رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أَصْرُخُ إِلَى اللهِ الْعَلِيِّ، إِلَى اللهِ الْمُحَامِي عَنِّي [ع2]. شعر داود المرتل بضعفه مع قوة العدو المقاوم له، لكن يبقى الله فوق الكل، لا يُشمخ عليه. إنه قادر أن يحقق ما يبدو مستحيلًا ليحميني، ويهبني من فيض سلامه وفرحه، فأحيا به سعيدًا. كأن المرتل قد تطلع إلى ابن داود الذي قبِلَ أن يدخل تحت المحاكمة، ويرتفع على الصليب، لكي يشفع فيه بدمه، ويدخل به إلى المساكن العلوية. لقد صرخت القيادات مع الشعب تطالب بصلبه، ظانين أنهم ينزلون به إلى الهاوية، ويتخلصون منه إلى الأبد. أما المرتل فيصرخ في أعماقه بلغة الروح، متطلعًا إلى المصلوب أنه "الله العليّ"؛ وهو الديان والقاضي، يشفع في المرتل ليصعده من الهاوية ويصعد به إلى الأعالي. * صراخ الصديق إلى الله لا يكون بارتفاع الصوت، بل بشدة عزم النفس ونشاطها، الأمر الذي من أجله يقول الرسول في رسالته إلى أهل رومية: "الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا يُنطق بها" (رو 8: 26). أما قوله: "الله العلي"، فيدل على أن الإثم سفلي ودنيء، والحاجة إلى من هو في العلو. الأب أنثيموس الأورشليمي صار الديان المخيف شفيعًا عني، ودمه المبذول كفارة لخطاياي. أو كما يصفه يوحنا الرائي أنه "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ 5: 6). لازالت جراحاته باقية في جسده بطريقة تعلو عن أذهاننا، ودمه يشفع عنا. "فمن ثم يقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون بواسطته إلى الله، إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم" (عب 7: 24-25). وكما يطمئن يوحنا الحبيب نفوسنا فيقول: "يا أولادي أكتب إليكم هذا، لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1 يو 2: 2). صار الديان شفيعًا عن المتهمين الذين قبلوه وآمنوا به والتصقوا به وعاشوا بروحه الساكن فيهم، لهذا ننتظر يوم الدينونة بفرح قائلين: "من سيشتكي على مختاري الله؟ الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين؟ المسيح هو الذي مات، بل بالحرى قام أيضًا، الذي هو أيضًا عن يمين الله، الذي أيضًا يشفع فينا" (رو 8: 32-34). هكذا لم أعد أخاف يوم الدينونة، ولا أرتعب من الخطية بالرغم من ثقلها وشرها، فهي عاجزة عن أن تحجبني عن محبة ربي يسوع أو تشغلني عنه، مادمت أجيء إليه، ملتصقًا بالصليب بقلبٍ منكسرٍ. إذ عند الصليب تتحطم قوى الخطية ونجاساتها، ويبقى الرجاء عاملًا فيّ. يبقى الصليب علامة حب الله لنا، يجذب قلوبنا إليه، مهما أحسسنا بكثرة عصياننا وتعدياتنا على وصايا الله، نقدمها إليه مهما كانت القلوب حزينة آثمة! * بنور الصليب انفضحت الضلالة التي أدخلتها الحية (رؤ 12: 9). انحلت شهوة الغنى والسلطة التي ملكت من شجرة المعرفة (تك 2: 9)، بالثمرة التي ظهرت من شجرة الحياة (المسيح المصلوب). طُرد حارس الفردوس (تك 3: 14)، وأُعطيت مفاتيح الجنة للِّص الذي استحق الجانب اليمين (مت 17: 31). أخذ رمح الكاروب (تك 3: 24)، وفتح طريق الفردوس، وطُعن (مُفسد) الفردوس بالرمح... وفتح الجنة ليدخل المطرودون إلى