رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قال ماريعقوب السروجى: " بأي ميت تحرَّكتْ الأموات وقاموا من القبور! مَن مِن الأموات سقطت قدامه أسوار الهاوية! من هو الذي رفَس القبور فتجشأت الأموات! من هو الذى ألقى الخراب فى أرض الموت المخصبة! من هو الذى ربُط وصُـلب بين لصوص وحل المربوطين من الظلام وأخرجهم! من هو الميت الذى أعطى الحياة الجيدة وارتعدت منه قرية الأموات لمَّا نظرته داخلاً إليها! من هو الذى وضع عليه إكليل الشوك وصُلب وحل تاج الموت لئلا يملك أيضاً! اخز أيها اليهوديّ وأعلم أنَّه الله وابن الله.. " لقد أفصح المسيح بسكوت الموت عن رهبته وجلاله، وشـرح مفهوم الحياة وسر الخلود وأعـلن لنا أنّه ابن الله. صرخ يسوع بصوت عظيم فماذا قال؟ " يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي " (لو46:23)، فكانت أول كلمة ينطق بها على الصليب " يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ " (لو34:23)، وهى أيضاً آخر كلمة نطق بها على الصليب فأفكاره، أعماله... تهدف كلها لتمجيد اسم أبيه، وكان طعامه وشرابه أن يفعل مشيئة الآب، أمَّا محبة أبيه فقد كانت مسرّته وبهجة قلبه. قبل يُصلب المسيح كان كل من يموت تأتي الشياطين ويتسلّمون روحه، لأنَّ العالم كان فى قبضة الشيطان، وقد عبّر المسيح عن هذا بقوله: " رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ " (يو30:14)، وعندما مات لعازر المسكين يقول الكتاب المُقدّس: " فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ " ( لو22:16)، أمَّا ابن الله فما كان ممكناً لأحد من الملائكة أو رؤساء الملائكة أن يحمل روحه الطاهرة، إنَّما الآب هو وحده الذي له الحق أن يتسلمها. لقد عادت روح القدوس إلى الآب، فاحتفلت السماء بانتصاره العظيم وحيته الملائكة بقيثاراتها الروحيّة، وهتف بابتهاج الواقفون أمام العرش الإلهيّ، وفى هذا اطمئنان لأرواحنا أنَّها لا تفنى بالموت بل ستظل خالدة، وعن هذا الخلود تساءل أيوب الصديق قائلاً: " إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟ " (أى14:14)، فجاء السيد المسيح وأجابه: " مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا " (يو25:11). إن البشرية ترى يسوع مولوداً من امرأة ، عائشاً كالمساكين، مُهاناً كالضعفاء، مصلوباً كالمجرمين، فتبكيه وترثيه وتندبه، وهذا كل ما تفعله لتكريمه، إنَّها تقف أمام صليبه كطفلة متأوهة بجانب الطائر الذبيح، ولكنها تخشى الوقوف أمام العاصفة التي تُسقط بأعاصيرها الأغصان اليابسة، وإن كانت تستيقظ فى ذكرى صلبه يقظة الربيع وتقف باكية لأوجاعه، إلاَّ أنَّها سرعان ما تطبق أجفانها وتنام نوماً عميقاً، إلى الآن لا يزال البشر يعبدون الضعف بشخص يسوع! ولكن يسوع كان قوياً، ولَعَلَّ السبب في هذا هو أنَّهم لا يفهمون معنى القوة الحقيقية!! ولهذا يقول جبران خليل جبران: " ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً، ولم يمت شاكياً متوجعاً، بل عاش ثائراً، وصُلب متمرداً، ومات جباراً، لم يكن يسوع طائراً مكسور الجناحين، بل كان عاصفة تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجة، لم يأتِِِ يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزاً للحياة، بل جاء ليجعل الحياة رمزاً للحرية والحق، لم يخف يسوع مضطهديه، ولم يخشَ أعداءه، ولم يتوجع أمام قاتليه، بل كان حراً على رؤوس الأشهاد، جريئاً أمام الظلم والاستبداد، يسمع الشر متكلّماً فيُخرسه، ويلتقي بالرياء فيصرعه.. هذا ما صنعه يسوع وهذه هى المبادى التى صُلب لأجلها مختاراً، ولو عَقَل البشر، لوقفوا اليوم فرحين، متهللين، منشدين أناشيد الغلبة ! ". فلا تقل: أهكذا تبتلع اللجة العصفور؟! أهكذا تنثر الرياح أوراق الورود؟! بل قل: لقد مات المسيح ليقوم، وفى وادى الموت سأرفع تمثالاً للحب الإلهى رمز الحياة، وفى الربيع سأمشى والحُب جنباً إلى جنب مترنمين بين الزهور، وفى الصيف سأتكيء والحُب ساندين رأسينا على الأعشاب، ساهرين مع القمر والنجوم، وفى الخريف سأذهب أنا والحُب، متأملين أسراب الطيور المهاجرة، وفى الشتاء سأجلس والحب بقرب الموقد مرددين حكاية يسوع البار مع البشر، متأملين كيف أحبنا وبذل ذاته من أجلنا! |
|