رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القيم بقلم: البابا شنودة الثالث كلمة قيم من الناحية اللغوية هي لفظة جمع مفردها قيمة, وتعني الاشياء ذات القيم التي تقود الانسان في حياته, أو هي الأمور السامية ذات القيمة التي يهتم بها كل من يجمع طريقا فاضلا.. ويتمسك بها كمباديء يبدأ بها كل عمل يعمله. فما هي الأشياء التي لها قيمة في تقديرك وتقود أعمالك؟ ان الناس يختلفون من جهة القيم, فالانسان الروحي له قيم عالية يضعها أمامه باستمرار, منها البر والاهتمام بالحياة الابدية, بينما هناك اشخاص في العالم يعيشون بلا قيم, أو لهم قيم اخري غير روحية, أو لهم تقييمهم الخاص للأمور, وبناء عليه يتبعون منهجا آخر في الحياة. في قلب كل انسان يوجد اهتمام بشيء معين له القيمة الأولي في تقديره الخاص, ويركز فيه كل عاطفته, وهناك من يركز جهده في المال ويعطيه كل القيمة, وهناك من يركز القيمة كلها في الشهرة أو العظمة, وهناك من يجعل القيمة كلها في النجاح أو التفوق, وهناك شخص كل القيم أمامه ان ينتصر علي اعدائه.. وبحسب هذا التركيز قد تختفي القيم السامية التي ربما لايفكر فيها اطلاقا. هذا ونتعرض لموضوع مهم هو الغرض والوسيلة: فقد يوجد إنسان قد يضع امامه غرضا معينا يعطيه كل القيمة, وربما في سبيل ذلك لايهتم مطلقا بنوعية الوسيلة الموصلة إليه, فلا مانع مثلا من الكذب والخداع والغش والحيلة, لكي يصل إلي غرضه ايا كان هذه الغرض, فإن وصل يشعر بفرحة النجاح, حتي ان كان قد ارتفع علي جثث غيره, أو كانت راحته تقوم علي تعب الآخرين! مثل هذا الشخص هو شخص وصولي, يعيش بلا قيم, وقد فقد الغرض والوسيلة كليهما, اما الانسان الروحي فانه يضع امامه غرضا صالحا, وتكون وسائله إلي هذا الغرض الصالح هي وسائل صالحة ايضا. نتكلم أيضا عن النجاح فكل انسان يشتاق إلي النجاح, ويمثل النجاح احدي القيم التي يضعها أمامه, ولكن ماهو النجاح بمعناه الحقيقي؟ ذلك لان الاشرار يفرحون ايضا اذا ما نجحوا في تحقيق الشر الذي يريدونه! وكل صاحب غرض يفرح بنجاحه في الوصول إلي غرضه مهما كان خاطئا بينما المعني الحقيقي للنجاح ليس هو هذا. فالنجاح هو أن تنتصر علي نفسك, لا أن تنتصر علي غيرك, والنجاح هو أن تصل إلي نقاوة القلب, وليس إلي مجرد تحقيق أغراضك ايا كانت, ونجاحك هو ان تمهد نفسك للابدية السعيدة, بما تفعله من بر. فإن خرج نجاحك عن هذه القيم, يكون فشلا لا نجاحا, لذلك كثيرا ما يفرح انسان بأنه قد نجح, بينما السماء ترثي لحالته, وقد يظن أنه نجح في أمر من أمور هذا العالم الحاضر, بينما يكون قد خسر أبديته! لهذا علينا أن نتكلم عن الاهتمام بالأبدية كإحدي القيم المهمة والرئيسية في حياة الإنسان الروحي, فكل عمل أو غرض يتعارض مع ابديته, يرفضه رفضا كاملا, ولايقبل في ذلك نقاشا, ولذلك يقول في نفسه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟! ليتك تسأل نفسك ايها القاريء العزيز: ماهي قيمة الابدية في حياتك؟ هل هي احدي القيم الاساسية التي تحرص عليها ولاتبرح أبدا من ذاكرتك, أم تشغلك أمور كثيرة لاتجعلك تفكر في الأبدية. إن كان البر والفضيلة هما احدي قيمك وكذلك الأبدية, فهناك سؤال مهم عن علاقتك بالغير: ما قيمته في نظرك؟ هل تنظر إلي كل انسان باعتباره أخا لك في البشرية, تحبه ويهمك أمره؟ وهل تحرص علي مشاعر الناس, كل الناس؟ وهل تقدر قيمة النفس, أي نفس؟ هل كل انسان نفسه ثمينة عندك؟. تهتم بها كما تهتم بنفسك, تحب له الخير كما تحبه لنفسك؟ وتحرص عليه وعلي مصالحه كما تحرص علي أعز احبائك؟ وما يصيبه كأنه يصيبك, ومايفرحه يفرحك, وما يسيئه يسيئك؟ ان هذه هي احدي القيم التي يحافظ عليها الانسان الروحي, اعني تقديره لقيمة النفس البشرية ايا كانت, وحرصه الشديد في المحافظة علي حقوق ومشاعر كل احد. انك يا اخي ـ لو ارتفعت قيمة الانسان في نظرك ـ لوجدت نفسك بالضرورة تحترم كل انسان, وتحب كل انسان ولاتجرؤ ان تجرح شعور انسان ما ولاتجرؤ ان تخطيء إلي أحد, ولا ان تخطيء مع أحد وتعثره, بل تخاف ان يطالبك الله بدمه في اليوم الأخير. انا اعرف انك قد تهتم بمشاعر الكبار, ولكنك قد تتجاهل الصغار وتنساهم! فيجب ان تهتم بالكبير والصغير, بالعاقل وبالجاهل, ولايكون احد منسيا أمامك, بل كل نفس هي عزيزة عندك وتكون مستعدا ان تتعب من أجل كل احد يلقيه الله في طريقك, هذا ونتعرض إلي نقطة أخري من جهة الراحة والتعب: فالانسان العادي يهمه ان يستريح ولو تعب الناس! أما صاحب القيم فيجد راحته الحقيقية في أن يتعب لكي يستريح الناس, فهذه قيمة مهمة عندك. الراحة عنده هي أن يريح غيره لا نفسه, والراحة في مفهومه هي راحة ضميره, وليس راحة جسده فقط, وهو يدرك تماما أن الراحة الحقيقية هي الراحة في الأبدية, وليست مجرد الراحة علي هذه الأرض. إن التعب من أجل الغير هو احدي القيم التي يهتم بها الانسان الروحي, ويعرف أنه في الابدية سيأخذ اجرته بحسب تعبه. |
|