البابا تواضروس
ما هي أعظم راحة عند الإنسان؟!
والإجابة مدهشة إذ أن أعظم راحة هي خدمة الآخرين والتعب والبذل من أجلهم!!!
وما أحلى الراحة الداخلية التي يشعر بها الإنسان بعدما يخدم الآخرين في أي من مجالات الخدمة الواسعة وربما كان هذا السبب وراء إنشاء المنظمات والهيئات التي تخدم الآخرين دون مقابل، مثل هيئة الصليب الأحمر أو أطباء بلا حدود وغيرها، والتي تعتمد أساسًا على عنصر الخدمة التطوعية دون أي منافع مادية، وتمتد خدمتهم عبر الشعوب والدول دون غرض معين سوى مساعدة وخدمة الإنسان في وقت الأزمات دون أدنى منفعة سوى الراحة الداخلية.
واجتماعيًا يختلف مفهوم الراحة من إنسان لآخر، فالبعض يعتبر أن الراحة هي الإجازة أو الفسحة أو السفر إلى بلاد أخرى أو التنزه بين الحدائق أو الراحة المنزلية بكافة صورها، وهذه وغيرها غير مفهوم الكسل والتراخي وعدم العمل بأي شكل بل والنوم حتى في أوقات غير ساعات الليل أو عدم بذل المجهود بأي شكل، ومكتوب إن “الرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَيْدًا” (أم 12: 27).
ومن أجمل الفقرات الكتابية التي تتحدث في هذا الموضوع سفر الأمثال: “اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا” (أمثال 6: 6).
إذن الراحة الحقيقية هي التعب من أجل الآخرين حتى أن السيد المسيح جاء إلينا مكملاً عمل الخلاص للإنسان حيث قال على الصليب: “قَدْ أُكْمِلَ” (يو 19: 30) فكان بذل الصليب وآلامه هي عطية الخلاص للإنسان وفرح الله أن تكون لخليقته الحياة الأبدية: “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يوحنا 3: 16).
وطبعًا هناك فرق كبير بين العمل في وظيفة ما لها أجر أو مرتب أو مقابل مالي، وبين الهواية التي يمارسها الإنسان بدون أجر أو مقابل مادي سوى الحصول على متعة وراحة نفسية تجعل الإنسان يمضي الساعات والساعات دون كلل أو ملل محصلاً سلامًا نفسيًا وراحة داخلية حتى وإن بذل العرق والوقت والمجهود المضني وهذا يحقق سعادته الداخلية. هكذا خدمة الآخرين في مجالات عديدة ولكن الهدف هو إسعاد الآخر سواء كان طفلاً يتيمًا مثلاً أو إنسانًا معاقًا من ذوي القدرات أو مريضًا أو مسنًا متقدمًا في الأيام أو الانخراط في مساعدة البشر في أوقات الضيق والكوارث الطبيعية أو النزاعات والحروب القتالية.