الخمير في الدقيق
آ33. وقالَ لهم مثلاً آخرَ: يُشبهُ ملكوتُ السماء خميرًا أخذَتْه امرأةٌ وخبَّأتْه في ثلاثةِ أكيالِ دقيق، فاختمرَ الجميع. أورد هذا المثل الآخر ليبيِّن به قوَّة التعليم الإنجيليّ وفاعليَّته. والمرأة يُراد بها الحكمة الإلهيَّة أو الكنيسة، كما قال مار أغوسطينوس*. والثلاثة الأكيال يراد بها على رأي بعضهم قوى النفس الثلاث، أي العقل والإرادة والذاكرة. وعلى رأي غيرهم يراد بها المسكونة كلَّها، التي كان القدماء يقسمونها إلى ثلاثة أقسام، وهي آسيا وأفريقيا وأوروبّا، فإنَّ أولاد سام استوطنوا آسيا، وأولاد حام أفريقيا، وأولاد يافث أوروبّا، كما علَّم مار أغوسطينوس* (وأمّا أماريكا فكانت مجهولة إلى أن كشفها كريستوفر كلمبوس سنة 1492، ومن بعده أميريكوس الذي تسمَّت باسمه أميريكا). قال ألبرتوس الكبير*: كما أنَّ الخمير يُصلح بحرارته رطوبة الخبز، وبحيله إلى ذاته وبرفعه وبصيره خفيفًا لطيف المذاق وأسهل انهضامًا، هكذا التعليم الإنجيليّ الوجيز والمنخفض يغيِّر المسكونة كلَّها ويُصلحها إلخ.
آ34. هذا كلُّه قاله يسوع للجمعِ بالأمثال. وبغيرِ الأمثال، يعني الآراء أو الحكم ذات العلم والاعتبار لكنَّها رمزيَّة وملتبسة، لم يكُنْ يكلِّمُهم. أي في هذه المرَّة وهذه الخطبة، كما قال ملدوناتوس*.
آ35. لكي يتمَّ ما قيل في النبيّ داود القائل. في مز 27: 2: أفتحُ فمي بالأمثال وأُفيضُ بالخفيّاتِ من قَبلِ أساساتِ العالم. يعني أنَّه يوضح للناس في عصره ما لم يوضحه قبلاً لأحد الأنبياء أو أوضحه لقليل منهم، وذلك كما قال الرسول: السرّ الذي كان مكتومًا عن الدهور والأحقاب (أي سرّ تجسُّد ابن الله). وقد ظهر الآن. فالمخلِّص يستشهد قول المرتِّل الذي يذكر به إحسانات الله إلى الإسرائيليّين، منذ خروجهم من مصر إلى أيّام داود. فداود كان رسمًا للمسيح بذلك، لكنَّ قوله النبويّ هناك يطابق المسيح أكثر من مطابقته لداود نفسه.
