رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
محبَّة الإخوة بعد أن كلَّم الرسول مؤمني رومة عن هذه المحبَّة التي أفاضها الله في القلوب، دعاهم إلى محبَّة القريب: »لا يكن عليكم لأحد دين إلاَّ محبَّة بعضكم لبعض« (رو 13: 8). دين يُفرَض عليكم. ولا دين غير ذلك. والله يحاسبكم، لأنَّ الإنسان لا يقدِّر. فالجريح في الطريق، لم يساعده الكاهن ولا اللاويّ. وكان الضمير »مرتاحًا« لديهما أقلَّه في الخارج. وحده السامريّ اعتبر أنَّه دفع »الدين«. بل أقرض الله، على ما يقول سفر الأمثال: »من يتحنَّن على الفقير يُحسن إلى الربّ، والربُّ على إحسانه يكافئه« (أم 19: 17). ويشوع بن سيراخ: »من يقرض قريبه مالاً، يكون رؤوفًا به، ومن يمدُّه بالعون، يحفظ الوصايا. أقرض قريبك في وقت حاجته، وأوفه ما له عليك ولا تتأخَّر« (سي 29: 1-2). وتابع الرسول كلامه: »من أحبَّ القريب أتمَّ العمل بالشريعة«. تضمَّنت الشريعة الوصايا العشر. وكانت الفرائض والأحكام التي تبعَتْها، فوردت في سفر الخروج. ثمَّ توسَّعت فصارت 613 وصيَّة في التقليد اليهوديّ، بحيث عجز المؤمن عن معرفتها، فكيف له بممارستها. لهذا سأل أحدهم يسوع: »ما هي أعظم وصيَّة في الشريعة؟« (مت 22: 36). هو لا يستطيع أن يعمل بها كلِّها. فيا ليت الربَّ يختار له واحدة، تعفيه من الباقي. وكان جواب يسوع: »أحِبَّ الربَّ إلهك بكلِّ قلبك وبكلِّ نفسك، وبكلِّ عقلك (آ37)... أحببْ قريبك كنفسك« (آ39). هل هذا يكفي؟ نعم. »فعلى هاتين الوصيَّتين تقوم الشريعة كلُّها وتعاليم الأنبياء« (آ40). وفي الخطِّ عينه، راح الرسول: »فالوصايا التي تقول: لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشتهِ، وسواها من الوصايا تتلخَّص في هذه الوصيَّة: أحِبَّ قريبك مثلما تحبُّ نفسك. فمن أحَبَّ قريبه لا يسيء إلى أحد. فالمحبَّة تمام العمل بالشريعة« (روم 13: 9-10). هنا نفهم كلام الربِّ يسوع في العظة الأولى من العظات التي أوردها في إنجيله، عظة الجبل. أورد يسوع الوصايا: لا تقتل (مت 5: 21). لا تزنِ (آ27). ولكنَّه أضاف حالاً: أمّا أنا فأقول لكم (آ22، 28، 34، 39، 44). خمس مرَّات كرَّر العبارة عينها، وكأنَّه يُجمل الوصايا جميعًا. هي غير كافية. ما جاء يسوع ليُبطلها وكأنَّها ما كانت، فهي كلام الله. بل جاء ليكمِّلها. الوصيَّة تطلب منّا شيئًا محدَّدًا، إذا قرأناها بحسب الحرف. والشريعة يمكن أن تكون عائقًا في طريق الكمال، على ما حصل للكتبة والفرّيسيّين. لهذا قال يسوع لتلاميذه: »إن لم يزد برُّكم على برِّ الكتبة والفرّيسيّين، لن تدخلوا ملكوت السماوات« (آ20). اعتبرَ البعضُ أنَّ ما قاله الرسول أمرٌ نظريّ. فالمحبَّة كلمة نجعلها في كلِّ خطاباتنا: محبَّة العالم. محبَّة الطبيعة، محبَّة الحيوان، محبَّة البشريَّة. ولكنَّها لا تؤثِّر فينا. نسمع الكلمات والكلمات، ونفرح بأقوالنا، وننسى ما يجب أن تكون عليه أفعالنا. لا. ليست هذه المحبَّة التي يطلبها بولس، بل هي عمليَّة جدٌّا. المحبَّة لا تسيء إلى القريب. فإن تعمَّدتُ الإساءة، لم أكن في المحبَّة. إن قتلتُه أو أبغضته أو سلبته، لا أكون في المحبَّة. هنا نلتقي مع القدّيس يوحنّا: »يحبُّ بعضنا بعضًا، ولا نكون مثل قايين، الذي كان من الشرِّير