رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إنَّ الْمسيحَ قَدْ حَرَّرَنا تَحريرًا إنَّ الْمسيحَ قَدْ حَرَّرَنا تَحريرًا (غلاطية 1:5) عظة الأحد الثّالث مِن زمن الْمجيء يُوحَنَّا الْمعمَدان شَخصِيَّةُ الْمَجيءِ بامْتِياز! نَراهُ اليَوم مُلْقَىً في السِّجنِ، في واقِعٍ مُغَايرٍ تَمامًا عَمَّا رَأَينَاهُ في إنجيلِ الأحدِ الْماضي، حَيثُ كانَ يُبشِّرُ ويُحضِّرُ طَريقَ الرّب! أَمَّا اليوم، فَهوَ سَجينٌ لأجلِ كَلِمَةِ الحقّ، بِأَمرٍ مِن سَيِّدِ البَاطِلِ هيرودس، وَبِتَوجيهَاتٍ مِن أَميرةِ الظّلامِ هيروديّا، الّتي كَانَت نَاقِمةً عَلَيه، وَلم يَهدَأ لَها بَال، حَتّى حَصَلَت عَلَى رَأسِهِ فَوقَ طَبَق (راجع مرقس 17:6-29)! فَأَصحَابُ الْمَبدَأ يُخيفونَ مَن هُم بِلا مَبدَأ، وَالنَّاطِقونَ بالحقِّ، ولو كَانوا مُكَبَّلين، يُرعِبونَ أَربَابَ الباطِل! فَالْفِكرُ لا يُقَيَّد، وَإن قُيِّدَت الأجسادُ وَحُبِسَت الأبْدَان! يُوحَنَّا الْمَعمَدان في حَياتِهِ وَسِجْنِهِ حَتَّى مَوتِه قَتْلًا، يُمثِّلُ الصّراعَ القَائِمَ بَينَ الحقِّ والبَاطِل، بَينَ الخيرِ والشَّر! ويُمثّلُ أُسلَوبَ البَاطِل في مُحارَبَةِ الحقّ، بِطُرُقٍ قَمْعِيَّة وَأَحيانًا وَحشِيَّة، تُكَمِّمُ كُلَّ أَشْكَالِ التَّعبير! يُوحنّا يُمثِّلُ كُلَّ صَاحبِ حقٍّ لا يَنْثَني في الدِّفَاعِ عَن حَقِّهِ وَالْمُطَالَبَةِ بِه. يُوحنّا يمثّلُ كُلَّ صَاحبِ مَبْدَأ، لم يَنْخُره فَسَادُ الْمَالِ وَالجَاهِ وَالسُّلْطَة! يُوحنّا الْمَعمَدَان شَاهِدُ الحقِّ الأمين، الّذي عَرَفَ أَنْ يَتَوَارَى، لَمّا ظهرَ الحقُّ كُلُّهُ: يَسوعُ الْمَسيح، فَأعلَنَ قَائِلًا: ﴿لا بُدَّ لَهُ مِن أَن يَكبُر، وَلا بُدَّ لِي مِن أَنْ أَصغُر﴾ (يوحنّا 30:3). يُوحنّا لَم يَسعَى وَرَاءَ شَعْبَويّاتٍ رَخيصَة، وَلم يَتَأبَّط مَكَانَتَهُ الاجْتِمَاعيّة دونَ فِكَاك، بَينَ النّاس الّذينَ كَانوا يَرونَ فِيهِ نَبِيًّا، وَيَقصِدونَهُ مِن كُلِّ مَكان! بَل تَخلّى وَرَجَعَ إلى الوّراء، عِندَمَا حانَ الوَقت، إذْ عرفَ أنْ قَد انْتَهى دَورُه، فَالكَلِمَةُ الَّتي لِأَجْلِهَا كَانَ صَوتًا مُنَادِيًا، قَدْ حَلَّ وَأَتى! يُوحنّا أَعظَمُ مَواليدِ النِّسَاء! وَعَظَمَتُهُ تَكْمُنُ في تَواضُعِهِ وَمَعرِفَتِه لِنَفْسِهِ وَقَدْرِه، مَا لَهُ وَمَا عَليه! والّذي يَتبَعُ الحق، يَعرِفُ جَيِّدًا مَن هوَ، فَلا يَتَكَبَّر وَلا يَنتفِخُ مِنَ الغُرور، مُدَّعيًا باطِلًا مَا لَيسَ فِيه، أو مَن لَيسَ هوَ! أَضِف إلى ذلِك، أنَّ يوحنّا لم يَسْعَى لاسْتِمالَةِ جَانِبِ أَهلِ السُّلطة، فَلَمْ يُحابي هيرودس طَمَعًا، وَلم يَخشى هيروديّا خوفًا، إلى أنْ كَلَّفَهُ موقِفُه هَذَا حَيَاتَهُ عَينَها! مُشْكِلَةٌ كُبرَى عِندَما يَتَراكَضونَ وَيَتزاحمون، بحثًا عَن مَجدٍ زَمنيٍّ وكرامَاتٍ باطِلَة، والبَعضُ يَبيعُ ضمائِرَهُم، لأجلِ مَنْفَعَةٍ وَمحاباةٍ! وَفي هَؤلاءِ يَتمُّ قَولُ الْمسيح مُدينًا: ﴿وأنتم تَتَلقّونَ الْمجدَ بعضُكم مِن بعضٍ، وَأمَّا الْمجدُ الّذي يأتي مِن الله وَحدَهُ فلا تَطلبون!