فالصوم هو الجهاد الحقيقي والعراك ضد إبليس لأنَّه تحدى ذلك القانون الواحد الشامل الذي يجعله [رئيس هذا العالم]. وغلبتنا بالصوم والجوع والعطش هي نبع الطاقة الروحية لكي لا تبقى هذه الأكذوبة التي نعيشها منذ آدم إلى الآن!!
أين نحن الآن من مفهوم الصوم الأصيل؟ كم نحن بعيدون الآن عن مفهوم الصوم إذ نعتبره مجرد تغيير للأكل ومجرد شكليات, ما هو مسموح وما هو ممنوع, يا لها من ضحالة ومجرد تغيير طعام!! إنَّ الصوم لا يعنى إلاَّ شيء واحد, أنْ نجوع لنبلغ ذلك الحد (حالة الإنسانية التي تعتمد تمامًا على الطعام.. ) لِنَكتشف في جوعنا أنَّ ذلك الاعتماد ليس هو الحقيقة كلها عن الإنسان وأنَّ الجوع نفسه إنَّما هو أولًا وقبل كل شيء حالة روحية نورانية نذوق فيها الطبيعة الجديدة التي تجلَّت على جبل طابور.. وأنَّ الصوم في جملته جوع من أجل الله ولله, لذلك نجد أُمنا البيعة الأرثوذكسية قد تزينت بأحلى ما عندها من طقوس وألحان وقراءات وممارسات روحية وكلها أطعمة روحية تُعِدَّها لأولادها العابدين الذين حرموا أنفسهم بإرادتهم من طعام الأرض البائد وأغلقوا حواسهم عن كل لذة ترابية وعكفوا ملازمين البيعة بنسك وتقوى لأنَّ العبادة الليتورجية تُحوِّل النسك والصوم إلى عبادة قلب ولذة روح وممارسة وخبرة عملية ومجال سلوكي بحياة الجميع.. فالامتناع عن الطعام غير كافٍ, إذ يجب أنْ يرافقه نظيره الإيجابي, والذي يتحدد وفقًا لبرنامج العبادة الكَنَسية, التي تكون أكثر وضوحًا فيها..