رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
- القمص صليب حكيم
كيف نتجنب السقوط بعد توضيح امتيازات المؤمن بالمسيح على غير المؤمن به، يوصي الرسول المؤمنين قائلا "لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسًا، فأقبلكم وأكون لكم أبا وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء" (2كو6: 17، 18). فكأن الله يأمر أبناءه في هذه الوصية بالخروج والعزلة من وسط الأمميين. هذا هو المعنى المباشر من المفهوم الحرفي للوصية، ولكن تتميم الوصية بمفهومها الحرفي الظاهري، يعني الامتناع عن الحياة وسط الناس أو التعامل معهم وهذا يتعارض مع واقع حياة الإنسان بين الناس ومع بقية وصايا المسيح. فمن جهة واقع الحياة نجد أن الإنسان لا يستطيع أن يعتزل الآخرين ويخرج من وسطهم وهو مضطر للتعامل معهم ومرتبط بالمصالح المشتركة بينه وبينهم. ومن جهة الوصايا فلا يقدر أن يعتزلهم لأن اعتزاله هذا يتنافى مع رسالة المؤمنين في العالم كما حددتها كلمات المسيح المباركة في أكثر من موضع، مثل قوله "أقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم" (يو15: 16)، وقوله "أنتم ملح الأرض" (مت15: 13)، وقوله أيضًا "أنتم نور العالم، فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت5: 14-16). فكيف نكون نورًا للعالم وملحًا للأرض وكيف يرى الناس أعمالنا ونحن منعزلون عن العالم ولا نتعامل معهم أو كيف نكرز للعالم بأعمالنا ونحن منغلقون على أنفسنا؟ إذًا هناك بالضرورة مفهوم أوسع من المفهوم الحرفي لوصية الخروج والعزلة عن العالم يمكن أن يتأكد لنا من خلال فهمنا للحقائق الآتية: الحقيقة الأولى: لاشك من الناحية الجوهرية أن المقصود بالخروج والعزلة أساسًا هو أن نتممهما أولًا بالفكر والقلب. فالإنسان المسيحي إن كان يعيش بجسمه وكيانه الحسي الظاهري وسط الناس ولكنه يعيش بالضرورة بفكر مغاير وقلب مختلف عن طبيعة ومستوى الوسط الذي يحيا فيه لأنه يحمل في داخله إنسانا آخر هو إنسان الله، إنسان الوصية المقدسة، إنسان الكلمة الحية التي تملك عليه وتشكل له إطارًا معينا من المبادئ الأخلاقية والقيم الروحية طبقا لوصايا إنجيله، يتحرك من خلالها ويحدد بها مسار سلوكه بحيث تنبعث تصرفاته من داخله وتنبع من سلطان الوصية المقدسة الساكنة فيه والمالكة عليه لا من وحي تأثيرات وقتية أو تحت ضغوط ظروف خارجية سواء كانت عوامل اجتماعية أو مادية أو عاطفية تسود البيئة أو المجتمع الذي يحيا فيه. والمسيحي بالروح والحق هو الذي منذ الطفولية يعرف الكتب المقدسة، ويسكن فيه الإيمان الساكن أولًا في آبائه وجدوده. وهو الذي ملك المسيح على فكره وقلبه فيصير محصورًا بمحبة المسيح. وهو الذي امتلأ من الروح القدس وأضحى حارًا في الروح ومنقادًا به في تصرفاته ومعاملاته، ولا تستطيع قوة ما أن تحمل الواحد منهم بأي تيار مضاد لروح الله الساكن فيه أو لمبادئه واتجاهاته الداخلية المؤسسة على كلمة الله، ويصدق عليه ما قيل عنه: "لو انتقل الجبل من مكانه لما تحول القبطي عن إيمانه". هذه هي قوة الحياة الداخلية التي تميز أولاد الله فتجعلهم جزءًا حيًا في المجتمع الذي يعيشون فيه ولكن يختلفون عنه دون أن يصطدموا به حتى وإن حاول أحد أن يخلق جوًا للتصادم. فكم من مرة أراد اليهود أن يصطدموا بالمسيح ولكنه له المجد فوت عليهم الفرصة. فمما سبق نخلص إلى أن الحياة الداخلية المرتبطة بالمسيح تصنع حاجزًا طبيعيًا في الفكر والقلب بين الإنسان وبين روح العالم فيكون الإنسان في العالم وفي نفس الوقت بعيدًا بفكره وقلبه عن كل ما في العالم من شرور وعثرات. ومقارنة بسيطة بين امرأة لوط التي تركت مكان الخطية ولكن قلبها كان متعلقًا به، وبين الذين تشتتوا بين الأمم بسبب الضيق فجالوا مبشرين بالكلمة، ترينا أهمية تتميم العزلة بالفكر والقلب. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
السقوط في ذاته ليس بالأمر الخطير، بل يكمن الخطر في البقاء منطرحًا بعد السقوط |
تنفك وتدوب |
وتينة غضة الأفنان باسقة |
وبحوث علمية |
تعلم كيف نتجنب الانانية |