﴾ (يوحنّا 44:5). تُرابٌ يَقبَلُ الكَرامَةَ مِن تُراب، ولا يَطلُبُها مِنَ الّذي جَبَلَ، فَجَعلَ الحياةَ في التّراب! (راجع تكوين 7:2). الْمَسيحيُّ في الحياةِ العَامَّة عَلَى وَجهِ التّحديد، عَلَيهِ أَن يَنحازَ لجانبٍ واحد فَقط. فَسياسَةُ الَّلعبِ عَلى أَكثرِ مِن وَتَرٍ، لا تَصِح! فَإِمَّا أَنْ تَكونَ مَع الحقّ وَإمّا مَع البّاطِل، إمّا مَع النّزاهةِ والصِّدق وَإمّا مع الكَذبِ والغِش، إمّا مَع الْمَسيح وإمّا عَليه! لأنَّ الْمسيح لا يَرضى بِأَنْصَافِ الْمَواقِف، وَلا بِأَشبَاهِ الرّجال! أمّا "الوَسَطيّة" عَلى حِسابِ الْمسيح، على حِسابِ الإيمانِ وَالعَقيدَة، عَلى حِسابِ التَّعليمِ والأخلاق، فَهي أمرٌ مَرفوض، لأنّها بِبَسَاطةٍ نِفَاقٌ وَإنْكَارٌ للمسيح! وَهُنا كَثيرون، مُكرَّسون وَمُؤمنون، بحاجَةٍ إلى أنْ يُراجِعوا مَواقِفَهم، الّتي فيها أَظْهَروا شَكلًا مِن الخُذلانِ نحوَ مَسيحيهم وإيمانِهم! يُوحَنَّا يَا أَحِبَّة، عَاشَ حُرًّا وَمَاتَ دَاخِلَ سِجنِه حُرًّا لا عبدًا! لَم يَدع شيئًا يَشتَريه أو شَخصًا يَسْتَعبِدُهُ! لم يُسَيطر عَليهِ هيرودس، وَلم يَمتَلِكْهُ لا بِمالِهِ ولا بِسُلطَتِه! بل عَلَى العَكسِ تمامًا، فَالعَبْدُ كَانَ هيرودس، الّذي رَضَخَ وانْقَادَ عَبْدًا ذليلًا وَراءَ هيروديّا وَابْنَتِهَا الرّاقِصة! أَمَّا يوحنّا فَكَانَ صاحِبَ مَوقِفٍ، وَمُدافِعًا شَرِسًا عن الحقّ، حتّى النَّفَسِ الأخير! لِذلك أختُمُ فَأقول: النّاسُ وَإنْ بَدوا أَحرارًا وَأَصحابَ سُلطةٍ وَجَاه، إلّا أنّ مَواقِفَهم تَكشِفُهم، وتَفضَحُ كثيرًا مِنهم. لأنّهم بِبساطَة عَبيد، إِمّا لِرَغَباتِهم وَإمّا لِرَغَبَاتِ غيرِهم! وَكَما قالَ الرّسولُ بولس، في رسالتِه الأولى إلى أهل قورنتوس: ﴿كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لِي، ولكنِّي لَنْ أَدَعَ شَيئًا يَتَسلَّطُ عَليّ﴾ (12:6). لِذلك تَذكّر أَيُّهَا السّامِعُ والقارِئُ العَزيز: ﴿إنَّ الْمسيحَ قَد حَرَّرَنا تَحريرًا. فاثْبُتوا إذًا وَلا تَدَعوا أَحدًا يَعودُ بِكُم إلى نِير العبوديّة﴾ (غلاطية 1:5) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الْمسيحُ بِدَورِهِ أَرَادَ أنْ يَسموَ عَن تِلكَ الخِلافات |
أَتُرَى الْمسيحُ انقَسَم |
فَنَحنُ الّذينَ نَنتظِرُ الْمَجدَ الأبديَّ الآتي |
لِذلك ضَع الْمسيحَ دَومًا نُصبَ عَينِك |
يُعطي الْمسيحُ مَثَلَ نوح |