هلاك الأشرار
اَللهُمَّ كَسِّرْ أَسْنَانَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمِ.
اهْشِمْ أَضْرَاسَ الأَشْبَالِ يَا رَبُّ [ع6].
كثيرًا ما يتطلع الكتاب المقدس إلى الأفواه والأسنان كما الألسنة والشفاه أنها تشير إلى قوة الاعتداء والافتراس. فمن جانب تستخدم الوحوش المفترسة أنيابها عند هجومها على الفريسة. ومن جانب آخر، فإن الهراطقة والملحدين يستخدمون أفواههم للتجديف على الله، وتضليل المؤمنين عن الحق. يقول المرتل: "قم يارب، خلصني يا إلهي. لأنك ضربت كل أعدائي على الفك. هشمت أسنان الأشرار" (مز 3: 7). كما يقول الحكيم: "جيل أسنانه سيوف، وأضراسه سكاكين لأكل المساكين عن الأرض، والفقراء من بين الناس" (أم 30: 14).
تذكر داود النبي كيف قتل أسدًا ودبًا لإنقاذ غنم أبيه (1 صم 17: 36)، لذا يقول: "الرب الذي أنقذني من يد الأسد، ومن يد الدب، هو ينقذني..." (1 صم 17: 37). الآن مهما ظن الأعداء أنهم أشبال أقوياء قادرون على الافتراس بأنيابهم، فإن الرب قادر أن يكسر هذه الأنياب.
تارة يشبههم بالحيات التي تبث السموم في جسم الإنسان بأنيابها، وأخرى بالأشبال المتعطشة إلى سفك دم الفريسة، تمزقها بأنيابها.
* أسنان الأشرار هي أقوالهم، لأنه كما أن الحية سمها في أسنانها، كذلك الأشرار. فإن الضرر هو في أقوالهم البارزة من أفواههم وأسنانهم. وأما الأنياب، فنُقال عن قوتهم الطاغية. لأن قوة السباع في أضراسها، وأنيابها التي تفترس بها، فيسحقها الله ويهشمها، وينجي المظلومين من أذيتهم.
الأب أنثيموس الأورشليمي
يرى القديس أغسطينوس أن الذين جاءوا يجربون السيد المسيح، سألوه إن كانوا يدفعون الجزية لقيصر أم لا، هم أشبه بالحيات السامة. وإذ أخرج الإجابة من أفواههم "كسَّر أسنانهم في أفواههم". وأما الذين ثاروا ضده، صارخين: "اُصلبه، اُصلبه" فكانوا يزأرون كأسود أو أشبالٍ مفترسة. وقد هشَّم السيد أضراسهم تمامًا.
* ماذا يعني: "في أفواههم"؟ فعل هذا هكذا، جعل أفواههم ذاتها تشهد ضدهم. إنهم يلتزمون بالحكم على أنفسهم ذاتها.
* أسنان الخطاة يمكن أيضًا أن تعني زعماءهم الذين يستخدمون سلطانهم ليقطعوا البشر عن طريق الاستقامة، ويضمونهم إلى جماعة فاعلي الشر. مقابل هذه الأسنان توجد أسنان الكنيسة الذين بسلطانهم يُقطع المؤمنون من أخطاء الوثنية والتعاليم الهرطوقية، وبهذا يوُجهون نحو العودة إلى الكنيسة، جسد المسيح. بهذه الأسنان أمر بطرس أن يأكل الحيوانات عندما ذُبحت، أي بقتل الوثنية التي للأمم، وتغييرهم إلى ما هو عليه (كأعضاء في جسد المسيح).
القديس أغسطينوس
* لنبكِ عليهم لا يومًا ولا يومين، بل كل أيام حياتنا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
لِيَذُوبُوا كَالْمَاءِ، لِيَذْهَبُوا.
إِذَا فَوَّقَ سِهَامَهُ فَلْتَنْبُ [ع7].
لقد حطم السيد المسيح إبليس والموت بقيامته، فصار إبليس أشبه بحيوانٍ مفترسٍ قد تهشمت أنيابه، لا حول له ولا قوة، حتى أمام الأطفال.
يتطلع المرتل إلى أعدائه الأشرار، وكأنهم أشبه بالمياه التي تسقط في الأمطار في وسط الصحراء، تعجز عن أن تُغرق أحدًا، إذ تجففها حرارة الشمس الشديدة، كما تتسلل بين رمال الصحراء، وكأنها تذهب بلا عودة. أما الله فيصوب سهامه نحو الأشرار، فيتمزقون إربًا إربًا.