فقتل أخاه« (1يو 3: 11-12). وراح القدّيس أوغسطين يقول: »أحببْ وافعل ما تشاء«. من زُرعت محبَّة الله في قلبه، لا يمكن إلاَّ أن يفعل الخير. يُصبح مثل شجرة التفّاح التي لا يمكن إلاَّ أن تنتج تفّاحًا، لا شوكًا وعوسجًا. تصبح المحبَّة فينا طبيعة ثانية. مثل الأمِّ تريزا ده كلكوتا. صارت المحبَّة فيها »شبه غزيرة« لا يمكن إلاَّ أن تمارسها، ساعة الجميع يتهرَّبون ويعتبرون عملها مضيعة للوقت. بعد ذلك، هل نعود إلى الشريعة، ونقيم الحسابات: ماذا عملنا؟ ماذا يجب علينا أن نعمل؟ نغفر سبع مرَّات أم عشر مرّات. نتصرَّف إلى درجة لا تتعدّى ما يفعله الخطأة أو الوثنيّون. ونعتبر بعض المرّات أنَّنا عملنا الكثير. في نظر الإنسان، لا شكّ، لا في نظر الله. غفر بطرس سبع مرّات. هذا ما لا يعمله أحد، فقال له الربّ: تغفر »سبعين مرَّة سبع مرّات« (مت 18: 22). أحبَّ المؤمنون من يحبّونهم (لو 6: 32). مساكين! الخطأة يفعلون مثلهم. فأين هي الشهادة التي يؤدُّونها؟ وأحسن المسيحيّون في زمن لوقا إلى الذين يحسنون عليهم، على مثل المثل المعروف: أعطيك فتعطيني. أُحسن إليه بتلك الكميَّة من المال التي بها أحسنَ إليَّ. فأنا أعامله كما عاملني: رفض أن يعطيني، وأنا أرفض. امتنع عن زيارتي وأنا أمتنع. في هذا الإطار حدَّد الرسول عددًا من السمات التي تميِّز المحبَّة. تكون صادقة (رو 12: 7). تبتعد عن الكذب والرياء. إن قالت فعلت، وإلاّ شابه المؤمنُ الكتبة والفرّيسيّين الذين يقولون ولا يعملون (مت 23: 3). وتكون متبادلة، كمحبَّة الأخ لأخيه، والأخت لأختها. إذا كان الآب السماويّ أبانا جميعًا، فنحن إخوة. معًا نطلب الخبز اليوميّ. معًا نغفر بعضنا لبعض، ولا نعتبر أنَّ ما عملناه بطولة خارقة. ويبقى المثال أمامنا يسوع المسيح الذي غفر لنا من أعلى صليبه، بدءًا بالذين حكموا عليه ظلمًا وقتلوه. والمحبَّة هي خدمة. قال الرسول: »أخدموا بعضكم بعضًا بالمحبَّة« (غل 5: 13). أترى صرنا عبيدًا ننقاد للغير؟ أما كفى الذين كانوا عبيدًا في الحضارة الرومانيَّة، ما عانوه في حالتهم المذلَّة، لكي يعودوا عبيدًا؟ كلاّ. بل إنَّ مثل هذه الخدمة تجعلهم يعيشون ذروة الحرِّيَّة. أمّا الحرِّيَّة التي يخاف منها الرسول، فهي التي تعني الفلتان على مستوى الرغبات، فهي التي تكون »حجَّة لإرضاء شهوات الجسد«. وكيف يكون مثل هذا الفلتان؟ »تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا« (آ15) حتّى الإفناء. إذا كانت الشريعة تفيد في هذه الحالة، فهي تبقى ناقصة. وهي »كلُّها تكتمل في وصيَّة واحدة، أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسك« (آ14). هنا تكون أمام المؤمن طريقان: السلوك بحسب الروح، أو السلوك بحسب الشهوات البشريَّة، هذه تقاوم الروح، وتجعل الناس عبيدًا لأعمال تقع على مستوى اللحم والدم، والضعف البشريّ. هذه الأعمال هي الزنى، الدعارة، العداوة، الخصام (آ19-20)، كلُّها تعني ابتعاد المحبَّة وانغلاق على الذات في أنانيَّة تجعل الإنسان عبدًا لشهواته. أمّا طريق الروح، فأوَّل ثمر لها المحبَّة، التي تصبح شجرة كبيرة تعطي ثمار الفرح والسلام والصبر واللطف والوداعة (آ22-23). وينهي الرسول كلامه هنا: »لا نتكبَّر، لا نتحدّى، لا يحسد بعضنا بعضًا« (آ26). |
|