رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ثُمَّ دَنا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَة الواحِدَةَ فقال: يا سَيِّد، عَرفتُكَ رَجُلاً شَديدًا تَحصُدُ مِن حَيثُ لَم تَزرَعْ، وتَجمَعُ مِن حَيثُ لَم تُوزِّعْ تشير عبارة "عَرفتُكَ رَجُلاً" إلى رد الخادم الثالث الذي يدل على عدم فهمه لواجباته كعبد مستأمن على وكالة، ورده كان فيه عدم محبة لسيده وجهل مطبق وعدم رغبة في العمل. هو خاف من المخاطرة وأن يخسر ولا يكسب. ولكن هذا يدل على جهل بسيده. معرفة الخَادِم لسَيِّده فقط كونه إنسانًا ولا يتعدَّ ذلك. كثيرون بالأسف نظير ذلك العبد الشِّرِّير لم يعرفوا عن المسيح بخلاف ذلك أي انه إله. وهذه المعرفة لن تُفييدهم. إذ قال المسيح: "فإذا لم تُؤمِنوا بِأَنِّي أَنا هو تَموتون في خَطاياكم " (يوحنا 8: 24). نتج عن المعرفة الخَاطئة عند ذلك الخَادِم موقف خاطئ وتوجُّه خاطئ تجاه سَيِّده. عبارة "رجُلاً شَديدًا" في الأصل اليوناني σκληρὸς εἶ ἄνθρωπος (ومعناها رجل قاس) فتشير إلى تمرده واتهامه الظالم لسيّده بالقسوة والظُلم وعديم الرَّحمة، أي أنَّه يطالب أكثر ممَّا له، فهو ظالم لا شفقة في قلبه على العاجزين. منعه هذا التَّصور عن سَيِّده عن خدمته بفرح واجتهاد ومحبة وثقة. والواقع أنَّ حياة الكسل والخمول والبّطالة دفعته لاتّهام سَيِّده بالقُسوة، وهذا بالتَّالي دفعه للخوف، كما يقول الأب يوحنا من كرونستادت "كل خطيّئة تبدو بسيطة وغير هامة تقود إلى خطايا أخطر، لذا يجب مقاومتها في بدايتها وسحقها". فخطيئة قايين الأولى هي الحسد، والحسد أسلمه للغضب والغضب أسلمه للقتل والقتل اسلمه إلى التَّبجح على الله قائلًا " أَحارِسٌ لأَخي أَنا؟" (التَّكوين 4: 9) ثم هرب من الله نهائيًا" إن الخَطيئة تلد خطيئة؛ أمَّا عبارة "تَحصُدُ مِن حَيثُ لَم تَزرَعْ وتَجمَعُ مِن حَيثُ لَم تُوزِّعْ" فتشير إلى حكم الخَادِم على خُلق سَيِّده، بان سَيِّده يكلِّفه العمل ويأخذ الرِّبْح، وهذا كذبٌ ستر به كسله. والله خلاف ما قاله ذلك الخَادِم الكسلان فانه بدل ان يحصد حيث لا يزرع، فأنه يزرع بركات كثيرة ويحصد قليلا من الشكر والخِدمة. وهو ينتظر الحصاد حيث يزرع، كما جاء على لسان أشعيا النَّبي "كانَ لِحَبيبي كَرْمٌ في رابِيَةٍ خَصيبة وقد قَلَّبَه وحَصَّاه وغَرَسَ فيه أَفضَلَ كَرمِه وبَنى بُرجًا في وَسَطِه وحَفرَ فيه مَعصَرَةً وآنتَظَرَ أَن يُثمِرَ عِنبًا فأَثمَرَ حِصرِمًا بَرِّيًّا " (أشعيا 5: 2). في الواقع، لم يعرف الخَادِم سَيِّده جيدًا. ومشكلته أن علاقته مع سَيِّده مبنيَّة على الخوف، وليس على الثِّقة والمَحبَّة. "فالناس في خوف الذل في ذل." كما يقول علي ابن أبي طالب. إن كان هذا السَّيد يُديننا بالعدل، فهو في الوقت عينه، يعاملنا بالرَّحمة إن فتحنا قلبنا على رحمته وحنانه. إنَّ الله القدير يحصد حيث لم يزرع. ويسوع لا يتردَّد في غيره من الأمثال أن يشبّه دينونة الله بحُكم قاضٍ قاس (لوقا 16: 1-11، 18: 1-8). فهذا الخادم لم يعرف سيِّده، هو لم يعرف الله، إنما هذه تصورات قلبه لأن عينه مغلقة بسبب خطاياه. لا نحاول خلق أعذار وهمية: لا اعرفه، لا أحبَّه! |
|