رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هوَ الّذي يُعافيكُم وَيُثبِّتُكُم وَيُقويِّكم وَيجعَلُكُم رَاسِخين ﴿هوَ الّذي يُعافيكُم وَيُثبِّتُكُم وَيُقويِّكم وَيجعَلُكُم رَاسِخين﴾ (1بطرس 10:5) أَيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء في الْمَسيحِ يَسوع. يَقولُ القِدّيسُ بُولس في رِسَالَتِهِ الأولى إلى أهلِ قورنتوس: ﴿لأنَّ حُبَّ الْمَالِ أَصلُ كُلِّ الشّرور﴾ (1قور 10:6). وَقَدْ وَصلَ إلى هَذهِ النَّتيجَة، بِنَاءً عَلى مَا وَرَدَ في الآياتِ الَّتي سَبَقَتها، إذْ يَقول: ﴿إنَّ التّقوَى كَسْبٌ عَظيمٌ، إذا اقتَرَنَتْ بِالقَنَاعَة! فَإنَّنَا لَم نَأتِ إلى العَالم وَمَعنا شَيء، ولا نَستطيعُ الخروجَ مِنه وَمَعنا شَيء... أَمّا الّذينَ يَطلبونَ الغِنَى، فإنّهم يَقعونَ في التّجربَةِ والفخِّ، وَفي كَثيرٍ مِن الشَّهَواتِ العَميَّةِ الْمَشؤومَةِ، الّتي تُغرِقُ النّاسَ في الدّمارِ والهَلاك﴾ (1قور 6:6-9). حُبُّ الْمَالُ بِمعنَاه الوَاسِع، يَعني الرّغبَةَ الجامِحةَ غيرَ الْمحدودَة لِلاستِزادَةِ وَالكَسب، أَيْ الطَّمَعُ وَالجَشَعُ وَالشَّرَاهَةُ الّلامُتناهِيةُ نحوَ الْمَادةِ بِأَشكالِها. تِلكَ الرّغبَةُ الّتي تَسْكُنُ قَلبَ الغَنيِّ فَلا يَكتَفي، وَقَلبَ الفَقير فَيَظَلُّ يَشْتَهي، وفي النّتيجةِ تَرى الكُلَّ يَشْتَكي، وَتَكادُ تَجِدُ قَنوعًا واحِدًا يَقول: الحمدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَال! فَالْقَنَاعَةُ كَنزٌ عَظيمٌ، فَطُوبَى لِمَنْ وَجَدَها. وَهي رَاحَةٌ وَسَكينَةٌ، فَهَنيئًا لِمَنْ يَنْعَمُ بِها. يَقولُ الرّب: ﴿أُطلُبوا أَوَّلًا مَلَكوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، تُزَادوا هَذَا كُلَّهُ﴾ (متّى 33:6). فَالْقَضيّةُ إلى جَانِبِ القَنَاعَة، هيَ أَيضًا مَسْأَلَةُ أَولَويّات! فَحَاجَاتُ الإنسانِ كَثيرةٌ وَمُتَعدِّدَة، وَالّذي صَنَعَ الأرضَ وَأَوجَدَ مَا عَليها، يَعلَمُ بِأنّنا نَحتَاجُ إلى خَيراتِها، لِكَي نَعيشَ وَنحيا. وَلَكنَّ الله يُريدُنَا أَنْ نَعلمَ وَنُدرِكَ أَيضًا، بِأنَّ أوْلَويَّتَنَا الأولَى وَغَايَتَنَا الأخيرة، غيرُ محصورةٍ في النِّعمِ وَالخيراتِ الزَّمَنيّةِ وَالْمَادّية، بَلْ بَمَا: ﴿لَم تَرَهُ عَينٌ، ولا سَمِعَتْ بِهِ أُذُنٌ، وَلا خَطَرَ عَلى قلبِ بَشر، ذَلِكَ مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلّذينَ يُحبّونَهُ﴾ (1قورنتوس 9:2). لِذَلِكَ نَسمَعُ الرّسولَ بولسَ يُخاطِبُنا أَيْضًا فَيَقول: ﴿فَأَمَّا وَقَدْ قُمْتُم مع الْمسيح، فاسْعوا إلى الأمورِ الّتي في العُلى، حيثُ الْمسيحُ قَدْ جَلَسَ عَن يمينِ الله﴾ (قولسّي 