بين الهوية والعقيدة -8
الاحد 21 اكتوبر 2012
من الصميم :
القمص روفائيل سامي
تتعدد آراء العلماء في أمور حياتية كثيرة وتختلف من حيث المعرفة والدلائل, ولكن أمام الحضارة المصرية والإنسان المصري وتاريخه يقف الجميع منبهرا.. فمصر تاريخ وحضارة وأصالة منها خرجت الثقافة وفيها وعلي أرضها تعلم العالم الكثير وكان لنا خير شاهد علي ذلك وهو موسي النبي الذي عاش في مصر الأربعين سنة الأولي من عمره وقال عنه الكتاب وفي ذلك الوقت ولد موسي وكان جميلا جدا فربي هذا ثلاثة أشهر في بيت أبيه. ولما نبذ اتخذته ابنة فرعون وربته لنفسها ابنا. فتهذب موسي بكل حكمة المصريين وكان مقتدرا في الأقوال والأعمال. ولما كملت له مدة أربعين سنة خطر علي باله أن يفتقد إخوته بني إسرائيل. أع7: 20-23 فمصر بلد الثقافة والحضارة وصاحبة أول جامعة كان يدرس بها الطب والهندسة والعمارة وكل الفنون والفلسفة والآداب والفلك وكثير من العلوم ومنها خرج شعاع المعرفة والثقافة للعالم أجمع وغالبية العلماء نقلوا عن مصر علمهم وكان منهم الأمين فأفصح عن مصدر علمه واعترف بالجميل ومنهم من أنكر ولكن في النهاية أقول إن مصر وطنا ولغة وفنا هوية نفتخر بها نحن الأقباط أي نحن المصريين. ويحضرني ما قاله أفلاطون علموا أولادكم كيف نتذوق الفنون ثم بعد ذلك أغلقوا السجون.
الفن المصري القديم (القبطي) علامة في تاريخ البشرية له دوره في الفن العام والثقافة في العالم فعن طريقه عرفنا التاريخ وعرفنا الطب والهندسة والعمارة والرسم علي الجدران وأمورا كثيرة كان الفن القبطي أي المصري القديم دعامة من دعائمها قال عنه عالم القبطيات الفرنسي بيير دي بورجيه Pierre Du Bourguet إن الفن القبطي هو فن له خصوصية واضحة وهو بدون منازع يحتل مكانة أولي كفن أصيل وهو شاهد حضاري يمثل الشخصية المصرية في عمق امتدادها واتصالها بمنابع الحضارة المصرية القديمة ويمثل حلقة الوصل في استمرارية هذه الفنون المصرية علي أرض مصر وتأثيرها الواضح علي كل حقب تاريخ الفن المصري حتي يومنا هذا . كما يؤكد أن التأثيرات الهيلينية علي الفنون القبطية لم تستطع أن تنزع عن هذا الفن شخصيتة المميزة كما يقول إن الفن القبطي فن أصيل وقيمته الجمالية التشكيلية تحمل نزعة كبيرة ورائعة بمقاييس فنون الحداثة في عصرنا الحاضر كما يذكر أن الفنون القبطية لها تأثير واضح علي فنون مصرالمختلفة. ومن هذا المنطلق أستطيع أن أقول ليس الفن لحنا من الألحان ولا هو صورة من الصور أوتمثيلية أو مسرحية إنما الفن أحاسيس ومشاعر داخل الشخصية تنعكس علي الهوية التي ينتمي إليها الإنسان فتعبر عن وطنيته .. أعجبتني أخت فاضلة من الصحفيات المصريات تذهب إلي بلاد أوربا كثيرا في حديث معي عن الفن القبطي فقالت لي: إنني عندما تطول بي الإقامة في الخارج وأحب أن أشعر بمصريتي أذهب إلي الكنيسة القبطية في البلد المقيمة بها وهناك أعود إلي هويتي المصرية عندما أشم البخور وأري الأيقونات وأسمع الألحان وأخرج من عباءة الغرب إلي روح مصر الجميلة (مع العلم أنها غير مسيحية) فالفن المصري إنما هو مشاعر وروح وأحاسيس يعيشها الفنان ومن ينظر إلي فنه ولا سيما فن الرسم والنحت الذي برع فيه الإنسان المصري في القديم فرسم وكتب علي جدران معابده ومقابره كل أموره الحياتية التي تعبر عنه.
فالفن المصري القديم تطور وازدهر متأثرا بعناصر حضارية مصرية بحتة, غذته البيئة المصرية بمقوماتها, وتعهده العقل المصري المرهف الحس, وطورته الأحداث السياسية والاجتماعية وفرضت عليه العقائد الدينية والجنائزية قيود التزامها طوال العصور الفرعونية. فهو يتميز بتأثره بعاملين أساسيين أولهما الجوهر والثاني الأسلوب.
وبالنسبة إلي الجوهر فإن الصورة في شتي أنواع تشكلها, نحتا أو نقشا أو رسما تحوي عنصرا حيا مما تمثله سواء إنسانا أو حيوانا , أي أن الصورة تمثل عند المصري القديم نوعا من الخلق يتم عن جوهر ما تمثله الصورة. فالصورة مادامت كاملة فهي تمثل صاحبها كاملا , وإذا تصدعت أو محيت فهي تؤثر أيضا فيه فإن تجمله يتصدع أو يمحي , وينصب هذا أيضا علي الكتابة الهيروغليفية فالاسم المكتوب بها له نفس الفاعلية ونفس التأثير.
إن هذا الجوهر , الذي يربط بين الصورة (نحتا ونقشا ورسما) وصاحبها برباط قوي جعلهما يشتركان في المصير , لا يتصف به إلا المعاصر له. وبالنسبة إلي الأسلوب الخاص بالفن المصري كان هو حرص الفنان علي رسم الواقع بعين الناظر بعيدا عن التكلف والتخلف وهو متأثر بعقيدة البعث والخلود والعقائد الدينية وتعدد الآلهة وذلك ظل يفترض أن الصورة التي ينقشها ليست مجرد خطوط علي جدران المعابد والمقابر بل اعتقد أنها يمكن أن تتحول إلي حقيقة واقعية. وإلي حلقة قادمة إن شاء الرب وعشنا.