رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الثقة والصلاة المتواضعة إن الثقة بالله، التي تتأصل في هذا الإيمان، تزداد رسوخاً على قدر ما تزداد تواضع؛ فليس المقصود بالثقة أن نتجاهل عمل القوات الشريرة في العالم، وهيَّ القوات التي تدَّعي أنها تُسيطرّ عليه من جهة روح الفساد التي تعمل في أبناء المعصية:
عموماً.. نجد في العهد القديم دعوة إلى الثقة غير المشروطة، ونجد هذه الثقة في أوج معناها عند يهوديت، التي أعطتنا عنها مثالاً لا يُنسى قط، مثالاً ينبغي أن نحتذي به: فقد تكلمت إلى شيوخ الشعب عندما سمعت أن عُزّيا وعد أن يُسلم المدينة إذا لم يتدخل الله بعد خمسة أيام قائلة، وهذا ما نراه عند البعض حينما يضعوا شرطاً أمام الله أن لم يتدخل وينقذهم أو يُتمم ما يطلبونه في الصلاة : [ من أنتم حتى تُجربوا الرب، ليس هذا بكلام يستعطف الرحمة، بل بالأحرى يُهيج الغضب ويُضرم السخط فإنكم قد ضربتم (حددتم) أجلاً لرحمة الرب وعينتم لهُ يوماً كما شئتم (إذ أنهم قالوا: إن لم تأتينا معونة بعد خمسة أيام نُسلّم المدينة) ولكن بما أن الرب طويل الأناة فلنندم على هذا ونلتمس غُفرانه بالدموع المسكوبة.إنه ليس وعيد الله كوعيد الإنسان ولا هوَّ يستشيط حنقاً كابن البشر لذلك فلنذلل لهُ أنفسنا ونعبده بروح متواضع ولنسأل الرب باكين أن يؤتينا رحمته حسب مشيئته لنفتخر بتواضعنا مثلما اضطربت قلوبنا بتكبرهم ] (يهوديت 8: 11-17)، وطبعاً - هنا - واضح التأكيد على كلام الرب نفسه الذي قال : [ لا تجرب الرب إلهك ]، وهذا بالطبع يوضح أيضاً ضعف الثقة في الله واليأس من تدخله وهذا لا يُرضي الله لأنه بدون إيمان يستحيل إرضاؤه !!! ((( وطبعاً نجد البعض قد فهموا خطأ كلمة أعطوني العشور وجربوني أن الله سمح للناس أن تجربه في العشور فقط، كما نسمعها من بعض الشراح [ أن الحاجة الوحيدة اللي سمح فيها الله ان نجربه بإعطاء العشور ]، وهذا تفسير مُغالط تماماً للكتاب المقدس لأنه يضع في أذهان الناس أن لهم حق أن يجربوا الله إذ يعطوا العشور لكي يتمم لهم شيء معين وهذا خطير وعكس الإيمان الحي، لأن نص الآية في العبرية معناه [ أعطوني العشور واختبروا (تذوقوا) حناني ] ))) عموماً فإن هاتان الفضيلتان: [ الثقة والتواضع ]، يُعبَّر عنهم في صلاة المساكين الذين مثل سوسنة العفيفة، هؤلاء الذين يحيوا دون حماية وفي خطرّ الموت، تكون قلوبهم واثقة بالله الذين يحبونه ويحيوا في طاعته، فسوسنة عندما اتهمت بالزنا وشهد عليها شهادة زور، لم تُدافع عن نفسها بلّ: [ فرفعت طرفها (طرف عينيها) إلى السماء وهيَّ باكية لأن قلبها كان متوكلاً على الرب ] (دانيال 13: 35) ومن ثمَّ فإنه من أعماق الهاوية ينطلّق نداء المزامير بثقة: [ أما أنا فمسكين وبائس، الرب يهتم بي، عوني ومنقذي أنت يا إلهي لا تُبطئ ] (مزمور 40: 17) [ وأما أنا فعلى رحمتك توكلت يبتهج قلبي بخلاصك ] (مزمور 13: 5) [ كثيرة هيَّ نكبات الشرير أما المتوكل على الرب فالرحمة تُحيط به] (مزمور 32: 10) (وللأهمية الشديدة أنظر مزمور 2: 12، مزمور 130 كله والمزمور 131، الذي هوَّ تعبير واضح وصادق عن هذه الثقة المتواضعة التي سوف يُعطيها ربنا ومخلصنا الكلى الصلاح الفائق، كمالها الأخير في تجسده) فالرب يسوع مخلصنا، دعا – في الواقع – تلاميذه للانفتاح كأطفال لعطية الله: [ الحق الحق أقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد لن يدخله ] (مرقس 10: 15) حينئذٍ، فقط، ستكون الصلاة إلى الآب السماوي على يقين من ينال كل شيء، والآب نفسه سيُعطي أثمن عطية للإنسان بما يفوق اي تصور أو عطايا جيدة يُعطيها الآباء لأبنائهم، لأن الآب نفسه يحبنا في المسيح يسوع لأننا صرنا أبناء في الابن الوحيد: [ وأنا أقول لكم أسألوا تُعطوا، أطلبوا تجدوا، أقرعوا يُفتح لكم، لأن كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يُفتح لهُ. فمن منكم وهوَّ أب يسأله ابنه خبزاً أيعطيه حجراً، أو سمكة أيعطيه حية بدل السمكة، أو إذا سأله بيضة أيُعطيه عقرباً، فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الآب الذي من السماء يُعطي الروح [1] القدس للذين يسألونه ] (لوقا 11: 9-13)
ولكن بالرغم من ذلك الخضوع [ خضوع الطبيعة للإنسان المؤمن إيمان حي بيسوع ]، فإن على أبناء الله أن يتوقعوا من غير المؤمنين ألواناً مختلفة من الهُزأ والسخرية والاضطهاد، وذلك بسبب ثقة البنوة ذاتها، أي ثقتهم كبنين في الله أبوهم بالحقيقة، فالرب يسوع نفسه قد اختبر ذلك – كما نعلم من الأناجيل والتاريخ ( وإلى الآن طبعاً ) في الهزأ منه وقت صلبه : [ قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراد، لأنه قال أنه ابن الله ] (متى 27: 43)، [ فإنه إن كان الصدّيق ابن الله فهوَّ ينصره وينقذه من أيدي مقاوميه ] (حكمة 2:18) عموماً، أمام الاضطهادات والسخرية والمشاكل اليومية التي يُثيرها عدو كل خيرعلى من يحب الرب بكل قلبه في عدم فساد، عن طريق كل من هم يقودهم بالشر في ظلمة الفساد والعائشين تحت عبودية الموت، ينتصر المؤمنين بقوة الثقة في المسيح الرب الذي عبر على السخرية بثقة لأنه هو ابن الله بالطبيعة، ولكونه اتخذ جسم بشريتنا فوهبنا نفس الثقة التي له لنفوز ونغلب وننتصر، لا بالشكل الإنساني المعروف بأن يُرفع الألم أو الضيق، أو ينتقم من مضطهدينا، بل بأن نتمجد معه كما تمجد أيضاً بصفتنا أننا أولاد الآب السماوي في شخصه القدير الحي، القائم من الأموات منتصراً على الموت لحسابنا نحن ومعطينا سلامه الذي يفوق كل عقل؛ ولنصغي لسخرية الناس التي نراها في كل زمان ونتعلم كيف تكون الثقة في الله الحي في أشد ساعات الظلمة والاضطهاد فمكتوب في إنجيل متى وهو مستند على سفر الحكمة :
ونجد صدى هذه الثقة في الله وقت الاضطهاد واضحة في المزامير، إذ يقول المرنم: [ أبغضت الذين يراعون أباطيل كاذبة. أما أنا فعلى الرب توكلت. أبتهج وأفرح برحمتك لأنك نظرت إلى مذلتي وَعَرفتَ في الشدائد نفسي ولم تحبسني في يد العدو بل أقمت في الرحب رجلي ...أما أنا فعليك توكلت يا رب. قُلتُ إلهي أنت. في يدك آجالي [ مفردها أجل: نهاية زمن – والمقصود ساعة الموت ]. نجني من يد أعدائي ومن الذين يطردونني. أضئ بوجهك على عبدك. خلصني برحمتك ... ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك. وفعلتك للمتكلين عليك ... تسترهم بستر وجهك من مكايد الناس ... لتتشدد ولتتشجع قلوبكم يا جميع المنتظرين الرب ] (مزمور31)