1:3). وَالسَّعيُ إلى العُلَى يَعني التّطلّعُ والارتِقاءُ إلى السَّماوياتِ البَاقيات، مُعَلِّقينَ قَلْبَنَا بِاللهِ، مُتَّكلينَ عَلَيه، وَاضِعينَ كُلَّ أفكارِنَا وأَحمالِنَا وَهُمومِنَا وأُمْنِياتِنا الصّالِحة أَمَامَهُ تَعالَى، عَالِمين بِأَنَّهُ يُعْنَى بِنا (راجع 1 بطرس 7:5). فَعَدمُ الاهتِمامِ بالغَدِ الّذي يَطلُبُه مِنَّا الْمسيح في إنجيلِ اليوم، لا يَعني الخمولُ والكَسَلُ والتّراخي، بَل يَعني الاتّكالُ الكامِلُ عَلَى الله، والثِّقَةُ التّامةُ بِه تَعالى، وَسَطَ كُلِّ ظُروفِ حَياتِنا: سَهلِها وَصَعْبِهَا، حُلوِها وَمُرِّها، عِندَ الرّاحةِ وَعِندَ التَّعب، وَقتَ الفَرحِ وَوقتَ الحُزن، عِندَ الرَّخاءِ وَعِندَ الشِّدَّة، ساعةَ الصِّحةِ والقوّة وَسَاعةَ الْمَرَضِ والوَهَن، سَاعةَ النّورِ والهُدَى وَسَاعةَ الظُلْمَةِ والضَّياع، في كُلِّ حِينٍ نَتّكِلُ عَلَى الله: ﴿هوَ الّذي يُعافيكُم وَيُثبِّتُكُم وَيُقويِّكم وَيجعَلُكُم رَاسِخين﴾ (1بطرس 10:5). يَقولُ الرّبُّ: ﴿مَا مِن أَحَدٍ يَستطيعُ أَنْ يَعمَلَ لِسيّدين... لا تَستطيعونَ أنْ تَعمَلوا للهِ وَلِلمال﴾ (متّى 24:6). فاللهُ سَيّد، وَالْمالُ سَيِّدٌ أَيضًا! وَلكنَّ الفرقَ يَكمُنُ في نَمطِ السّيادَةِ وأسلوبِها. فاللهُ يَسودُ في الْمَحبّةِ نحوَه تَعالَى وَنحوَ سَائِرِ النّاس. أَمّا الْمالُ فيسودُ في نَبذِ الْمَحَبّةِ وَقَسوَةِ القَلب، وَإيثارِ الأنانيّةِ الْمُفرطَةِ، وَالسَّعيِ فَقَط لِتَحقيقِ الْمنفَعَةِ الشّخصيّة، وَأَحيانًا بِطُرُقٍ بِاطِلَة غَيرِ مُستَقيمةٍ ولا شَريفَة. وأغلبُ الخصوماتِ وَالنّزاعَاتُ العَائِليّة سَبَبُها الْمَالُ والْميراث، الّذي يُمزّق ويزرَع الشّقاقَ والعَداوَة. لِذلك يا أحبّة، زَمنُ الصِّومِ الّذي سَنَستَهِلُّهُ بَعدَ أَيّامٍ قِلال، خَيرُ وَسيلَةٍ لإعتاقِ قُلوبِنَا، الّتي أَسْقَمَها وَأَعمَاهَا وَكَبَّلَها عِشْقُ الْمَال! مُتَّخِذينَ مِن كَلِمَاتِ سِفرِ طُوبيّا شِعارًا وَهَدَفًا: ﴿تَصَدّق مِنْ مَالِكَ وَلا تُحوِّل وَجهَكَ عَنْ فَقير. إِنْ كَانَ لَكَ كَثيرٌ فَابذُلْ كَثيرًا، وإنْ كانَ لَكَ قَليلٌ فَابذُل قليلًا، وَلَكِنْ لا تَخَف أَنْ تَتَصدّق... مِنْ خُبزِكَ أَعطِ الجائِع، وَمِنْ ثِيابِكَ العُراة. وإذا تَصَدَّقتَ فَلا تَندمْ عَينُكُ﴾ (طوبيّا 7:4-8، 16). أَمّا للبخيل فَأقول، مَا قَالَهُ الشّاعرُ السّوري وائل جحا: لا تَطْلُبنَّ مِنَ البَخيلِ الْمَالَ فَالقَلبُ مِنهُ إلى الدَّنِيَّةِ مَالَ القِرشُ في يَدِهِ يَئِنُّ وَيَشتَكي يَرجو التَّحَرُّرَ يرفُضُ الأغْلالَ يَا عَاشِقَ الدُّنيا سَتَندَمُ عِندَمَا تُلْقَى بِقَبرِكَ حَامِلًا أثقالا. |
|