رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قصة الميلاد بقلم قداسة البابا شنودة الثالث السبت 31 ديسمبر 2011 قصة الميلاد تحمل كثيرا من المعاني العميقة. فهي قصة فرح, وقصة خلاص, وقصة حب, وقصة اتضاع, وقصة مصالحة, وقصة ألم واحتمال. قصة الميلاد تحمل كثيرا من المعاني العميقة. فهي قصة فرح, وقصة خلاص, وقصة حب, وقصة اتضاع, وقصة مصالحة, وقصة ألم واحتمال. 1- قصة فرح, وقصة خلاص: ميلاد السيد المسيح, هو فرح لجميع الشعوب. لأنه بداية تنفيذ خطة الخلاص التي رسمها الرب لفداء البشرية, ولذلك نري عبارة الفرح وعبارة الخلاص تتكرران إن كثيرا في قصة الميلاد. انظر إلي تسبحة العذراء وهي تعبر عن هذين المعنيين, إذ تقول ... وتبتهج روحي بالله مخلصي (لو1:47) حقا إن البهجة بالميلاد, هي البهجة بالخلاص, ليس بأفراح عالمية. نفس الأمر يتكرر في بشارة الملاك للرعاة, اذ قال لهم ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب (لو2:10:11), وهنا نجد أيضا الفرح مرتبطا بالخلاص. وكان هذا هو نفس سبب فرح سمعان الشيخ الذي حمل الطفل يسوع, وبارك الله قائلا الآن يارب تطلق عبدك بسلام, لأن عيني قد أبصرتا خلاصك, الذي أعددته قدام جميع الشعوب (لو2:28-31). الخلاص تم علي الصليب, ولكن سمعان الشيخ رأي في ميلاد المسيح تباشير موكب الخلاص الآتي إلي العالم, ونفس عبارة الخلاص تتكرر في تسبحة زكريا الكاهن الذي قال: مبارك الرب... لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه (لو1:68, 69). وحتي بالنسبة إلي إبنه يوحنا قال وأنت أيها الصبي, نبي العلي تدعي لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم (لو1:76, 77). وحتي في ميلاد المسيح أسموه (يسوع) أي مخلص لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (متي 1:21) إننا لا نستطيع أن نفصل ميلاد المسيح عن الخلاص والفرح, لأنه جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك (لو 19:10). إنه خلاص من خطايانا, ومن حكم الموت الصادر علينا. وأيضا خلاص شامل يقول فيه روح السيد الرب علي... مسحني لأبشر المساكين. أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبين بالعتق, وللمأسورين بالإطلاق (1ش61:1). فهل نحن في يوم ميلاد الرب, نفرح بالخلاص الذي من أجله تجسد ونزل إلي عالمنا؟! أم أن أفراحنا تشبه أفراح أهل العالم في مظاهرها الخارجية؟! لها الصفة الاجتماعية, وليست لها الصفة الروحية!! إننا في عيد الميلاد, نفرح ببدء قدوم موكب الخلاص, وفي عيد الغطاس, نتذكر المعمودية التي وهبنا الله إياها كوسيلة للخلاص فقال من آمن واعتمد خلص (مر16:16). هذه المعمودية التي كان يرمز إليها الختان في العهد القديم (كو 2:11- 14). وبهذا أيضا نفرح في عيد الختان. وفي يوم الجمعة العظيمة, نتذكر الخلاص الذي تم علي الصليب,وفي عيد القيامة نتذكر الخلاص من الموت, وفي عيد الصعود, نتذكر الخلاص من هذا العالم المادي الفاني كله, والانتقال منه إلي السماء. كل الأعياد السيدية, هي قصة خلاص متتابعة وبهذا نحن نفرح, وتبتهج أرواحنا بالله مخلصنا. وماذا أيضا في قصة الميلاد؟ 2- إنها قصة اتضاع: هذا الاتضاع العجيب, الذي فيه رأينا رب المجد, وقد أخلي ذاته, وأخذ شكل العبد, وصار في الهيئة كإنسان (في 2:7). وليس هذا فقط, وإنما في مولده, اختار له أما فتاة يتيمة, تعيش في كنف نجار فقير... وفي نزوله إلي العالم, لم ينزل في مركبة نورانية, ولا علي أجنحة الكاروبيم... إنما جاء في صمت وهدوء, وولد في مذود بقر. قصة الاتضاع في الميلاد لها عمقها العجيب, وقد استمر الأمر طوال فترة تجسد الرب علي الأرض... عاش بلا لقب, بلا وظيفة رسمية في المجتمع, بلا مكان إقامة, وقال في ذلك: للثعالب أوجرة, ولطيور السماء أوكار. أما ابن الإنسان فليس له اين يسند رأسه (متي 8:20). وحتي بالنسبة إلي تعليمه, لم يكن له مكان. كان يعظ علي جبل, وأحيانا في البرية, وأحيانا علي شاطئ البحيرة أو في الحقول أو في البيوت. ليس له مكان ثابت يلقي عظاته فيه, وإنما يجول المدن والقري. يصنع خيرا وعلم تلاميذه نفس المنهج, فقال القديس بولس الرسول إلي هذه الساعة, نجوع ونعطش ونعري ونلكم, وليس لنا إقامة (1كو4:11). وهكذا وضع لنا المسيح مبدأ منذ ميلاده, وهو عدم الاهتمام بالمجد الخارجي. وهكذا قال في ذلك مجدا من الناس لست أقبل (يو5:41)... عاش بعيدا عن المظاهر, يمشي علي قدميه, ويختلط بالفئات الفقيرة, والمرذولة من الناس, كالسامريين والعشارين