ويلزمنا أن نعرف أن عدو صلاة الإيمان الواثق هو الشك، لأن الشك هو السبب الرئيسي في عدم استجابة صلواتنا أو رؤيتنا الداخلية لله القدوس الحي أو سبب عدم قدرتنا على احتمال المشقات وفقدان الفرح و السلام وسط التجارب والضيقات وكما هو مكتوب: [ احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة. عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً. و أما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين و كاملين غير ناقصين في شيء. و إنما أن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء و لا يعير فسيعطى له. ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة لأن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الريح و تدفعه. فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئا من عند الرب. رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه ] (يعقوب 1: 2 – 8) _____________________ [1]بالنسبة لعطاء الروح القدس في هذه الآية، يذكر متى "ما هوَّ صالح" أما لوقا فإنه يذكر "الروح القدس" الذي هوَّ، في نظره، العطية المثالية المملوءة صلاحاً يفوق كل صلاح يعرفه الإنسان بما لا يُقاس، والذي غالباً ما يوهب في سفر أعمال الرسل؛ والآية " فكم بالحري الآب الذي من السماء يُعطي الروح القدس للذين يسألونه؟!" مقصود بها هوَّ إن كان آباؤنا الأرضيين يهتمون أن يقدموا خبزاً وسمكة وبيضة لكي نقدر أن نعيش على الأرض، فإن الآب الذي من السماء يُعطي الروح القدس الذي هوَّ وحده روح الشركة، يُثبتنا في الابن الوحيد الكلمة المتجسد، منطلقاً بنا (الابن) بالروح القدس إلى حضن الآب السماوي. فعمله أن يهبنا " الحياة الجديدة" الحاملة للسمة السماوية. لكي نعود إلى الحضن الأبوي.. وليس المقصود هُنا، إننا في كل مرة نطلب من الآب، نأخذ الروح القدس، فهوَّ يُأخذ مرة واحدة للسُكنى، بعد المعمودية بالميرون، ولكن ما نناله هوَّ الامتلاء "امتلئوا بالروح"، وبه نزداد ثباتاً وتوبة وإيماناً ومحبة.. [2]طبعاً المقصود هنا ليس قدرة الإنسان في حد ذاتها، ولكن المقصود هوَّ قدرة الله لتلبية إيمان الإنسان بحسب مشيئته، وليس حسب هوى الإنسان ورغباته، مهما كانت صالحة في شكلها، وتهدف إلى الخير الأسمى، لأن الأمور تكون صحيحة وتامه حينما تكون حسب مشيئة الله، وعلى الإنسان ان يطلب روح إفراز وتمييز وقيادة بالروح القدس حتى يتصرف وفق مشيئة الله وصلاحه لأجل مجد الله الواحد الحي الحقيقي، لأن المعجزات ليست شو إعلامي، وليست لظهور الإنسان أمام الناس وتكريمه كما يفعل البعض حينما يسمعوا معجزات تمت عن طريق القديسين [ فالجموع لما رأوا ما فعل بولس ( شفاء الرجل المولود عاجز القدمين ولم يستطع المشي قط) رفعوا صوتهم بلغة ليكاونية قائلين أن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا.فكانوا يدعون برنابا زفس وبولس هرمس إذ كان هو المتقدم في الكلام.فأتى كاهن زفس الذي كان قدام المدينة بثيران وأكاليل عند الأبواب مع الجموع وكان يُريد أن يذبح. فلما سمع الرسولان برنابا وبولس مزقا ثيابهما واندفعا إلى الجمع صارخينوقائلين: أيها الرجال لماذا تفعلون هذا نحن أيضاً بشر تحت الآم مثلكم، نُبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيه ] (أعمال 14: 11 - 15) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مثل الفريسي والعشّار والصلاة المتواضعة |
الشخصية المتواضعة |
إيماننا الحي - إعادة فحص، المعنى الأول، تابع (3) الثقة والصلاة |
إيماننا الحي - إعادة فحص، المعنى الأول، (3) الثقة والصلاة |
صلاتي المتواضعة |