يرى البعض أن الحديث هنا عن الشرير الذي يصوب سهامه ضد البار ليقتله، فإذا بها تبتعد عن الهدف، ولا تصيب البار.
فلتنْب تعني عدم إصابة الهدف.
فوّقوا تعني وضع أسفل السهام في الأوتار لإطلاقها.
كَمَا يَذُوبُ الْحَلَزُونُ مَاشِيًا.
مِثْلَ سِقْطِ الْمَرْأَة،ِ
لاَ يُعَايِنُوا الشَمْسَ. [ع8].
الحلزون هو حيوان رخو يعيش في صدفة البحر.
فيما هم يعملون بكل قوة وبسرعة حتى لا يفلت البار من أياديهم، إذا بهم يشبهون الحلزون البطيء الحركة للغاية والكسول. أو مثل السمكة الرخوة التي في داخل قوقعة خزفية عاجزة عن الحركة، وعن مقاومة من يحملها ليذهب بها أينما شاء.
يشبّه الأشرار بالحلزون الذي متى شعر بالخطر يغيِّر لونه من الأحمر الفاتح إلى الأبيض الباهت، ويبدو كأنه قد ذاب، إذ يدخل قوقعته ويختبئ. إنهم مثل الحلزون البطيء جدًا في حركته، لكنه وهو يسير ببطيء يفرز مادة لزجة على الطريق لامعة، سرعان ما تزول كلما تحركت .
يشبههم أيضًا بالسقط الذي لم يكتمل نموه. التعبير العبري يشير إلى ثمرة الإجهاض، حيث يكون السقط ميتًا، ليس فيه حياة ولا قوة، ويطلب الكل الخلاص منه. أمّا أنهم لا يعاينون الشمس، فمعناه أنهم لا يُحسبون بين الأحياء، وأنهم فاقدو البصر والبصيرة.
قَبْلَ أَنْ تَشْعُرَ قُدُورُكُمْ بِالشَوْكِ،
نِيئًا أَوْ مَحْرُوقًا يَجْرُفُهُمْ [ع9].
مرة أخرى يشبههم بالشوك الذي يعجز عن الوقوف أمام نار غضب الله. تهب الريح على الشوك الملتهب نارًا، فيصير رمادًا يتطاير، ويتبدد هنا وهناك. كثيرًا ما يُستخدم تشبيه الشوك الذي يحترق تحت القدر (مز 118: 15؛ جا 7: 6).
يشبه الأشرار قدرًا فيه يوضع الطعام لطبخه على نار متقدة بأشواك تُجمع من البرية. لكن تهب عاصفة، فتجرف القدر ومعها الشوك الذي تحته، سواء كان قد احترق وصار رمادًا، أو لم يحترق بعد. هكذا ينشغل الأشرار بالمؤامرات ضد أولاد الله، وكأنهم يوقدون نارًا في شوك، وإذا بعاصفة تهب فتبدد خططهم.
يقول العلامة أوريجينوس:
[قلب الإنسان هو تنور. لكن إن كان هذا القلب تلهبه الرذائل أو يشعله الشيطان، فإنه لا يُطهى (أو يُخبز) بل يُحرق. ولكن إن كان يشعله ذاك الذي قال: "جئت لأرسل نارًا على الأرض" (لو 12: 49)، فإن خبز الأسفار الإلهية وكلمات الله التي أتقبلها في قلبي، لا أحرقها لدمارها، بل أخبزها لتقديمها ذبيحة .]
* لا يقفون ضدك، إنهم لن يستمروا، فإنهم يهلكون بنوع من نار شهواتهم... الشهوة الشريرة تشبه نارًا واحتراقًا. عندما يتحدث الكتاب المقدس عن الزنا يقول: "أيأخذ إنسان نارًا في حضنه ولا تحترق ثيابه؟!" (أم 6: 27)...؟ اسمعوا ما يقوله الرسول: "لذلك أسلمهم الله أيضًا في شهوات قلوبهم (أي نار الشهوة)" (رو 1: 24)...
* تحل عليهم النار، نار الكبرياء، نار الشهوة، نار السخط. يا لخطورة هذه النار! ذاك الذي تسقط عليه لا يرى الشمس. لذلك قيل: "لا تغرب الشمس على غيظكم". لهذا، أيها الإخوة نار الشر ترعبكم، إن كنتم تذوبون كالشمع، وتهلكون أمام وجه الرب. حيث تسقط تلك النار عليكم، ولا ترون الشمس.
القديس أغسطينوس