رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لماذا اختار هؤلاء الرجال: نوحًا ودانيال وأيوب؟ ربما لأنهم يمثلون عّينة من رجال أبرار عاشوا في وسط أشرار، فنوح عاش وسط جيل فاسد استحق الطوفان، وأيوب احتفظ ببره وسط جو وثني، أما دانيال فإما قُصد به دانيال الذي عاش مع الثلاث فتية في أرض السبي طاهرًا وهو بعيد عن كل إمكانيات الحياة المقدسة أو ربما قصد به دانيال الوارد في ألواح راس شمرا Ras-shamra التي ترجع إلى حوالي 1400 ق.م.، كان رجلًا حكيمًا، وقاضيًا فينيقيا، يحكم بالعدل في قضايا الأرامل والأيتام. بهذا يكون الرب قد وبخ هذا الشعب اليهودي إذ قدَّم ثلاث رجال أبرار ليسوا عبرانيين هم نوح وأيوب قبل إبراهيم ودانيال رجل فينيقي، وكأن الله يؤكد لهم عدم محاباته. إنه يُريد خلاص كل نفس مهما يكن جنسها مادامت تتجاوب مع محبته ووصيته. ويرى القديس أغسطينوس أن هؤلاء الرجال يمثلون رموزًا، إذ يقول: [قدم الله في هؤلاء الرجال الثلاثة بلا شك رموزًا للدرجات الثلاث من الناس الذين يخلصون]. أعتقد أن نوحًا يمثل قادة الأمم الأبرار بسبب تدبيره الطوفان كرمز للكنيسة، ودانيال يمثل الأبرار في الطهارة، وأيوب يمثل الأبرار المتزوجين. ويرى العلامة أوريجانوس أن كل واحد من الثلاثة مرّ بمراحل ثلاث: فترة سعادة يلحقها مرحلة من الحزن والألم ثم عودة إلى الفرح والسعادة. هكذا يبدأ الإنسان حياته الروحية بتعزيات إلهية يلحقها طريق ضيق ومتاعب تدخل به إلى أمجاد روحية جديدة... هذا هو طريق الصليب الممجد، أو طريق الشركة مع المسيح المتألم القائم من الأموات، أو طريق الخلاص. أما العقوبات المُرَّة التي يسقط تحتها الإنسان بسبب خطاياه فهي أربعة: أ. الجوع الذي يقطع الإنسان والحيوان عن الأرض [13]. ب. الوحوش الرديئة التي تُحوِّل الأرض خرابًا وتُثكل الأمهات [15]. ج. السيف الذي يقطع الإنسان والحيوان عن الأرض [17]. د. الوبأ الذي يسكب غضب الله على الأرض بالدم [19]. أما ذكره "الإنسان والحيوان"، فلأن الإنسان يشير إلى الجانب العقلي أو النفسي، والحيوان إلى الجانب الجسدي، وكأن الخطيئة وهي تحرم الإنسان من الله إنما تفقده البركات الروحية والزمنية، أو بركات النفس الداخلية والجسد أيضًا. الجوع، وفقدان الأمان (الوحوش الرديئة)، ونزع السلام (السيف)، والحرمان من الصحة (الوباء) إنما هي ثمار طبيعية يجتنيها الإنسان من الخطيئة التي تعزله عن الله مصدر شبعه وأمانه وسلامه وصحته. لهذا إذ يشعر القديس أغسطينوس بالجوع والقلق يلجأ إلى الله، مناجيًا إياه: [إلهي... لقد جعلت نفسي قادرة على أن تسع جلالك غير المحدود، لئلا يكون لها شيء يقدر أن يملأها سواك! إلهي... إنك صنعتنا لأجلك... لذلك يبقى قلبنا مضطربًا، قلقًا، عديم الراحة على الدوام حتى يستريح بك]. هذه الضربات بما تحمله من رموز إنما تمثل جوانب أربعة نتيجة لعمل الخطيئة في حياة الإنسان هي: الجوع بسبب فقدان معرفة الحق، الوحوش الرديئة التي تمثل سيطرة الشياطين على النفس فتقتل كل فضيلة فيها وتجعل النفس كالأم الثكلى بلا رجاء، والسيف إذ يفقد الإنسان حيويته فيصير كالقتيل بلا نفع، وأخيرًا الوبأ إذ يصير الإنسان جرثومة فساد يُحطم من هو حوله. وكأن الضربات ترمز إلى حرمان الإنسان من الحق وخضوعه لسيطرة إبليس، وحرمانه من كل حيوية وصيرورته بؤرة فساد للآخرين! |
|