رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صار اليوم الذي ولد فيه المسيح عيدا للبشرية كلها منذ آدم إلى نهاية الدهور، لقد أخلى ذاته آخذا صورة عبد "هوذا الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت" (زك 6: 12)، لقد صار إنسانا وله اسم بين البشر فسمي من الملاك اسمه يسوع وقد تأمل القديس ساويرس الأنطاكي عن ميلاده فقال: (إذا أراد ملك أن يذهب إلى مدينة صغيرة غير معروفة وعاجزة تماما عن احتمال مجيئه، فإنه يجعل نفسه متخفيا ويزيل عظمة ظهره ومجده الذي يحيط به لكي يصير محتملا من هذه المدينة، ولكنه رغم ذلك لا يستطيع إلا أن يدخل كملك متنازلا بصفة عامة عن مظاهر رتبته، هكذا أيضا ابن الله، كلمة الآب الغير مدرك، الأبدي أراد أن يأتي في صورة بشرية في هذا العالم، تواضع من مجده الأبدي وجاء إلى الإهانة (البشرية) ففي ذلك فعلا أخلى ذاته وأصبح ممكنا الوصول إليه وبأسلوب لا مثيل له وبطريقة فائقة خاصة تسمو على كل الطرق الأخرى دخل إلى عالمنا من باب إلهي ملكي يعني من البتولية، بميلاده في الجسد من الروح القدس ومن العذراء والدة الإله). وحينما نقترب من فهم ميلاد المسيح في ذلك اليوم نجد أنفسنا محاطين بأحداث وأمور فائقة الوصف. سنحاول أن نتأمل فيها خاصة بالزمان والمكان والأشخاص الذين عاصروا أحداث ميلاد المسيح وتلك الأحداث هي: أغسطس قيصر روما: ولد المسيح في أثناء حكمه (لو 2: 1) وكانت روما هي القوة العظمى في العالم وكان الولاة الرومان يحكمون فلسطين، وفي هذا الوقت كانت الطرق آمنة وسادت اللغة اليونانية فكانت أنسب الأوقات لميلاد المسيح. مدينة داود: يطلق على بيت لحم أنها قرية داود ومسقط رأسه (ا صم 17: 12) ومع أن بيت لحم قرية صغيرة ولم تحسب ولم يكن لها ذكر بين أملاك يهوذا (يش 15) إلا أنها كانت مدينة الملك العظيم، وبيت لحم قرية صغيرة مبنية على أكمة تبعد نحو 6 أميال (9 كم) جنوبي أورشليم ومحاطة بتلال تكسوها الأشجار والنباتات وتنفجر من أراضيها مياه عذبة وبها آبار، فكانت أنسب مكان يولد فيه المسيح، وقد سبق الأنبياء وأعلنوا أن المسيح سيولد في بيت لحم تلك المدينة الصغرى بين مدن يهوذا "أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 5: 2) وهذا ما أشار إليه القديس متى في بشارته (متى 2: 6) وتمدح التسبحة بيت لحم لما نالته من كرامة بسبب ميلاد المسيح فيها (السلام لبيت لحم مدينة الأنبياء التي ولد فيها المسيح آدم الثاني). القديسة مريم العذراء: إنه سر يفوق العقل وإدراك البشر ذلك هو حلول الله في بطن العذراء وهو الذي أفصح عنه الملاك غبريال وفي بشارته للعذراء بالحبل الإلهي مخاطبا العذراء: "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" وقد أظهر الملاك سمو العذراء في كلماته لها لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله (لو 1: 26-35). وقد حلق القديسون في سماء تلك النعمة ليدركوا هذه السحابة الخفيفة التي حملت الله الكلمة ولكنهم لم يستطيعوا بالرغم من قداستهم وبرهم إلا أنهم وقفوا فقط عند الأبواب ولم يستطيعوا أن يدخلوا إلى مخزن الأسرار الذي هو القديسة مريم العذراء لذلك قال القديس ساويرس الأنطاكي في مقالته عن مريم العذراء "حينما أريد أن أنظر إلى العذراء والدة الإله.. يبدو أن صوتا يأتي صارخا في أذني.. لا تقترب إلى هاهنا، أخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة". وقد أفردت التسبحة تماجيد ومدائح لوصف ذلك السر العجيب.. أم النور الذي أشرق منها شمس البر.. السماء الثانية التي سكن فيها الله فرفعت قدرنا.. العذراء الحمامة الحسنة. العفيفة الهادئة الوديعة.. كل عجينة البشرية أعطتها العذراء لله الخالق.. آدم فيما هو حزين القلب سر الرب أن يرده إلى رئاسته، أشرق متجسدا من العذراء بغير زرع بشري حتى خلصنا. وسوف تظل البشرية في دهشة أمام هذا السر الإلهي والميلاد العجيب والأعجوبة الفريدة.. عذراء تحبل.. عذراء تلد.. عذراء بعد الولادة.. تلك هي مريم العذراء دائمة البتولية والتي ولدت لنا الله الكلمة بسر يفوق العقل، فالله صار مولودا من عذراء (غل 4: 4). أما هي في وداعتها وتواضعها ظلت تخفي كل هذه الأمور متفكرة بها في قلبها، ونحن ننحني أمامها قائلين ومسبحين لها: السلام لك يا مريم السلام لمعمل الاتحاد اللاهوت مع الناسوت. يوسف البار: انتسب يسوع إلى يوسف البار وكان يوسف من قبيلة داود (لو ا: 25) وكذلك كانت العذراء من بيت داود (لو 36: 8، لو 2: 4)، وكان عبرانيا بارا محافظا على الفروض والطقوس والأعياد سالكا في وصايا الرب، وقد استودع الله هذا الشيخ البار أن تكون العذراء في بيته وأن يكون ابن الله منتسبا له وقد بشر الملاك العذراء بالحبل الإلهي ولم ينبأ يوسف خطيبها وتركه حتى تحقق الأمر بنفسه ويفسر لنا القديس يوحنا فم الذهب ذلك قائلا: (يبدو أن الملاك صمت عن إخباره بالأمر إلى أن يتم ويقع تحت حواسه حينئذ يسهل تصديقه). أما يوسف فكان بارا ولم يشأ أن يشهرها وأخفى السر العظيم لكي لا يلحق بالعذراء أي أذى وعندما أدرك الحقيقة الإلهية وسر التجسد أخذ القديسة مريم معه وانحدر إلى بيت لحم للاكتتاب حسب أوامر أغسطس قيصر (لو 2: 1) ليصير المسيح منتسبا إليه "يسوع ابن يوسف ابن هالي... ابن آدم ابن الله" (لو 3: 22-37). طوباك يا يوسف البار يا من فقت سائر الأنبياء. |
|