رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أيوب يظن أنه أبرّ من الله وَقَالَ أَلِيهُو: أَتَحْسِبُ هَذَا حَقًّا؟ قُلْتَ: أَنَا أَبَرُّ مِنَ اللهِ [1-2]. يوجه أليهو حديثه إلى أيوب متسائلًا: هل تظن أنه حق أن تقول بأنك أبرّ من الله؟ هذا تجديف! لم يقل أيوب هذا صراحة ولا ضمنًا. لكن ربما اشتمها أليهو من حديث أيوب عن إخلاصه واستقامة حياته، وأنه لم يرتكب جريمة ما تؤهله لهذه الكوارث (راجع أي 9: 17، 30-35؛ 10: 13-15؛ 16: 12-17؛ 34: 18-19). لقد فسر هذا كله بأن أيوب يظن بأنه أبرّ من خالقه. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن أليهو لم يدرك ما في فكر أيوب أو ما وراء كلماته. فإن كان قد بدا كمن يبرر نفسه أمام الرب، فحسبه أليهو كمن يدعو نفسه أبرّ من الرب، لكن حقيقة الأمر أن أيوب لم يكن بعد يدرك أن تجاربه غايتها تزكيته أكثر فأكثر لنوال أمجادٍ أعظم، إنما هي عقاب عن الخطايا. فهو يتساءل: ما هي الخطايا التي ارتكبتها حتى تحل بي كل هذه التجارب التي لم تحل على غيري؟ إنه تساؤل أكثر منه تبرير لنفسه! * "أتحسب هذا حقًا، قلت: أنا أبرّ من الله" [2]... يُلاحظ أن الطوباوي أيوب لم يقل إنه كان أبرّ من الله. لكنه يقول: "ليدع العدالة مقابلي، فتؤول محاكمتي إلى نصرة" (راجع 23: 7). بفحص حياة أيوب ومعرفة أسباب ضربه، كثيرًا ما نلاحظ أنه اعتقد بأن جلداته كانت لإزالة خطاياه وليس لتزايد استحقاقاته. لهذا كان واثقًا أن محاكمته ستؤول إلى النصرة، إذ لم يجد في نفسه ما يستحق عليه ما حلٌ به من ضربات. بالحقيقة فإن الرب نفسه قال عنه للشيطان: "قد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب" (أي 2: 3). البابا غريغوريوس (الكبير) ما فعله أيوب حتى قبل الناموس، فعله كثيرون حتى في عهد النعمة، إذ يتساءلون: "لماذا يسمح الله بالضيقات للقديسين؟" وقد تعرض كثير من آباء الكنيسة لمثل هذا السؤال، نذكر على سبيل المثال المناظرة السادسة من مناظرات القديس يوحنا كاسيان مع الآب ثيؤدور (تادرس)، وقد سبق لنا نشرها نقتطف منها التالي: * تساءل البعض: لماذا يُذبح هؤلاء الرجال ذوو الاستحقاق العظيم والفضائل الجمَّة بواسطة هؤلاء اللصوص؟! لماذا يسمح الله أن تحدث جرائم لعبيده فيسقطون تحت أيدي الأشرار؟! وإذ كنا في حزننا أتينا إلى القديس ثيؤدور الذي برز في (نعمة) التمييز. كان هذا الأب يقطن في منطقة القلالي Calle بين نتريا والإسقيط، تبعد خمسة أميال عن نتريا وثمانية عن برية الإسقيط التي كنّا مقيمين فيها. وإذ تقدمنا إليه ونحن في ضيق بسبب موتهم، مظهرين دهشتنا لطول أناة الله العظيمة حتى يسمح بقتل هؤلاء بهذه الكيفية، أولئك الذين كانوا قادرين على حفظ غيرهم من مثل هذه التجارب بسبب قداستهم، هم أنفسهم لم يقدروا أن يخلصوا من السقوط في أيدي الأشرار. لذلك سألناه: لماذا يسمح الله بحدوث مثل هذه الجرائم ضد خدامه؟! الأب ثيؤدور (تادرس) في مقدمة مقاله: "لا يستطيع أحد أن يؤذي إنسانًا ما لم يؤذِ هذا الإنسان ذاته" كتب القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما يستحيل إحصاء عدد أمواج البحر، هكذا لن يمكن إحصاء ضحايا الساقطين تحت أعباء المكائد والإهانات والآلام ولا يمكن لا بتعديل القانون، ولا بالإرهاب عن طريق القضاء ولا بشيء من هذا القبيل، يقدر أن يوقف تيار هذا الوباءوالاضطراب، إنما في كل يوم يتزايد الشر أكثر فأكثر. حتى أصبحت تنهدات المتألمين وندبهم ونحيبهم أمرًا جماعيًا مألوفًا... وهناك من يتمسكون بنوع جديد من الحمق، اتهام عناية الرب عندما يرون الإنسان العفيف كثيرًا ما يكون مأسورًا تحت العنف ومضروبًا ومهانًا بشدة، بينما الإنسان الوقح القاسي الوضيع يصب مضايقات لا تحصى على من هم أكثر منه عفة، ويتجنى على من في المدينة أو في البلد أو في الصحراء والبحر والبر. هذا المقال الذي أدلي به ضروري حتى يصحح ما يزعمونه... مثبتًا، إن أي إنسان أخطأ إنما يصيبه الضرر بيديه، ولم يبعثه على الخطأ إنسان أخر.] |
|