تخومهم . * سحق بصليبه الحية العظيمة التي خدعت أمنا... طرد الكاروب الذي كان حارسًا شجرة الحياة، وقبل الرمح في جنبه، ليدخل الورثة الذين خرجوا. فتح الفردوس الذي كان مُغلقًا أمام الداخلين، ورد للمطرودين ميراثهم وحدودهم. أدخل اللص، وصار الرجاء لبيت آدم. فُتحت المراحم للخطاة وردتهم. غلق الهاوية وترس أبوابها التي كانت مفتوحة. أبهج الجنة بفتح أبوابها المغلقة! جازت الأزمنة الشريرة التي كانت لبيت آدم، وجاءت الأزمان الصالحة لكي يرث الذين كانوا مطرودين. محا الصك العظيم الذي كتبته حواء أمنا، هذا الذي كتبته الحية في الجنة بهزيمة آدم... قبل أن يفي كل دينٍ على آدم... من أجل هذا جاء، وصار منا، وحمل موتنا لأنه جعلنا أن نكون منه. صار مثلنا لما تنازل وصار بجوارنا، وجعلنا مثله هناك في مكان أبيه. أعطى الصحة، وحمل هو أوجاع المضروبين. افتقد المرضى واحتمل الآلام من الصالبين... قتل التنين الذي أكل آدم التراب ... وأعطى حواء حلة المجد التي كانت ترتديها، هذه التي سرقتها الحية منها بين الشجر. أخذ من آدم ثوب الورق المفضوح، وأعطاه عوضًا عنه لباس المجد الذي تعرى منه. ها هو عمانوئيل معنا كما كرز به، ونحن معه لنحيا بحياته، له المجد دائمًا. القديس مار يعقوب السروجي تعلن صرخات السيد المسيح كممثل للبشرية عن حاجتنا إلى الصراخ إلى الله لنطلب مراحمه، واثقين أنه يعمل دائمًا ما هو لبنياننا وخيرنا، يصنع معنا خيرًا ويحامي عنا. * إن كان هو العلي، فكيف نسمعه يصرخ؟ تتحقق الثقة خلال الخبرة، فيقول: إلى الله الذي صنع معي خيرًا. إن كان قبل أن أبحث عنه صنع معي خيرًا، ألا يسمع لي عندما أصرخ إليه؟ فقد صنع الرب الإله (الآب) خيرًا بإرساله مخلصنا يسوع المسيح ليموت عن معاصينا ويقوم لتبريرنا (رو 4: 25). لأي نوع من البشر أراد أن يموت ابنه عنهم؟ لأجل الخطاة. لكن الخطاة لم يطلبوا الله، وكان الله يطلبهم. إن كان هو العلي في هذا الأمر، لهذا فإن بؤسنا وتنهداتنا ليست بعيدة عنه، فإن الرب قريب من منسحقي القلوب (مز 34: 18). "الله يصنع معي خيرًا". القديس أغسطينوس * بين كل المولودين الذين لبسوا جسدًا واحد هو البار، إنه يسوع المسيح، كما يشهد عن نفسه، إذ قال: "أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33). وشهد عنه النبي أيضًا: "لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غش" (إش 35: 9). وقال الرسول الطوباوي: "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا" (2 كو 5: 21). كيف جعله خطية؟ حمل الخطية دون أن يرتكبها، وسمرها على الصليب (كو 2: 14). يقول الرسول أيضًا: "الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون، ولكن واحدًا يأخذ الجعالة" (1 كو 9: 24). أضف إلي هذا أنه ليس من بين البشر من نزل إلي المعركة ولم يُجرح أو يُضرب، لأن الخطية سيطرت منذ تعدى آدم الوصية (رو 5: 14)، فضربت الكثيرين، وجرحت الكثيرين، وقتلت الكثيرين. ولم يقتلها أحد من بين الكثيرين حتى جاء مخلصنا على صليبه. كان لها شوكة توخز الكثيرين، حتى جاءت النهاية، وتحطمت شوكتها حين سُمرت على الصليب . القديس أفراهاط |
|