرة أو الركوب فى المراكب بأجرة..
ثم تطورت الحالة الجنونية بالخليفة الحاكم الفاطمى فأخذ
فى هدم الكنائس كلها وأباح للناس ما فيها نهباً وإقطاعاً، فنهب العوام كل ما فى الكنائس واقتطعوا أرضها واقتسموها
وبنوا مساجد مكانها وأقيمت الصلاة الإسلامية فى الكنائس
المشهورة التى بقيت على حالها مثل كنيسة شنودة والكنيسة المعلقة.
وانتقلت الحمى للعوام فتكاثروا بالشكاوى على ديوان الخليفة
يطالبون بمستحقات وهمية لهم على الكنائس وأمتعتها، وكانت السلطات الفاطمية توافقهم، فامتلأت الأسواق بالمنهوبات
من أمتعة الكنائس والنصارى مثل أوانى الذهب والفضة والأيقونات
والثياب الفاخرة وغير ذلك
وانتقل الاضطهاد من القاهرة إلى الأقاليم فكتب الخليفة الحاكم
إلى ولاته بتمكين المسلمين من هدم الكنائس والأديرة فعم الهدم فيها منذ سنة 403 هجرية واستمر الهدم حتى وصل طبقاً
لإحصاء المقريزى سنة 405 هجرية إلى أكثر من ثلاثين ألف
منشأة دينية بين بيعة لليهود ودير وكنيسة للنصارى فى مصر
والشام وتم نهب كل مقتنياتها وأوقافها.
ثم اشتدت الحالة العصبية بالخليفة فأصدر قراراً
بنفى الأقباط وإخراجهم من مصر إلى بلاد الروم ومعهم اليهود،