والأمم, وفي كل ذلك يذكرنا بقول المرتل في المزمور: كل مجد ابنة الملك من داخل (مز44). مع أنها مشتملة بأطراف موشاة بالذهب, ومزينة بأنواع كثيرة... إلا أن مجدها, أي مجد النفس البشرية, كله من الداخل. في صفات القلب الداخلية, في ثمار الروح, في النقاوة في الحب, في الوداعة... أما المجد العالمي فلا قيمة له... وهكذا ولد المسيح في مكان مجهول, وفي موعد مجهول, ولم يكن في انتظاره أحد يحتفل به, والمجوس الذين أتوا لزيارته, احتاجوا إلي نجم يرشدهم إليه, ومن قصة إخلاء الذات والميلاد في مذود رسم لنا الرب منهج حياة. سار هو عليه علي الأرض وكذلك تلاميذه ورسله. وهنا يقود التآمل في قصة الميلاد إلي نقطة أخري وهي: 3- كان الميلاد قصة ألم: منذ الميلاد, وبدأ التأمر علي قتله, واضطره الأمر إلي الهرب إلي مصر, اتقاء لسيف هيرودس الملك...! وأنا أعجب من الاتضاع العجيب الكامن في عبارة قم وخذ الصبي وأمه, واهرب إلي مصر (متي 2:13). تهرب من من؟ من أحد عبيدك؟! إنك تستطيع أن ترسل ملاكا من السماء, فيضربه فلا يكون, كما حدث مع هيرودس الآخر المعاصر للرسل... فما لزوم الهرب إذن؟ إنه لون من الاتضاع والاحتمال... ويتكرر نفس المظهر تماما في قول الملاك ليوسف قم وخذ الصبي وأمه, واذهب إلي أرض إسرائيل. لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي (متي 2:20). عجيب يارب هذا!! إنك تستطيع أن ترجع إلي هناك, وهم في عنفوان قوتهم, وليس فقط بعد أن يموتموا... إنما تعطينا درسا في الاحتمال وعدم مقاومة الشر (متي 5:39). وفي مصر كانت تحدث من الرب معجزات, وكانت تسقط الأصنام وتتحطم (1ش19:1), فيطردونه من مدينة إلي أخري وهكذا عاش في ألم منذ طفولته, بل قبل الهروب إلي مصر أيضا, إذ أنه ولد في يوم قارس البرد جدا, ولم تكن هناك أقمطة كافية. فذاق تعب البرد. لذلك ليس غريبا أن يصاب كثيرون بالبرد, في فترة ميلاد السيد المسيح... لكي يتذكروا البرد الذي احتمله لما أخلي ذاته من أجل خلاصهم. فلم يتمتع المسيح بطفولة متنعمة مترفهة, إنما بدأها بالألم أيضا, ومن جهة والدته, احتملت مشقة الأسفار, ومشقة الفقر, وقال لها سمعان الشيخ وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف (لو 2:35). وماذا عن قصة الميلاد أيضا؟ إنها كانت... 4- قصة حب: لولا محبة الله للبشرية, ما تجسد لكي يفديهم. لذلك قيل في الإنجيل هكذا أحب الله العالم, حتي بذل ابنه الوحيد, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية (يو3:16). أنه حب عملي, حب يفدي ويخلص, ولو بإخلاء الذات. من أجل هذا تجسد, لكي يموت عنا. وهكذا نتذكر قوله لتلاميذه: ليس لأحد حب أعظم من هذا, أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه (يو 15:13). هذا هو أيضا الحب الذي قيل عنه فيه إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم, أحبهم حتي المنتهي (يو 13:1), ونحن نحبه, لأنه هو أحبنا قبلا (1يو4:10). وفي هذا الحب دعانا إخوة له, وأبناء لأبيه السماوي. من أجل هذا الحب تجسد وبسبب هذا الحب حمل خطايانا, ودفع ثمنها علي الصليب, ومات عنا, وناب عنا في كل شئ في الصوم وفي التقدم لمعمودية التوبة, وفي إرضاء قلب الآباء. وبهذا الحب فتح أذهاننا لنفهم ما في الكتب (لو 24:45). وشرح لنا الشريعة في عظته علي الجبل, وأخرجنا من حرفية الناموس, وأدخلنا في الروح والحب, وقدم لنا المثالية العلمية في كل شئ حتي كما سلك هو نسلك نحن أيضا (1يو 2:6), وأرانا الصورة الإلهية التي حرمنا أنفسنا منها... وفي حبه منحنا الوعود الجميلة. فقال ها أنا معكم كل الأيام, وإلي انقضاء الدهر (متي 28:20). ليس فقط أثناء حياته في الجسد علي الأرض, وإنما كل الأيام... بل إنه يقول أنا ماض لأعد لكم مكانا... وآتي وأخذكم إلي. حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا (يو14:2, 3). وماذا عن قصة الميلاد أيضا؟ لقد كانت... 5- قصة مصالحة: علي رأي القديس يعقوب السروجي كانت هناك خصومة بين الله والإنسان. ولما لم يستطع الإنسان أن يذهب إلي الله ويصالحه, نزل الله إلي الإنسان وصالحه. حقا كان هذا هو هدف الميلاد... ولذلك رأينا في قصة الميلاد, ظهور ملائكة كثيرين, بعد احتجاب هذه الرؤي زمانا... ولكن الآن في قصة الميلاد بدأت السماء تصطلح مع الأرض ليس فقط في ظهورات فردية, بل نسمع عن جمهور من الجند السماوي, مسبحين الله وقائلين: المجد لله في الأعالي, وعلي الأرض السلام. وبالناس المسرة... نعم ليكن لنا في الميلاد سلام ومسرة... |
|